صفحة 2 من 21 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 5 إلى 8 من 84

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-


  1. #5
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر بعض من حضرنا ذكره ممن قال ذلك
    حدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني الحجاج، عن أبي جريج، عن مجاهد أنه قال: يقضي الله عز وجل أمر كل شيء ألف سنة إلى الملائكة، ثم كذلك حتى يمضي ألف سنة، ثم يقضي أمر كل شيء ألفًا، ثم كذلك أبدًا، قال: " في يوم كان مقداره ألف سنة " قال: اليوم أن يقول لما يقضي إلى الملائكة ألف سنة: " كن فيكون " ولكن سماه يومًا، سماه كما شاء كل ذلك عن مجاهد، قال: وقوله تعالى: " وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون " قال: هو هو سواء.
    وبنحو الذي ورد عن رسول الله ص من الخبر، بأن الله جل جلاله خلق الشمس والقمر بعد خلقه السموات والأرض وأشياء غير ذلك، ورد الخبر عن جماعة من السلف أنهم قالوه.
    ذكر الخبر عمن قال ذلك منهم
    حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا ابن يمان، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن مجاهد، عن ابن عباس: " فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين ".
    قال: قال الله عز وجل للسموات: " أطلعي شمسي وقمري، وأطلعي نجومي ".
    وقال للأرض: " شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك "، فقالتا: أتينا طائعين.
    حدثنا بشر بن معاذ: قال حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: " وأوحى في كل سماء أمرها "، خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها.
    فقد بينت هذه الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله ص وعمن ذكرناها عنه أن الله عز وجل خلق السموات والأرض قبل خلقه الزمان والأيام والليالي، وقبل الشمس والقمر. والله أعلم.
    القول في الإبانة عن فناء الزمان والليل والنهار وأن لا شيء يبقى غير الله تعالى ذكره

    والدلالة على صحة ذلك قول الله تعالى ذكره: " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " وقوله تعالى: " لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجه " فإن كان كل شيء هالك غير وجهه - كما قال جل وعز - وكان الليل والنهار ظلمة أو نورًا خلقهما لمصالح خلقه، فلا شك أنهما فانيان هالكان، كما أخبر، وكما قال: " إذا الشمس كورت " يعني بذلك أنها عميت فذهب ضوءها، وذلك عند قيام الساعة، وهذا ما لا يحتاج إلى الإكثار فيه، إذ كان مما يدين بالإقرار به جميع أهل التوحيد من أهل الإسلام وأهل التوراة والإنجيل والمجوس، وإنما ينكره قومً من غير أهل التوحيد، لم نقصد بهذا الكتاب قصد الإبانة عن خطأ قولهم. فكل الذين ذكرنا عنهم أنهم مقرون بفناء جميع العالم حتى لا يبقى غير القديم الواحد، مقرون بأن الله عز وجل محييهم بعد فنائهم، وباعثهم بعد هلاكهم، خلا قوم من عبدة الأوثان، فإنهم يقرون بالفناء، وينكرون البعث.
    القول في الدلالة على أن الله عز وجل القديم الأول قبل شيء وأنه هو المحدث كل شيء بقدرته تعالى ذكره

    فمن الدلالة على ذلك أنه لا شيء في العالم مشاهد إلا جسم أو قائم بجسم، وأنه لا جسم إلا متفرق أو مجتمع، وأنه لا مفترق منه إلا وهو موهوم فيه الائتلاف إلى غيره من أشكاله، ولا مجتمع منه إلا وهو موهوم فيه الافتراق، وأنه متى عدم أحدهما عدم الآخر معه، وأنه إذا اجتمع الجزءان منه بعد الافتراق، فمعلوم أنّ اجتماعهما حادث فيهما بعد أن لم يكن، وأن الافتراق إذا حدث فيهما بعد الاجتماع، فمعلوم أن الافتراق فيهما حادث بعد أن لم يكن.
