إن الأزلي هو الذي لم يجب، ليس هو مطلقاً، فالأزلي لا قبل كوني لهويته، فالأزلي هو لا قوامه من غيره، فالأزلي لا علة له، فالأزلي لا موضوع له ولا محمول ولا فاعل ولا سبب، أعني ما من أجله كان، لأن العلل المقدمة ليست غير هذه. فالأزلي لا جنس له، لأنه إن كان له جنس فهو نوع، والنزع مركب من جنسه القائم له ولغيره، ومن فصل ليس في غيره، فله موضوع هو الجنس القابل لصورته وصورة غيره، ومحمول هو الصورة الخاصة له دون غيره، فله موضوع ومحمول. وقد كان تبين أنه لا موضوع ولا محمول. وقد تبين أنه لا موضوع ولا محمول له، وهذا محال لا يمكن. فالأزلي لا يفسد، لأن الفساد إنما هو تبدل المحمول لا الحامل الأول، فأما الحامل الأول الذي هو الجنس فليس يتبدل، لأن الفاسد ليس فساده بتأسيس آيسته: وكل متبدل فإنما تبلده بضده الأقرب أعني الذي معه في جنس واحد، كالحرارة المتبدلة بالبرودة، لأنا لا نعد من المقابلة كالحرارة باليبس أو بالحلاوة أو بالطول أو ما كان ذلك والأضداد المتقاربة هي جنس واحد، فالفاسد جنس. فإن فسد الأزلي فله جنس، وهو لا جنس له، هذا خلف لا يمكن. فالأزلي لا يمكن أن يفسد. والاستحالة تبدل. فالأزلي لا يستحيل لأنه لا يتبدل، ولا ينتقل من النقص إلى التمام، فالانتقال استحالة ما، فالأزلي لا ينتقل إلى تمام، لأنه لا يستحيل، والتام هو الذي يكون له حال ثابتة يكون بها فاضلاً، والناقص هو الذي لا حال له ثابتة يكون بها فاضلاً، فالأزلي لا يمكن أن يكون ناقصاً، لأنه لا يمكن أن ينتقل إلى حال فيكون بها فاضلاً، لأنه لا يمكن أن يستحيل إلى أفضل منه ولا إلى أنقص بتة. فالأزلي تام اضطراراً وإذا الجرم ذو جنس وأنواع، والأزلي لا جنس له، فالجرم الأزلي. فلنقل الآن أنه لا يمكن أن يكون جرم أزلي، ولا غيره مما له كمية أو كيفية، ولا نهاية له بالفعل، وأن لا نهاية له إنما هو في القوة، فأقول: إن من المقدمات الأول الحقية المعقولة بلا توسط، أن كل الأجرام التي ليس منها شيء أعظم من شيء متساوية، والمتساوية أبعاد ما بين نهاياتها متساوية بالفعل والقوة، وذو النهاية ليس لا نهاية. وكل الأجرام المتساوية إذا زيد على واحد منها جرم كان أعظم منها، وكان أعظم مما كان قبل أن يزاد عليه ذلك الجرم. وكل جرمين متناهيي الصغر إذا جمعا، كان الجرم كائن عنهما متناهي العظم. وهذا واجب أيضاً في كل عظم، وفي كل ذي عظم. وأما الأصغر من كل شيئين متجانسين يعد الأكبر منهما، أو يعد بعضه، فإن كان جرم لا نهاية له، فإنه إذا فصل منه جرم متناهي العظم فإن الباقي منه إما أن يكون متناهي العظم، وإما لا متناهي العظم؛ فإن كان الباقي منه متناهي العظم، فإنه إذا زيد عليه المفصول منه المتناهي العظم، كان الجرم الكائن عنهما جميعاً متناهي العظم، والذي كان عنهما هو الذي كان قبل أن يفصل منه شيء لا متناهي العظم، فهو إذن متناه لا متناه، وهذا خلف لا يمكن، فإن كان الباقي لا متناهي العظم، فإنه إذا زيد عليه ما أخذ منه صار أعظم مما كان قبل أن يزاد عليه أو مساوياً له، فإن كان أعظم مما كان فقد صار ما لا نهاية له أعظم مما لا نهاية، وأصغر الشيئين بعد أعظمهما أو بعد بعضه، فأصغر الجرمين اللذين لا نهاية لهما بعد أعظمهما أو بعد بعضه. وإن كان بعده فهو بعد بعضه لا محمالة، فأصغرهما مساو بعض أعظمهما، والمتساويان هما اللذان متشابهاتهما أبعاد ما بين نهاياتهما واحدة، فهما إذن ذو نهايات، لأن الأجرام المتساوية التي ليس متشابهة هي التي بعدها جرم واحد. وتختلف نهاياتها بالكثرة أو الكيف أو معاً، فهما متناهيان. فالذي لا نهاية له الأصغر متناه، وهذا خلف لا يمكن. فليس أحدهما أعظم من الأخر، وإن كان ليس بأعظم مما قبل أن يزاد عليه، فقد زيد على جرم جرم يزد شيئاً، وصار جميع ذلك مساوياً له وحده. وهو وحده جزء له ولجزئه اللذين اجتمعا، فالجزء مثل الكل، هذا خلف لا يمكن. فقد تبين أنه لا يمكن أن يكون جرم لا نهاية له. وبهذا التدبير تبين أنه لا يمكن شيء من الكميات أن تكون لا نهاية لها بالفعل. والزمان كمية، فليس يمكن أن يكون زمان لا نهاية له بالفعل. والزمان ذو أول متناه، والأشياء أيضاً المحمولة في المتناهي متناهية اضطراراً، فكل محمول في الجرم من كم أو مكان أو حركة أو زمان الذي هو مفصول بالحركة، وجملة كل محمول في الجرم بالفعل فمتناه أيضاً. إن الجرم مناه، فجرم الكل متناه، وكل محمول فيه بعد أيضاً، وأن جرم الكل ممكن أن يزاد فيه بالوهم زيادة دائمة، بأن يتوهم أعظم منه ثم أعظم من ذلك دائماً: فإنه لا نهاية له في التزايد من جهة الإمكان، فهو بالقوة بلا نهاية، إذ القوة ليست شيئاً غير الإمكان أن يكون الشيء المقول بالقوة. فكل ما في الذي لا نهاية له بالقوة هو أيضاً بالقوة لا نهاية له، من ذلك الحركة والزمان، فإذن الذي لا نهاية له إنما هو في القوة. فأما بالفعل فليس يمكن أن يكون شيء لا نهاية له لما قدمنا. وإذ ذلك واجب فقد اتضح أنه لا يمكن أن يكون زمان بالفعل لا نهاية له. والزمان زمان جرم الكل، أعني مدته؛ فإن كان الزمان متناهياً فإن أنية الجرم متناهية، إذ الزمان ليس بموجود؛ ولا جرم بلا زمان، لأن الزمان إنما هو عدد الحركة، أعني أنها مدة بعدها الحركة. فإن كانت حركة كان زمان، وإن لم تكن حركة لم يكن زمان. والحركة إنما هي حركة الجرم، فإن كان جرم كانت حركة، وإن لم تكن حركة. والحركة هي تبدل ما قد بدل مكان أجزاء الجرم ومركزه أو كل أجزاء الجرم فقط، هي الحركة المكانية. وتبدل المكان الذي ينتهي إليه الجرم بنهاياته - إما بالقرب من مركزه وإما بالبعد عنه - هو الربو