والعناب والنبق قيل هما شجرة واحدة، والصحيح أنهما شجرتان، ويغرس العناب من خلوفه، وإن أخذ منه قضيب وغرس فإنه يعلق ولا يزرع نواه، والنبق طويل العمر، طويل العروق، وتمتد عروقه طلبا للماء حتى تحظى به ولو على الجبال وهو لا يركب في غيره ولا يركب منه غيره، ويتحمل الماء الكثير لكنه إن لم يسق لا يضره. وقيل يغرس يوم الخميس في نقصان الهلال في حفرة عمقها نحو ثلاثة أشبار ثم يرد عليها التراب بلا زبل، ويسقى كل ثامن يوم من الشهر، ويزرع نواه في الفخار ويسقى حتى ينبت، وينقل بعد عامين، والنبق والعناب في ذلك كله سواء. وفلاّحو بابل يتحدثون عن شجرة النبق بالعجائب وهو حديث خرافة، وذلك أن شجرات النبق يتحدثن بالليل فيما بينهن ويتسائلن عن الأخبار، ومن ذلك حكاية عجيبة طويلة نقلها ابن وحشية تقول أن رجلا أراد قطع شجرة نبق فقال لعماله: إذا كان نهار غد فاقطعوا شجرة النبق الفلانية، فاتفق أن واحدا منهم بات عند النبق، فلما طلع القمر سمع الرجل شجرة نبق مقابلة لتلك الشجرة المعينة للقطع تقول: يا أختي غمني ما سمعت، وساءني ما عزم عليه رب الضيعة، وعجبت ن جهله، فهل سمعت شيئا؟ فأجابتها الأخرى: نعم، قد سمعت أنه أمر بقطعي، وغمني أكثر فما حيلتي، وما عساني أن أصنع وأنا أعلم بأنه لا تدور عليه سنة بعد قطعه لي حتى يموت، لكن ما ينفعني موته إذا أماتني قبله. فأجابتها الأخرى: إني لأعجب من جهله، أما سمع أنه ما قطع أحد شجرة نبق إلا انقطعت حياته بعدها بأيام قلائل، فأجابتها المعينة للقطع أن جهله يضر به ويجلب له السوء، وأما أنا فإنه إذا قطعني وبقي أصلي فإني سأغيب عنكن عشر سنين، ثم أطلع مكاني أما هو فإنه إذا مات فلا رجعة له إلى هذا العالم أبدا. وقالت لها الأخرى، اعلمي أنه أنا وفلانة وفلانة - تعني شجرتين قريبتين منها - لا نزال نبكي عليك وننتحب إلى أن ترجعي. قال: وسمعت نحيبا وبكاء ظرفيا ليس كبكاء الناس. قال فزاد أرقي ولم أنم حتى آخر الليل وفي الصباح أخبرت أصحابي ما سمعت فعجبوا، ومضينا إلى رب الضيعة فأخبرناه الخبر.
فقال إني لأحب أن أبيت الليلة في موضعك لأسمع ما سمعت فأنَّا لم نزل نسمع أن أشجار النبق يتزاورن ويتكلمن وكنت أكذب ذلك. قال: فبات تلك الليلة رب الضيعة، وبات القوم في ذلك الموضع، فلما جاء ذلك الوقت ابتدأت شجرة تقول للتي ستقطع: لقد سرني ما علمت من عدم قطعك اليوم، وليته يضرب عن ذلك. فقالت لها الأخرى، إن كفّ فهو مسعود، وسكتت الشجرتان، فلما أصبح الرجل، قام بازاء الشجرة ومعه الجماعة فأمرهم أن يرشوا على أغصانها وورقها الماء وأن ينبشوا أصلها ويطموه بتراب غريب، وأن يصبوا في أصلها الماء ففعلوا ذلك والله اعلم.
