47 سنة نقطة التحول في شلال الإنفاق
وتعني الإشارة إلى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية الجيل الذي ولد ما بين 1946 و1964 ويصل عدده إلى 77 مليونا، أي ربع عدد السكان الحاليين للولايات المتحدة.

ويعتبر هذا الجيل العمود الفقري للمجتمع الأميركي. ومع نمو هذا الجيل حققت الولايات المتحدة فترة مدهشة من الرخاء دامت من 1960 حتى العام 1970. فقد دفع هذا الجيل عجلة النمو للاقتصاد الأميركي بدءا من مصانع الألعاب والكرتونوانتهاء بصناعة موسيقى البوب. وفي الفترة بين عامي 1970 و1980 كان هذا الجيل في سن الزواج وقد كان الدافع وراء نمو سوق العقارات وصناعة السيارات.

وفي الفترة من 1980 إلى 1990 كان هذا الجيل في مرحلة الإنفاق حيث ساهم في نمو صناعة الإنترنت والحاسوب الشخصي.

وخلق هذا الجيل أكبر سوق للمال وأكبر سوق للعقارات وأكبر صناعة للفضاء، كما أسهم بقوة في صناعة الحاسوب الشخصي والإنترنت وطور الألعاب والأدوات المستخدمة في شغل أوقات الفراغ.

وطبقا لمعلومات وزارة العمل الأميركية فإن ذروة الإنفاق للأميركي هي سن 47 عاما. كما أن هذه المرحلة من العمر هي ذروة القوة البدنية والقدرة على جني المال. وبعد هذه السن يبدأ الناس في التحرك نحو التقاعد عندما تبدأ الصحة في الضعف وينفقون أكثر على العلاج. وبسبب التوقع بهبوط الدخل في المستقبل يبدأ هؤلاء في خفض الإنفاق والاقتصاد في نفقات الحياة. وعندما تتقدم بهم السن أكثر تقل رغبتهم في الحياة.

وبالنسبة للجيل المشار إليه أو البيبي بومرز فقد كان سخي الإنفاق، قليل الادخار. فقد عاش أبناء هذا الجيل منتصف حياتهم عندما كانت الولايات المتحدة تسيطر على العالم. ولذلك فإن هؤلاء كان لديهم تصور متفائل نحو المستقبل وعاشوا حياة مترفة. ولم يكن في ذاكرة هؤلاء شيء عما حدث في الكساد العظيم أو خلال التجربة القاسية في الحرب العالمية الثانية. فكل شيء كان يبدو لهم سهلا وعظيما.

وبعد 47 سنة من حياة الرفاهية اضطر أولئك الذين ولدوا في 1962 إلى أن يشهدوا عام 2009 وهو العام الذي شهد تغير مصير الولايات المتحدة. فقد تحول العالم فجأة إلى كآبة واختفت الرفاهية الاقتصادية وضرب الاقتصاد العالمي تسونامي البطالة. وأدرك هؤلاء أن صناديق معاشاتهم فقدت نصف قيمتها، وأن هناك القليل من المدخرات في حساباتهم المصرفية بعد إنفاق أكثر من اللازم سنة بعد سنة. ولذلك فقد اضطر هؤلاء لتقليص إنفاقهم إلى أقل من الوضع العادي للتعامل مع وضع اقتصادي قاس.

2010 نقطة التحول في الاقتصاد العالمي
يعكس سوق الأسهم بطبيعة الحال العائدات المستقبلية للشركات العامة وأرباح الشركات من عائدات المبيعات، والمبيعات التي تأتي من الإنفاق. ويمثل الإنفاق 70% من الناتج المحلي الإجمالي بالولايات المتحدة.

وبين عامي 1966 و1982 كان هناك 16 عاما مثلت فترة ركود للأسهم الأميركية (مع احتساب معدل التضخم). وعكس ذلك وضع السوق في جيل كان يتسم بالتقدم في السن وهو الجيل الذي سبق جيل البيبي بومرز. وفي ثمانينيات القرن الماضي تخرج جيل البيبي بومرز من الجامعات ودخل سوق العمل. واتسم جيل هؤلاء بالنشاط وحب المخاطرة وتنفيذ المشروعات والرغبة في الإنفاق. وقد عززت هذه الروح التي تحلى بها هذا الجيل الاقتصاد وخلقت فترة من الرخاء لم تشهدها الولايات المتحدة من قبل أدت بعد ذلك إلى عشرين سنة من انتعاش في سوق الأسهم.