    وإذا كان الأمر فيما في العالم من شيء كذلك، وكان حكم ما لم يشاهد وما هو من جنس ما شاهدنا في معنى جسم أو قائم بجسم، وكان ما لم يخلُ من الحدث لا شك أنه محدث بتأليف مؤلف له إن كان مجتمعًا، وتفريق مفرق له إن كان مفترقًا وكان معلومًا بذلك أن جامع ذلك إن كان مجتمعًا ومفرقه إن كان مفترقًا من لا يشبهه، ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق، وهو الواحد القادر الجامع بين المختلفات، الذي لا يشبهه شيء، وهو على كل شيء قدير - فبين بما وصفنا أن بارئ الأشياء ومحدثها كان قبل كل شيء وأن الليل والنهار والزمان والساعات محدثات وأن محدثها الذي يدبرها ويصرفها قبلها، إذ كان من المحال أن يكون شيء يحدث شيئًا إلى ومحدثه قبله، وأن في قوله تعالى ذكره: " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت "، لأبلغُ الحجج، وأدل الدلائل - لمن فكر بعقل، واعتبر بفهم - على قدم بارئها، وحدوث كل ما جانسها، وأن لها خالقًا لا يشبهها.
    وذلك أن كل ما ذكر ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية من الجبال والأرض والإبل فإن ابن آدم يعالجه ويدبره بتحويل وتصريف وحفر ونحت وهدم، غير ممتنع عليه شيء من ذلك. ثم إن ابن آدم مع ذلك غير قادر على إيجاد شيء من ذلك من غير أصل، فمعلوم أن العاجز عن إيجاد ذلك لم يحدث نفسه، وان الذي هو غير ممتنع ممن أراد تصريفه وتقليبه لم يوجده من هو مثله، ولا هو أوجد نفسه، وأن الذي أنشأه وأوجد عينه هو الذي لا يعجزه شيء أراده، ولا يمتنع عليه إحداث شيء شاء إحداثه، وهو الله الواحد القهار.
    فإن قال قائل: فما تنكر أن تكون الأشياء التي ذكرت من فعل قديمين؟ قيل: أنكرنا ذلك لوجودنا اتصال التدبير وتمام الخلق، فقلنا: لو كان المدبر اثنين، لم يخلوا من اتفاق أو اختلاف، فإن كانا متفقين فمعناهما واحد، وإنما جعل الواحد اثنين من قال بالاثنين. وإن كانا مختلفين كان محالًا وجودُ الخلق على التمام والتدبير على الاتصال. لأن المختلفين فعل كل واحد منهما خلاف فعل صاحبه بأن أحدهما إذا أحيا أمات الأخر وإذا أوجد أحدهما أفنى الآخر فكان محالًا وجود شيء من الخلق على ما وجد عليه من التمام والاتصال وفي قول الله عز وجل ذكره: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون "، وقوله عز وجل: " ما انخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعضٍ سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون " أبلغ حجة، وأوجز بيان، وأدل دليل على بطول ما قاله المبطلون من أهل الشرك بالله، وذلك أن السموات والأرض لو كان فيها إله غير الله، لم يخلُ أمرهما مما وصفت من اتفاق واختلاف. وفي القول باتفاقهما فساد القول بالتثنية، وإقرار بالتوحيد، وإحالة في الكلام بأن قائله سمي الواحد اثنين. وفي القول باختلافهما، القول بفساد السموات والأرض، كما قال ربنا جل وعز: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " لأن أحدهما كان إذا أحدث شيئًا وخلقه كان من شأن الآخر إعدامه وإبطاله، وذلك أن كل مختلفين فأفعالهما مختلفة، كالنار التي تسخن، والثلج الذي يبرد ما أسخنته النار.
    وأخرى، أن ذلك لو كان كما قاله المشركون بالله لم يخلُ كل واحد من الاثنين اللذين أثبتوهما قديمين من أن يكونا قويين أو عاجزين، فإن كانا عاجزين فالعاجز مقهور وغير كائن إلهًا. وإن كانا قويين فإن كل واحد منهما بعجزه عن صاحبه عاجز، والعاجز لا يكون إلها. وإن كان كل واحد منهما قويًا على صاحبه، فهو بقوة صاحبه عليه عاجز، تعالى ذكرهُ عما يشرك المشركون!
