والأرض التي غلب عليها المرارة تهلك كل بزر قبل نباته. وعلاجها أن يساق إليها الماء العذب في النصف الثاني من نيسان لا قبله، بل في أول أيار، ويقام عليها كثيرا، فيؤخذ من القرع المجفف بلحمه، ومن البقلة الباردة، وورق الكرم، ويجفف ويسحق الجميع، ويخلط بالماء العذب في قرب من جلود، ثم ترش الأرض به بعد الحرث الخففي، ويلقى لكل عشرة أجربة عشرون قربة من هذا الماء في آخر الليل، وأول النهار، فهو أجود وإن كرّر فهو أجود. وتكرب ندّية وترش بتراب طيّب في الماء وغيره، ويكرر عليها الكرب سنة، كل شهر مرتين أو مرة. وإن كانت الملوحة والقبوضة زائدتين عن الحد، يزرع فيها لأشياء اللعابية كالحلبة والماش والبزرقطونا والباقلاء والشعير وحب الرشاد. وإن اتفق أن تغيم السماء أربعين يوما على الأرض المُرّة والحرفية والمنتنة وشبهها بحيث لا تطلع عليها الشمس، صلحت صلاحا جيدا من غير علاج، وربما يكتفي بزرع الحبوب اللعابية مرة واحدة. والأرض الخرفية - وهي التي يعلوها شبه الخزف لونا وقواما - تقلب قلبا عميقا وتدق حتى تخلط تلك الأجزاء التي تخزفت، ويعاد عليها ويدر وينثر الباقلاء والشعير مخلوطين بروث البقر. والأرض الخزفية تصلح بالباقلاء خاصة، فإنها تُفسد بحرارتها كل ما يزرع فيها.
واعلم أن الحرث والحفر ينفع الأرض لأربعة أشياء:
1 - لخلخلة الأرض لتتنفس الأصول بولوج الهواء، فهو كالحل عن المخنوق.
2 - ولقلب باطن الأرض ظاهرها، لتطبه بحر الشمس فتحمى وتتلطف. ولامساك الأرض المحروثة للرطوبة والماء الذي داخلها فتبرد به الأصول في القيظ وتترطب.
4 - ولقطع العشب عن الأرض لئلا يذهب بطيب غذاء الأرض فيزاحم الشجر في ذلك، والأرض الطيبة الجيدة القوية، يكبر بعمارتها من أول الخرفي، ولا سيما العشبية. والأرض الدّون، تعمر بعد الاعتدال الربيعي.
وقيل، إن الأرض الحمراء والبيضاء التي في التلول وفي الزوايا، تعمّر في الشتاء.
واعلم أن تعمير الأرض بالزبل والتبن يُصلح الأرض، لا سيما من الفول أو الشعير. والأرض كلَّها اذا زبٍّلت فوق الحاجة احترقت، واحترق ما فيها. والزبل فيتح مسام الأرض ويجوّدها، وينفِّشها، لولوج العروق، ويزكي الحار الغريزي من النبات أيضا. وزبل كل طير نافع، إلا الأوز وطير الماء فردي إلا أن خلط بغيره. وقيل زرق الطير سم قاتل للنبات إلا زرق الحمام، وأضرها طيور الماء والدجاج والأوز، وأجود زرق الحمام، ثم زبل الناس، ثم زبل الحمير، ثم المعز، ثم الضأن، ثم البقر، ثم الخيل، والبغال أخسَّها، إلا أن خلط بغيره. ولا يستعمل الزبل في سنة إلا معتَّقا، وكلما عتق كان أحسن، ليذهب نتن رائحته وطراوته، لأن الطري يتولد منه الهوام المفسدة للبقول. والمستعمل للشجر ما أتى عليه سنة أو أقل، والبقل أكثر لضعفه. وزق الحمام يكثر ثمر الشجر وينميه. وزبل الناس العتيق الأسود المختلط بسحيق التراب أنفع الأزبال. والأتبان نافعة، وأنفعها تبن الباقلاء، ثم الشعير، ثم القمح والقرع والعليق والخبازي والخطمي، وورق الشحم والجزر والخس، وعيدان التين وورقه. وجميع ما ذكر إذا حرق وأخذ رماده، فأجود لمنابت الشجر والأرض. ويستعمل رماد كل شجرة لمثلها، وكذا الكروم والحبوب والبقول وجميع النبات جملة، كبيرة وصغيرة، فإن ذلك ينفعه ويقويه.
وتعالج المنابت والأشجار بأرمدة من أجزائها مع الزبل، وكذا عجم ثمرها ونواه، أما محرقة أو معفنة مع الزبل، بل قيل أرمدة جميع النبات نافعة. وزبل الخبازي يحرق لا خير فيه، وكفييته أن يلقى في حفائر كالأحواض أو السواقي العميقة مجمعة ويخلط ويرش عليه من دردي الخمر وأبوال الناس للكروم خاصة، ويقلب حتى فيوح نتنه، كل يوم أو أيام فإذا أسود أضفي إليه الأرمدة، ويقلب ثم يترك ويبال عليه كل يوم، ثم يبسط بعد عفنه ليضربه الهواء ويجف. والسرجين، لكل شجرة كالمان والسفرجل والتفاح والكمثري والخوخ والمشمش والعناب وما أشبه ذلك. وسرجين البقر والحمير مخلوطان، للموز والبطيخ الأخضر. والغبار الذي على الكروم، يقوم مقام التارب الغريب. وإذا تراكم عليها نفعها، وتغبير الكروم بالزبل يضرها، وإنما التغبير به يصلح للخضر ونحوها، كالباذنجان والبطيخ والقثاء والخيار.