وجاء عام 2009 ليمثل نهاية حقبة اتسمت بموجة من زيادة الإنفاق وبداية انحدار الشلال.

وعندما بلغت آخر مجموعة من البيبي بومرز سن 47 في العام 2009 بدأ مع ذلك الانحدار الشديد في دورة الإنفاق التي يتوقع أن تستمر حتى العام 2024.

ومع تحمل المستهلكين أعباء الديون فإن سوق المستهلكين بالولايات المتحدة سيدخل عصر جليد طويلا في الإنفاق يشبه ما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي.

ولن تفلح سياسة نقدية أو مالية في ترك أثر كبير على جيل يشيخ. كما لن تفلح مثل هذه السياسة في إرجاع الصبا إلى جيل قد شاخ. ومن غير المعقول حث الشيوخ على الإنفاق بصورة أكبر مما تقتضيه أعمارهم.

وسوف يتلاشى الانتعاش الذي تظهر بوادره حاليا بسبب انخفاض الإنفاق، وهو الذي يمثل 72% من مجمل النمو الاقتصادي بالولايات المتحدة.

فقد وصل الإنفاق في اليابان أوجه في العام 1994 تبعته عشر سنوات من الركود. وأقدمت الحكومة اليابانية على خفض سعر الفائدة إلى الصفر وارتفع الدين القومي إلى 200% من الناتج المحلي الإجمالي بعد خطط الحفز الاقتصادي.
"
سوف يتلاشى الانتعاش الذي تظهر بوادره حاليا بسبب انخفاض الإنفاق، وهو الذي يمثل 72% من مجمل النمو الاقتصادي بالولايات المتحدة

"

كل ذلك لم يستطع دعم الاقتصاد لأن الحكومة لا تستطيع إجبار المسنين على الاقتراض مثل جيل الشباب. ولم يستطع تدفق السيولة مع هبوط سعر الفائدة الدخول إلى الاقتصاد الحقيقي لدفعه، مما جعل السياسات النقدية دون فائدة.

إن الإنفاق الحكومي الضخم في مجتمع يشيخ لن يستطيع صنع ما يكفي من الطلب لجلب الاستثمار الخاص، لكنه على العكس من ذلك خلق أعباء قروض غير مستردة على النظام المصرفي الياباني.

والأسوأ من ذلك أن ذات الشيء، أي البعد الديمغرافي، يمكن أيضا قوله عن أوروبا. وستمثل هذه الحقيقة تغييرا كبيرا بالنسبة للدول التي تتمتع بإنتاج صناعي ضخم لكنها تعتمد على أوروبا والولايات المتحدة كأسواق. فأي دولة لا تستطيع التكيف مع هذا الوضع سوف لن تستطيع البقاء بسهولة, فالطريق نحو الانتعاش ستكون صعبة جدا.

وإذا كان حدث وأن شاخ جيل البيبي بومرز بالولايات المتحدة ليسبب "كارثة طبيعية"، فإن الخطأ الأساسي في نظام الدولار الأميركي هو "كارثة من صنع يد الإنسان" فقط.

إن انتعاش اقتصاد الولايات المتحدة سيحدث في النهاية لكن ذلك سيستغرق وقتا طويلا. وإذا لم يتم التغلب حاليا على الكارثة التي صنعها الإنسان بنفسه فإن الأزمة ستعود مرة تلو الأخرى.

والقليل من الناس يدركون أنه عندما يتم التخلي عن الدولار من المستحيل استبداله بعملة أي حكومة أخرى. وعندما يظهر الخطأ في عملة سيادية تستخدم كعملة احتياطي وللتعامل التجاري، فإن الناس سوف يدركون أن العملة البديلة ستنحدر وستلقى نفس مصير الدولار.

وفي النهاية سوف يكون استبدال الدولار بنظام نقد سيادي مستقر أمرا حتميا. لكن السؤال المطروح هو: من الذي سيقوم بهذه المهمة؟
ـــــــــــــــ

كاتب صيني من أشهر كتبه حروب العملات والصين غير السعيد