    فتبين إذًا أن القديم بارئ الأشياء وصانعها هو الواحد الذي كان قبل كل شيء، وهو الكائن بعد كل شيء، والأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، وأنه كان ولا وقت ولا زمان، ولا ليل ولا نهار، ولا ظلمة ولا نور. إلا نور وجهه الكريم. ولا سماء ولا أرض، ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، وأن كل شيء سواه محدث مدبر مصنوع، انفرد بخلق جميعه بغير شريك ولا معين ولا ظهير، سبحانه من قادر قاهر! وقد حدثني علي بن سهل الرملي، قال: حدثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن جعفر، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، أن النبي ص قال: " إنكم تسألون بعدي عن كل شيء، حتى يقول القائل: هذا الله خلق كل شيء فمن ذا خلقه! ".
    حدثني علي، حدثنا زيد، عن جعفر، قال: قال يزيد بن الأصم حدثني نجبة بن صبيغ، قال: كنت عند أبي هريرة فسألوه عن هذا فكبر وقال: ما حدثني خليلي بشيء إلا قد رأيته - أو أنا أنتظره. قال جعفر: فبلغني أنه قال: إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا: الله خالق كل شيء، والله كان قبل كل شيء، والله كائن بعد كل شيء.
    فإذا كان معلومًا أن خالق الأشياء وبارئها كان ولا شيء غيره، وأنه أحدث الأشياء فدبرها، وأنه قد خلق صنوفًا من خلقه قبل خلق الأزمنة والأوقات، وقبل خلق الشمس والقمر اللذين يجريهما في أفلاكهما، وبهما عرفت الأوقات والساعات، وأرخت التأريخات، وفصل بين الليل والنهار، فلنقل: فيم ذلك الخلق الذي خلق قبل ذلك؟ وما كان أوله؟
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #6
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    القول في ابتداء الخلق ما كان أوله

    صح الخبر عن رسول الله بما حدثني به يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني معاوية بن صالح - وحدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن معاوية بن صالح - عن أيوب بن زياد، قال: حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: أخبرني أبي، قال: قال أبي عبادة بن الصامت: يا بني سمعت رسول الله ص يقول: " إن أول ما خلق الله القلم فقال له: أكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن ".
    حدثني أحمد بن محمد بن حبيب، قال: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، قال: اخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا رباح بن زيد، عن عمر بن حبيب، عن القاسم بن أبي بزة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله ص قال: " وإن أول شيء خلق الله القلم، وأمره أن يكتب كل شيء ".
    حدثني موسى بن سهل الرملي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا رباح بن زيد، عن عمر بن حبيب، عن القاسم بن أبي بزة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن رسول الله ص بنحوه.
    حدثني محمد بن معاوية الأنماطي، حدثنا عباد بن العوام، حدثنا عبد الواحد بن سليم، قال: سمعت عطاء، قال: سألت الوليد بن عبادة بن الصامت: كيف كانت وصية أبيك حين حضره الموت؟ قال: دعاني فقال: أي بني، اتق الله واعلم أنك لن تتقي الله، ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده والقدر خيره وشره، إني سمعت رسول الله ص ويقول: " إن أول ما خلق الله عز وجل خلق القلم، فقال له: اكتب، قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر، قال: فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وبما هو كائن إلى الأبد ".
    وقد اختلف أهل السلف قبلنا في ذلك، فنذكر أقوالهم، ثم نتبع البيان عن ذلك إن شاء الله تعالى.
    فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي روي عن رسول الله ص فيه.
    ذكر من قال ذلك
    حدثني واصل بن عبد الأعلى الأسدي، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: أولُ ما خلق الله من شيء القلم فقال له: اكتب فقال، وما أكتب يا رب؟ قال: أكتب القدر، قال فجري القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة، ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات.
    حدثنا واصل بن عبد الأعلى، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي عباس نحوه.
    حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: أولُ ما خلق الله من شيء القلم، فجرى بما هو كائن.
    حدثنا تميم بن المنتصر، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش عن أبي ظبيان - أو مجاهد -، عن ابن عباس بنحوه.
    حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، قال: حدثنا معمر، حدثنا الأعمش أن ابن عباس قال: إن أول شيء خلق القلم.
    حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن عطاء، عن أبي الضحا مسلم بن صبيح، عن ابن عباس، قال: إن أول شيء خلق ربي عز وجل القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.
    وقال آخرون: بل أول شيء خلق الله عز وجل من خلقه النورُ والظلمة.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: قال ابن إسحاق: كان أول ما خلق الله عز وجل النور والظلمة، ثم ميز بينهما، فجعل الظلمة ليلًا أسود مظلمًا، وجعل النور نهارًا مضيئًا مبصرًا.
    قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قولُ ابن عباس، للخبر الذي ذكرت عن رسول الله ص قبل، أنه قال: أول شيء خلق الله القلم.
    فإن قال لنا قائل: فإنك قلت: أولى القولين - اللذين أحدهما أن أول شيء خلق الله من خلقه القلم، والآخر أنه النور والظلمة - قولُ من قال: إن أول شيء خلق الله من خلقه القلم، فما وجهُ الرواية عن ابن عباس التي حدثكموها ابن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد، قال: قلت لابن عباس: إن ناسًا يكذبون بالقدر، فقال: إنهم يكذبون بكتاب الله، لآخذن بشعر أجدهم فلأنفضن به، إن الله تعالى ذكره كان على عرشه قبل أن يخلق شيئًا، فكان أول ما خلق الله القلم، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، وإنما يجري الناس على أمر قد فُرغ منه؟.
    وعن ابن إسحاق، التي حدثكموها ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: يقول الله عز وجل: " وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء، فكان كما وصف نفسه عز وجل، إذ ليس إلا الماء عليه العرش، وعلى العرش ذو الجلال والإكرام، فكان أولُ ما خلق الله النور والظلمة؟ قيل: أما قولُ ابن عباس: إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء قبل أن يخلق شيئًا، فكان أول ما خلق الله القلم - إن كان صحيحًا عنه أنه قاله - فهو خبر منه أن الله خلق القلم بعد خلقه عرشه، وقد روى عن أبي هاشم هذا الخبر شعبةُ، ولم يقل فيه ما قال سفيان، من أن الله عز وجل كان على عرشه، فكان أول ما خلق القلم، بل روى ذلك كالذي رواه سائر من ذكرنا من الرواة عن ابن عباس أنه قال: أول ما خلق الله عز وجل القلم.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا ابن المثنى، قال: حدثني عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو هاشم، سمع مجاهدًا قال: سمعت عبد الله - لا يدري ابن عمر أو ابن عباس - قال: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اجرِ، فجرى القلم بما هو كائن، وإنما يعمل الناس اليوم فيما قد فرغ منه.
    وكذلك قول ابن إسحاق الذي ذكرناه عنه معناه أنّ الله خلق النورَ والظلمة بعد خلقه عرشه، والماء الذي عليه عرشه. وقول رسول الله الذي رويناه عنه أولى قول في ذلك بالصواب، لأنه كان أعلم قائل في ذلك قولًا بحقيقته وصحته، وقد روينا عنه عليه السلام أنه قال: " أولُ شيء خلقه الله عز وجل القلم " من غير استثناء منه شيئًا من الأشياء أنه تقدم خلق الله إياه خلق القلم، بل عم بقوله صص: " إن أول شيء خلقه الله القلم " كل شيء، وأن القلم مخلوق قبله من غير استثنائه من ذلك عرشًا ولا ماء ولا شيئًا غير ذلك.
    فالرواية التي رويناها عن أبي ظبيان وأبي الضحا، عن ابن عباس، أولى بالصحة عن ابن عباس من خبر مجاهد عنه الذي رواه عنه أبو هاشم، إذ كان أبو هاشم قد اختلف في رواية ذلك عنه شعبة وسفيان، على ما قد ذكرت من اختلافهما فيها.
    وأما ابن إسحاق فإنه لم يسند قولهُ الذي قاله في ذلك إلى أحد، وذلك من الأمور التي لا يدركُ علمها إلى بخير من الله عز وجل، أو خبر من رسول الله ص، وقد ذكرت الرواية فيه عن رسول الله ص.
