وإن عاب السكوت عن التفسير أخطأ.
فإننا لا نعلم لها تفسيرا ومن لم يعلم شيئا وجب عليه السكوت عنه وحرم عليه الكلام فيه.
قال الله تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم }.
وذكر الله تعالى في المحرمات: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }.
وإذا فعلنا ما أوجب الله تبارك وتعالى علينا وتركنا ما حرمه فلا وجه لعيبنا به، وإنما العيب على من خالف ذلك وعابه.
وأيضا فإن عائب هذه المقالة عائب على رسول الله فإنه كان يؤمن بالله وكلماته ولم يفسر شيئا من ذلك ولا بين معناه.
ومن عاب على رسول الله فليس بمؤمن به ومن عاب على رسول الله فهو المخطئ الآثم المعيب المذموم.
ثم العائب لها عائب على الراسخين الذين أثنى الله تعالى عليهم والأمر الذي مدحهم الله تعالى به من التسليم والإيمان.
ثم هو مزرٍ على السلف أجمعين.
ولا مرية في خطأ من عاب هؤلاء كلهم وبدعته وضلالته.
وإذا دخلنا نحن في جملة الذين أثنى الله تعالى عليهم وصوب فعلهم وقولهم لم يضرنا عيب مفتون مبتدع مخذول.
وإذا سلكنا سبيل ربنا تعالى التي رضيها لنا لم نبال برغم أنف من سلك سبيل إبليس اللعين المفضية به إلى سواء الجحيم.
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ** فهي شهادة لي بأني فاضل
وعلى كل فليس لنا قول نعاب به.
إن عيبت علينا الألفاظ التي آمنا بها فما عِيبَ إلا قائلُها ولا كفروا إلا بالمتكلم بها وهو الذي يجازيهم على كفرهم وإلحادهم.
وإن عيب علينا السكوت فليس السكوت بقول ولا ينسب إلى ساكت قول.
وإن قالوا قد اعتقدتم التشبية منها فقد كذبوا علينا ونسبوا إلينا ما قد علم الله تعالى براءتنا منه.
ثم ليس لهم اطلاع على قلوبنا وإنما يعبر عما في القلب اللسان وألسنتا تصرح بنفي التشبيه والتمثيل والتجسيم فليس لهم أن يتحكموا علينا بأن ينسبوا إلينا ما لم يظهر منا ولم يصدر عنا.
والإثم على الكاذب دون المكذوب كما أن حد القذف على القاذف لا على المقذوف وكفانا مدحا وبراءة أن خصومنا لا يجدون لنا عيبا يعيبوننا به هم فيصادقون ونحن به مقرون وإنما يعيبوننا بكذبهم ولو قدروا على عيب لما احتاجوا إلى الكذب.
فصل

وأما قوله إن الإخبار يجب إطراحها لأنها أخبار آحاد وقد ثبت بأدلة العقول القطع بنفي التشبيه والتجسيم فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما بيان وجوب قبول هذه الأخبار لوجهين أحدهما اتفاق الأئمة عل نقلها وروايتها وتخريجها في الصحاح والمسانيد وتدوينها في الدواوين وحكم الحفاظ المتفقين عليها بالصحة وعلى رواتها بالإتقان والعدالة فطرحها مخالف للإجماع خارج عن أهل الاتفاق فلا يلتفت إليه ولا يعرج عليه والثاني أن رواة هذه الأخبار هم نقلة الشريعة ورواة الأحكام وعليهم الاعتماد في بيان الحلال والحرام في الدين. وإذا أبطلنا قولهم بتأويلنا وجب رد قولهم ثم فتبطل الشريعة ويذهب الدين.