وشجر الكمثري يحب الأماكن الباردة وكثرة الماء وتغور في الأرض عروقه حتى يبلغ الماء. ويغرس أما بفروع تنزع من الشجر وأما الأوتاد، ويكون ذلك في الخرفي. وتنقى حفرته من الحصى، ويوضع عليه التراب مغربلا. وتؤخذ القضبان النابتة عند أصوله بعد أن تقلع بعروقها وطول وتده ثلاثة أشبار ويغرس عند السواقي في كانون الأول ويجود إذا استمر عليه الماء دوما وغرسه في شباط أجود وإن غرس في اليوم الثالث من الشهر أثمر بعد ثلاثة أعوام، وإن غرس في العاشر أثمر بعد عشر سنين أو لعشر بقين من الشهر أثمر بعد عشرين سنة وكذا إلى ثلاثين فليتأكد الغارس من ثالث يوم من الشهر. ويركب في السفرجل والتفاح ويتعهد بالسقي والزبل، لكن التقصير في ذلك لا يضر. وهو يقبل التركيب بسرعة وأن ضربته الدولة عولج بزبل الناس والبقر عفنين مع ورق كمثري يطم به الزبل مخلوطا بمسحوق التراب ويجبل روث البقر بالماء ودردي الزيت ثم يطلى به ساق الشجرة وأصول أغصانها فذلك يطرد الدود ويبعد عن الشجرة الفساد. ولا يؤثر فيها ريح الشمال أول الربيع في آذار ونيسان، وكذا الفواكه كلها إنها إن عولجت كذلك سلمت كل السنة. ومتى كان الشتاء باردا حتى يجمد الماء وينزل الثلج فإن الثمار تجود وإن ألقي في أصل الشجرة قليل من الثلج فإنه يعين على مقاومة الفساد فإن هبت شمال عقب الثلج أيضا كان عونا على تجنب الكثير من الأمراض، وإذا خرج ثمره قليل الحلاوة يابسا قليل الماء يغلى له ماء عذب في قدر ويصب في أصوله ويرش عليه وعلى الأغصان والأوراق مدة ثلاثة أيام والقمر زائد الضوء ويكرر أربع مرات فإنه يحلو ويكثر ماؤه وقد جرب ذلك ونجح ويزبل بروث البقر والخيل وورق الكراث يخلط جميعه بأجزاء متساوية ويوضع الخليط في حفرة فيها بول ويرش عليها ماء عذب ويقلب في الحفرة يومين أو ثلاثة فإذا نهض فرش على وجه الأرض حتى يجف، ويزبل به الكمثري وغيره من الثمر بلا تغبير بل تطمر أصول الشجر ثم تنبش وتسقى الماء حتى ترتوي فإنه يزيد في مياه الفواكه كلها، ويرطبها ويطيب طعمها.
والقنبيط يفعل العجب في حلاوة ثمر الكمثري والتين والعنب.
والقراصيا وهو حب الملوك يغرس من ملوخه وخلوفه ومن نواه، ونباته لا ينبت من ساقه، بل من أسفله وينقل من الجبال بعروقه كاملة. وكذا نقل كل ما له صمغ يحافظ على عروقه ولا يقطع منها شيء، وإلا لم ينبت. وقضبانه التي تملخ، تغرس في حفرة عمقها نحو ثلاثة أشبار. ونواه يزرع في الفخار أيام تطعيمه، بعد نقعه في الماء عشرين يوما. ويكون في الفخار في الخرفي أو الشتاء، وينبت في آذار، وربما تأخر شهرا وينقل بعد عامين. والزبل يضره وفيسده. ويركب بعضه من بعض أو من الخوخ وقيل يركب من اللوز.
والرمان منه الحامض ومنه الذكر وهو الجلنار. والعمل فيه كله سواء وهو يحب الماء كثيرا وبقدر ما يشرب منه بقدر ما يحلو. ويختار منه للفرس الحب الجاف لا ممتلئ فيحفر له بحافة مجرى الماء حفائر صغار، يجعل في كل