بعد 40 سنة.. عبء الدين الذي أثقل كاهل الإمبراطورية
إن الخطأ الأساسي في النظام النقدي هو "الفائدة المركبة".

وكان ألبيرت آينشتاين وصف الفائدة المركبة بثامن عجائب الدنيا. فهي توحي بأن النظام النقدي يوسع نفسه بنفسه، كما تعمل كنظام حسابي خالص مستقل عن الاقتصاد الحقيقي.

فبعد أن يتم التأسيس للدين لن يرعى الدائن في المدين إلاّ ولا ذمة، ولن تأخذه فيه شفقة ولا رحمة مهما كان السبب. فسداد الدين ومبدأ النفس بالنفس يمثلان الركن الأهم الذي يقام عليه المجتمع. وعندما تنمو الفائدة بصورة أسرع من دخل المدين فإن الإفلاس يصبح حتميا.

وإذا شبهنا أمة ما بالشركة فإنه عندما يزداد معدل تكلفة الاقتراض لمجتمع كامل تزيد عن نمو الأرباح فإن الدين يتعاظم بسرعة مذهلة في ظل نظام الفائدة المركبة. وبالتالي فإن الدين المتعاظم يضع عبئا كبيرا على تدفق السيولة التي في العادة تنمو ببطء مما يؤدي إلى تخلف عن السداد على نطاق واسع وبالتالي إلى أزمة مالية.

إضافة إلى ذلك فإن الدين من طبيعته أن يدمر العملة التي يقوم بها. فانكماش المعروض النقدي يؤدي إلى إفلاسات كبيرة في الاقتصاد الحقيقي مما يؤدي بالتالي إلى أزمة اقتصادية. وفي النهاية يتم تنظيف الديون التي لا يمكن تسديدها وإصلاح النظام النقدي وخفض حجم الدين ثم بدء اللعبة مرة ثانية من الصفر. وهذا هو السبب في تكرار الأزمات الاقتصادية على فترات.

فعندما تزداد تكلفة قروض مجتمع ما عن سرعة نمو الاقتصاد فإن الأزمة تصبح حتمية من الناحية المنطقية.

وقد بدأت الأزمة المالية العالمية في الولايات المتحدة ومنبتها جبل الدين الأميركي. كل هذا يعود إلى الخطأ الذاتي في نظام الدولار الأميركي، أي العملة الحكومية التي تستخدم كأداة للتجارة وللاحتياط في نفس الوقت فهي ستزيد مديونية الولايات المتحدة بصورة حتمية. إذ إن على الولايات المتحدة أن تصدر الدولار من أجل الوفاء باحتياجات العالم التجارية المتزايدة كما أن عليها الاستيراد من الدول الأخرى في نفس الوقت مما يصنع بالطبع عجزا تجاريا. وفي النهاية يعود العجز التجاري إلى الدين القومي للولايات المتحدة.

فإذا نما الدين القومي للولايات المتحدة بصورة أسرع من النمو الاقتصادي فإن الدولار سيفقد حتما وضعه كعملة للتجارة الدولية والتسويات التجارية، والسؤال الذي يبقى هو متى يحدث ذلك؟

يشار إلى أن دين الولايات المتحدة لا يقتصر فقط على الدين القومي، فهو مزيج من الدين الحكومي ودين الشركات ودين المستهلكين.

"
عندما تزداد تكلفة قروض مجتمع ما عن سرعة نمو الاقتصاد فإن الأزمة تصبح حتمية من الناحية المنطقية

"وفي العام 2008 وصل مجمل الدين من الأصناف الثلاثة إلى 57 تريليون دولار، حتى إن هذا الرقم لم يتضمن تريليونات الدولارات للرعاية الصحية
والتأمينات الاجتماعية.

وفي العام 2006 هبط الرقم إلى 48 تريليونا. وفي عامين فقط نما الناتج المحلي الإجمالي الأميركي إلى 14.2 تريليون دولار من 13.1 تريليونا، بينما قفز الدين إلى تسعة تريليونات دولار، أي أنه نما بسرعة تفوق بتسعة أضعاف نمو الناتج المحلي الإجمالي.

ومن المعروف أن الاقتصاد الأميركي ينمو بمعدل 3% سنويا على المدى الطويل بينما يصل معدل الفائدة على الدين 6%. وبهذا الحساب فإن دين الولايات المتحدة بعد أربعين سنة سيصل إلى 586 تريليون دولار بينما يصل معدل نمو الاقتصاد الأميركي إلى 33 تريليونا سنويا، كما ستبلغ خدمة الدين 35 تريليون دولار سنويا أي ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي. أي بمعنى آخر فإن الشعب الأميركي لن يستطيع تسديد الفوائد حتى لو امتنع عن الأكل أو الشرب.