فوجب حينئذ كشف حاله وإزالة حسن ظنهم فيه ليزول عنهم اغترارهم بقوله وينحسم الداء بحسم سببه.
فإن الشيء يزول من حيث ثبت وبالله التوفيق والمعونة ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإسلام والسنة.
وعلى كل حال فهو قد نفر من التقليد وأنكر حسن الظن بالمشايخ.
فكيف يحسن الظن فيمن ينكر حسن الظن به وكيف يقبل قول من ينهى عن قبول قول غيره وينبغي لنا أن نقبل قوله في نفسه فيساء الظن به ولا نقبل قوله في غيره كمن أقر بشيء عليه وعلى غيره قبل قوله عليه ولم يقبل على غيره.
وها أنا أجيب عن مقالته إن شاء الله تعالى فصلا فصلا وأبين عوار كلامه فرعا وأصلا بتوفيق الله ومعونته.
أما قوله إنا كنا أعزاء بين أهل المذاهب فها نحن اليوم سبعون منفيون محصورون إلى آخر كلامه.
فهذا إيماء منه إلى أن أسلافنا رحمهم الله تعالى كانوا على قول ونحن على غيره وأننا أحدثنا مقالة غير مقالتهم استحققنا بها العقوبة.
وهذا كذب وفرية وقول من لا حياء له ولا دين فليخبرنا أي شيء أحدثناه وأي مقالة خالفنا فيها أسلافنا فإن قال تركتم تأويل الآيات والأخبار الواردة في الصفات وادعى أن السلف تأولوها وفسروها فقد أفك وافترى وجاء بالطامة الكبرى.
فإنه لا خلاف في أن مذهب السلف الإقرار والتسليم وترك التعرض للتأويل والتمثيل.
ثم إن الأصل عدم تأويلهم فمن ادعى أنهم تأولوها فليأت ببرهان عل قوله.
وهذا لا سبيل إلى معرفته إلا بالنقل والرواية.
فلينقل لنا ذلك عن رسول الله أو عن صحابته أو عن أحد من التابعين أو الأئمة المرضيين.
ثم المدعي لذلك من أهل الكلام وهم أجهل الناس بالآثار وأقلهم علما بالأخبار وأتركهم للنقل.
فمن أين لهم علم بهذه ومن نقل منهم شيئا لم يقبل نقله ولا يلتفت إليه.
وإنما لهم الوضع والكذب وزور الكلام.
ولا خلاف بين أهل النقل سنيهم وبدعيهم في أن مذهب السلف رضي الله عنهم في صفات الله سبحانه وتعالى الإقرار بها والإمرار لها.
والتسليم لقائلها وترك التعرض لتفسيرها بذلك جاءت الأخبار عنهم مجملة ومفصلة.
فروي عن مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة ومعمر بن راشد في الأحاديث في الصفات: أمروها كما جاءت.
وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب العلم: ما جاء عن النبي من نقل الثقات وصح عن الصحابة رضي الله عنهم فهو علم يدان به. وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل في ما جاء عنهم فهو بدعة وضلالة. وما جاء في أسماء الله وصفاته عنهم نسلم له ولم نناظر كما لم يناظروا. ورواها السلف وسكتوا عنها وكانوا أعمق الناس علما وأوسعهم فهما وأقلهم تكلفا ولم يكن سكوتهم عن عي. فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر.
وروى محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنه: أجمع أهل العلم في المشرق والمغرب على أن هذه الأحاديث التي جاءت في الصفات لا تفسر، أو كما قال.