وأما حفظ العنب وادخاره زبيبا فطريقته أن تلوى العناقيد إذا أدرك العنب أولا حتى يمنع عنها الغذاء من شجرتها وتترك كذلك حتى يتقبض ثمر العنب ثم يقطف ويعلق في ظل حتى ييبس، ثم يجعل في وعاء من خزف فرش بورق يابس من الكرم ويجعل مثله فوقه ثم يطين فم الإناء ويخزن في بيت بارد لا يصيبه دخان، فإنه يطيب ويطول بقاؤه ويحفظ من الندى وهذا الزبيب يكون لذيذا ورطبا يميل بلونه إلى البياض. وقيل يقطف ورق الدالية وتفرش عناقيد العنب عليها حتى تجف وتصير زبيبا. وإذا قطف عنب الزبيب قبل تناهي نضجه وحلاوته وذهاب حموضته ومرارته فإن زبيبه يكون قليل الحلاوة خفيف الوزن، وكذا التين وفي الليل يجمع الزبيب والتين المنشور حتى لا يضر به هواء الليل ونداه. وإن غطي ليلا قبل يبسه بحصير من بردي أو قصب أو شبه ذلك وكشف للشمس نهارا أسرع ذلك في يبسه، وكذا ان فرس في أرض بور. وإذا يبس العنب الغليظ ونحوه صار زبيبا كان وزنه نحو الثلث والرقيق والأخضر يكون وزنه ربع وزنه عنبا أو أقل. والأرض البور الحمراء الخالية من العشب أحسن مكان لنشر العنب للزبيب على أن لا يجعل بعضه فوق بعض، ولا ينشر قرب الطريق والآبار فإنه يتغير لونه.
وطريقة أخرى في عمل الزبيب إذا كان العنب غليظا أو تأخر قطفه أو أردت استعجال يبسه، فخذ رماد الفول ونحوه وصب عليه ماء واتركه بوما وليلة أو أكثر، وضع فيه رمادا واغله ثلاث غليات أو أكثر وادخل فيه عناقيد العنب مدلاة وهو سخن على النار ثم أخرج العنب منه قبل أن يتشقق حبه وانشره في الشمس على حشيش وقلبه من الغد برفق، فإذا جف جيدا فارفعه وأن أردت أن يكون الزبيب أزرق يجعل في الرماد قشور الرمان، وطريقته أن يؤخذ الرمان ويجعل عليه أربعة أمثاله من الماء العذب ويترك ثم يؤخذ أعلاه ويجعل في قدر نحاس كبير ويرفع على النار، فإذا تناهى غليانه يغمس سل العنب في القدر حتى يغيب كله في ماء القدر وهو شديد الغليان غمسة أو غمستين ثم يرفع ويفرش على دبس يابس ولا بد أن يقلب في الغد ويترك بعد ذلك حتى يجف، ثم يقلب مرة أخرى، فإذا يبس خزن في ظروف فيها رماد الفول، وإن جعل في الماء المذكور قليل من الزيت الطيب صلح به الزبيب.
وأما التين فيخزن غضا بأن يؤخذ التين بعوده ويوضع في قدر جديد في صفوف متباعدة ويجعل في موضع بارد، فإن حمض يوضع تحت القدر أعواد قرع يابس وتوقد عليه النار والدخان وقيل أن أخذ التين غضا ووضع على ورقة وألقي عليه غطاء زجاج أو رصاص أو إناء مقير بقي غضا. وأما خزنه يابسا وتنشيفه فإنه يجمع التين إذا سقط على الأرض بعد تناهي نضجه ويفرش وييبس في الشمس جيدا ويترك ليلة منشور للندى ويرفع قبل طلوع الشمس ويستر بعد ذلك عن الشمس ويحفظ في البيوت من الندى وإن جعل في الفخار يرفع من المنشر وفيه ندازة يسيرة. وقيل أن وضع بين التين اليابس في وعائه الذي خزن فيه ورق السرو لا يدود. وقيل إن غمست ثلاث تينات في قار رطب وجعل منها واحدة في أسفل الإناء وأخرى في وسطه وأخرى في أعلاه سلم من العفن. وقيل يرش عند اختزانه بماء مذاب فيه ملح رشا خفيفا فذلك يحفظه من السوس ولا يلحقه تغير.
وأما خزن نحو التفاح والكمثري والسفرجل والأترج ونحوها فخذ أيها شئت من شجرته برفق لئلا يتهشم وليكن فجا إلى حد ما وسليما من الآفات وإن كانت الحبة بعنقها فأحسن ثم تلف كل حبة بورق الحور أو في خرقة كتان ويربط عليها بالخيوط ويطين فوقه بطين لزج مصنوع من تراب أبيض وبجص معجون بماء تجفف في الظل وترفع على لوح معلق أو تعلق بأعناقها في موضع بارد لا تصيبه الشمس ولا الريح ولا الدخان ولا حرارة نار، أو تدفن في شعير، فإنها تبقى زمانا طويلا. وإذا احتيج إليها تنقع في الماء حتى ينحل ذلك الطين عنها، والفواكه الشتوية أصبر وأكثر صمودا وتجمع في تشرين الأول وتجنى باليد وطريقة حفظها أن تؤخذ قطع كتان جافة تفرش في آنية فخار جديدة جافة ويجعل فيها من التفاح طبقة ومن الكتان طبقة ليحول ذلك بين ملامستها بعضها بعضا، وتغطى بقطعة الكتان كما ويغطى الإناء ثم يطين بالطين الموضوف سابقا ويعلق في غرفة كبيرة مظلمة باردة فإنها تبقى ولكن لا بد من تفقدها مرة في الشهر لإزالة العفن أن وجد وبذلك تبقى إلى حزيران موعد الموسم الجديد.
ويحفظ السفرجل كذلك، ويخزن منفردا لا يقرب من شيء من الفواكه، وقيل إذا جفت التفاحة في طين الفخار ورفعتها وفتحتها متى شئت تجدها صحيحة، وإن شئت فاجعل ذلك الطين في ظرف من فخار أو من طين يابس أو شبهه وغيب فيه التفاح دون أن يلصق بعضه ببعض فإنك تأكل منه تفاحا رطبا متى شئت، وأن ألقيته في خابية وصببت عليه صعترا بقي غضا زمانا طويلا، وأما الكمثري وهو الانجاص فيفرش ملح جريش أو نشارة خشب في أسفل إناء جديد ثم يصف عليه حب الكمثري يحفظه زمنا. وكذا إن جعل في آنية فيها عسل، فإنه يبقى زمانا، وإن جعل في جرة فخار جديدة ثم سد رأسها بإحكام ودفنت في التراب فإنها تبقى فيها صحيحة سليمة، وكذلك أن دفنت الجرة إلى حلقها في الماء. وكذا التفاح والرّطب من التمر. وقيل تجمع الكمثري وفيها فجاجة وتطلى أعناقها بقار مذاب وتوضع على نشارة خشب متفرقة بعضها عن بعض. وأما خزنها يابسة فخذ السليم منها وقطعه أرباعا ثم انشره في الشمس على ألواح وقلبه كل أربعة أيام حتى يجف ولا يبقى فيها رطوبة، ثم ضعه في قفف طبقة فوق طبقة ويرش على كل طبقة شيء من العسل رشا رقيقا حتى تمتلئ الظروف ويؤكل في الربيع والشتاء لكنه قليل الذغاء.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)