الباب الخامستقليم الأشجار وكسحها وتذكيرها وتحسين حملها وحفظه
اعلم أنه إذا ضعف من الفروع شيء ينبغي قطعه لترجع المادة إلى الأقوى، ويقطع ما نشأ في غير موضعه، ويكون الكسح في الشتاء قبل جري الماء في العود. والزيتون ينبغي أن تكون عيونه أكثر، ويكون الكسح في الزيتون كل ثلاث سنين أو أربع، أما ما ينبت في السواقي فيقطع كل سنة. وأول تشذيب الشجر يكون من الحادي عشر من تشرين الثاني حتى الرابع عشر من كانون الأول. والكمثري يشذب تشذيبا خفيفا أما السفرجل فشذبه كفي شئت. والأجاص والبرقوق يشذبان بلطف. أما التين فإنه يجود بالكسح، ولا يضره كثرة ما يقطع منه، وكذا الكرم به إنها ينموان أكثر بالكسح، ولا يضره كثرة ما يقطع فإنها تجود بالكسح الكثير. والبندق وأشجار النُفل تحتاج إلى الكسح في صغرها قبل إثمارها فإنها تنمو وتطول، ولكنها لا تقطع بحديد إلا بعد أربعة أعوام، لأنه سم لها بل تقطع باليد وإذا قطعت بالحديد فلا يكون بالضرب فإنه يؤذيها وإن كان موضع القطع كبيرا يطين بطين لزج من تراب أبيض.
أما التقليم فيكون على علو قامة الإنسان. وذوات الألبان يوافقها الكسح كل عام، كالتين والتوت أيام جمع ورقه، وليحذر من سلخ جسم الشجرة أو شقه والشجر الهرم يقطع بالمنشار أو بغيره من أسفله، ثم يعرك موضع القطع بالطين لئلا يسوس أما الشجر الشاب فيبقى ويخفف من أغصانه أما الجوز والحور فاقطعه كفي شئت والحور الرومي تصلحه التنقية وتقويه، وكذا الميس والرند قلمه ونقه كفي شئت، وإن قطع أعلاه صلح وعاد أجمل مما كان. والزيتون لا يضره ما قطع منه، وإن جف عرق منه وقطع من عند الأخضر عاد إلى حالته الطبيعية، وإن بقي شيء من اليابس لا ينبت شيء في أسفله وإذا قطع الزائد من قضبانها زاد حملها. أما وقت قطعها وبعد جني ثمرها، وكذلك العنب والخروب والبلوط. يكسح الزيتون بكلاّب حديد ضربا متتابعا. والأشجار ذوات الأصماغ لا تتحمل الكسح ولا التقليم ولا قطع أعلاها إذا جاوز ذلك قدر قامة الإنسان كالخوخ فإنه لا يمس بحديد، وكذا السفرجل والقراصيا والتفاح والأجاص والصنوبر، وإذا قطع أعلاه لم يعد كما كان، بل ينبعث فيه شعب ضعيفة هزيلة. والنارنج والليمون والسرو وأشباهها مما لا يسقط ورقه يقلل تقليمها، وكذا الرمان والتفاح والفستق والأجاص والبشم لا تقلم. وإذا توقف شجر عن النمو أو يبس أعلاه يقطع بحديد قاطع أو منشار على قدر ذراع من الأرض أو أكثر ويتعهد بالسقي والمداراة حتى تثمر، وقد عولج بهذه الطريق كثير من الشجر كالسفرجل والرمان وغيرهما فعاش نحو مائة سنة.
وحب الملوك إذا ضعف يقطع من أسفله، لا من أعلاه، والتوت إذا ضعف يقطع أعلاه، فإنه يعود كما كان، والأترج والنارنج والليمون والياسمين تقطع الشجرة أو تنشر على وجه الأرض إذا يبست ويتعهدها الزراع بالسقي فإنها تعود سريعا كما كانت. وشجرة الخوخ إذا ضعفت وهرمت تقطع بالمنشار من فوق وجه الأرض بنحو شبر ويكون ذلك في تشرين الأول، ثم يرد التراب عليها وتسقى بالماء كل ثمانية أيام، فإذا نبتت تسقى كل خمسة عشر يوما مرة إلى آخر الصفي، ويتكرر ذلك في العام الثاني والثالث، فإنها تعود شجرة كما كانت ويكثر حملها. وشجرة الأجاص والتوت وشبهها مما يسقط ورقه، إذا هرمت تعالج بالقطع، فإنها تلقح لقحا جيدا، وترجع فتية. والأشجار التي ييبس جزء كبير منها تقطع من أعلاها إلى موضع ليس فيه يبس، ويكون ذلك في الخرفي، فإذا تعهدها صاحبها بالعناية والدراية رجعت كما كانت. وفي تشرين الأول ينقى الورد بالأيدي من العشب ثم يقطع جميع ما حوله من النبات والعليق، وتنبش أرضه في تشرين الثاني يقطع جميع ما فيه من اليابس وكذلك في نصف نيسان، لا تمس حتى فصل الربيع.
وأما تذكير الشجار فالتين الذكر وهو الفج البيض أو الأخضر، ووقته في أيار وطريقته أن يجنى التين الذكر حين يبيض أو يصفر وتبدو في فمه فتحة صغيرة يخرج منها حشرة تشبه البعوض فينضم منها اثنتان أو أكثر في شعرة أو خيط، ويعلق على أغصان التين وهو طري ناعم وحجم التين الذكر بقدر الفولة أو نحوها. وإن فرش في أصل شجرة التين رماد - أي رماد - كثر نتاجه واخضراره. وقيل إن علق ورق السوسن عليها لم يتساقط ثمارها وإن كشف عن أصلها وطليت عروقها وغصونها بثمرة الفرصاد لم يسقط ثمرها قبل نضجه، وكذا إن حشيت عروقها بملح فإن يسرع في نموها وحملها. وقيل يخلط ماء الزيتون بماء عذب ويصب على أصلها فيكثر حملاه. ومنها الرمان فإن علق على شجرة من أصول لسان الجمل حتى يجف فإن ذلك يكثر في حملها ويمنع فساد لونه وقشره. وإن تساقط الرمان قبل نضجه دخن بالخزامي من حوله، وإذا علق في ثلاثة أغصان أو أربعة منها في وسطها من ناحية الجوف صرر في كل صرة وزن درهمين كمون فهو ذكارة لجميع بطونها وإن علق عليها صفائح رصاص لم تسقط ثمرتها. وقيل يثقب الأصل بمثقب ويضرب فيه مسمار من عود الطرفا فيكون ذلك ذكاره. وإن جمع أغصان الطرفا في حزيران بورقها ونورها فإذا كان صباح اليوم الرابع والعشرين جمع قبل طلوع الشمس وجعل ذلك على شجر الرمان بين أغصانها فإنه ذكاره. وقيل أوفق ما يكون أن يجعل في أصل كل شجرة
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)