بعد 80 عاما يعود الكساد العظيم
إن مجلس الاحتياطي الاتحادي والخزانة الأميركية لن يتركا الشعب الأميركي للإفلاس. فإذا اعتبرنا أن الولايات المتحدة عبارة عن شركة، فإن تبعاتها في البيان الختامي تنمو بسرعة كبيرة مقارنة بمحدودية نمو أصولها.

والطريقة الوحيدة لتجنب الإفلاس هي تطبيق سياسة نقدية فضفاضة جدا عن طريق طباعة المزيد من النقد وزيادة سعر الأصول من أجل الحث على الإنفاق، في نفس الوقت تضخيم العجز عن طريق الاقتراض من المستقبل وحماية الاقتصاد عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي.

لكن المشكلة تكمن في أن طباعة النقد وزيادة الإنفاق الحكومي لا تستطيعان ضمان إعادة تشغيل عجلة النمو الاقتصادي مرة أخرى.

وبالحكم على المعلومات الاقتصادية المتاحة، فإن الخوف من أزمة مالية قد هدأ وإن الأمل في تعاف اقتصادي ليس بعيدا.

فقد أظهرت أسواق الأسهم انتعاشا مفاجئا منذ 2009. فهل هذا هو بداية لسوق يسوده التفاؤل أم التشاؤم؟ وهل الاقتصاد العالمي مستعد لفترة أخرى من الرخاء رغم الديون التي تثقل كاهله؟
"
إن طباعة النقد وزيادة الإنفاق الحكومي لا تستطيعان ضمان إعادة تشغيل عجلة النمو الاقتصادي مرة أخرى
"
إن ما حدث قبل 80 عاما يجب أن يعطينا بعض المؤشرات.

فانهيار السوق في العام 1929 بالولايات المتحدة كان بداية الكساد العظيم. وقد حدث بعض الانتعاش في أسواق الأسهم عام 1930 ليعطي الأمل في عودة الاقتصاد للنمو. لكن أزمة أسوأ تبعت هذا الوضع في العام 1931 وأدت إلى تدمير الثقة في السوق وإلى كساد استمر لمدة عشر سنوات.

أما أكبر أوجه الشبه بين أزمتي 1929 و2009 فهو نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

فقد كانت هذه النسبة بالولايات المتحدة عند 300% لينهار الاقتصاد تحت طائلة الديون، وفي العام 2009 كانت النسبة 400% ولم يحدث ذلك منذ 80 سنة بالولايات المتحدة.

ففي أسفل جبل الدين يقع الشرخ الزلزالي، وإن من العبث تخيل أنه بالإمكان أن يعود إنفاق المستهلكين ليمثل القوة الدافعة للاقتصاد الأميركي. وبدون ارتفاع إنفاق المستهلكين فإن جميع الأرقام الاقتصادية الإيجابية تغدو مجرد أوهام.

ويعتقد الكثيرون أن مستقبل الاقتصاد العالمي ليس ورديا وأن الكساد العظيم الذي حدث في ثلاثينيات القرن الماضي ليس بعيدا. لكن العدد الأكبر يعتقد دون وجه حق أن تغييرات كثيرة قد حدثت منذ الكساد العظيم وأن الإنسان استطاع الوصول إلى حالة من الرفاهية الدائمة.

ويعتقد هؤلاء أن أي فترة كساد ستكون محدودة وأن الانتعاش سيتبعها بسرعة وأن المصرفيين وجدوا صيغة لتفادي الكساد وأن السياسات النقدية ستساعد في توفير النقد من لا شيء ومنع أي أزمة. ومن جانبها تعتقد الحكومة أن السياسة المالية سوف تؤدي إلى الرخاء.

وعندما تم التغلب على أزمة 2008 ووصل العالم إلى بر الأمان، كان كل شيء يبدو أنه يسير في الطريق الصحيح. فقط أولئك الذين كانوا يقفون على تلة مشرفة استطاعوا أن يدركوا أن النهر ينتهي إلى شلال، وأن هذه الحقيقة ستخيف الجميع. وهذه الحقيقة هي عودة العصر الجليدي للمستهلكين من الجيل الذي أعقب الحرب العالمية الثانية بالولايات المتحدة ويصل عدده إلى 77 مليونا ويسمى "البيبي بومرز".