    القول في الذي ثنى خلق القلم

    ثم إن الله جل جلاله خلق بعد القلم - وبعد أن أمره فكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة - سحابًا رقيقًا، وهو الغمام الذي ذكره جل وعز ذكره في محكم كتابه فقال: " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظللٍ من الغمامِ "، وذلك قبل أن يخلق عرشه، وبذلك ورد الخبر عن رسول الله ص.
    حدثنا ابن وكيع ومحمد بن هارون القطان، قالا: حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رزين، قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: " كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء.
    حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رزين العقيلي، قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: " في عماء، فوقه هواء، وتحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء ".
    حدثنا خلاد بن أسلم، حدثنا النضر بن شميل، قال: حدثنا المسعودي، أخبرنا جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز، عن ابن حصين - وكان من أصحاب رسول الله ص - قال: أتى قوم رسول الله ص فدخلوا عليه، فجعل يبشرهم ويقولون: أعطنا، حتى ساء ذلك رسول الله ص، ثم خرجوا من عنده. وجاء قوم آخرون، فدخلوا عليه فقالوا: جئنا نسلم على رسول الله ص، ونتفقه في الدين، ونسأله عن بدء هذا الأمر، قال: فاقبلوا البشرى إذ لم يقبلها أولئك الذين خرجوا، قالوا: قبلنا، فقال رسول الله ص: " كان الله لا شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر قبل كل شيء، ثم خلق سبع سموات ". ثم أتاني آت فقال: تلك ناقتك قد ذهبت، فخرجتُ ينقطع دونها السراب، ولوددتُ أني تركتها.
    حدثني أبو كريب، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن جامع ابن شداد، عن صفوان بن محرز، عن عمران بن الحصين، قال: قال رسول الله ص: " اقبلوا البشرى يا بني تميم "، فقالوا: قد بشرتنا فأعطنا، فقال: " اقبلوا البشرى يا أهل اليمن "، فقالوا " قد قبلنا، فأخبرنا عن هذا الأمر كيف كان؟ فقال رسول الله ص: " كان الله عز وجل على العرش، وكان قبل كل شيء، وكتب في اللوح كل شيء يكون ". قال: فأتاني آت فقال: يا عمران، هذه ناقتك قد حلت عقالها، فقمت، فإذا السراب ينقطع بيني وبينها، فلا أدري ما كان بعد ذلك.
    ثم اختلف في الذي خلق تعالى ذكره بعد العماء، فقال بعضهم: خلق بعد ذلك عرشه.


  • #7
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر من قال ذلك
    حدثني محمد بن سنان حدثنا أبو سلمة، قال: حدثنا حيان ابن عبيد الله، عن الضحاك بن مزاحم، قال، قال ابن عباس: إن الله عز وجل خلق العرش أول ما خلق، فاستوى عليه.
    وقال آخرون: خلق الله عز وجل الماء قبل العرش، ثم خلق عرشه فوضعه على الماء.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا موسى بن هارون الهمذاني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمذاني عن عبد الله بن مسعود - وعن ناس من أصحاب رسول الله - قالوا: إن الله عز وجل كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء.
    حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل: قال: سمعت وهب بن منبه يقول: إن العرش كان قبل أن يخلق السموات والأرض قبض من صفاة الماء قبضة ثم فتح القبضة فارتفعت دخانًا على الماء، فلما أراد أن يخلق السموات والأرض ثم قضاهن سبع سموات في يومين، ودحا الأرض في يومين، وفرغ من الخلق اليوم السابع.
    وقد قيل: إن الذي خلق ربنا عز وجل بعد القلم الكرسي، ثم خلق بعد الكرسي العرش، ثم بعد ذلك خلق الهواء والظلمات، ثم خلق الماء، فوضع عرشه عليه.
    قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قولُ من قال: إن الله تبارك وتعالى خلق الماء قبل العرش، لصحة الخبر الذي ذكرتُ قيل عن أبي رزين العقيلي عن رسول الله ص أنه قال حين سئل: أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه؟ قال: " كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء "، فأخبر ص أن الله خلق عرشه على الماء. ومحال إذا كان خلقه على الماء أن يكون خلقه عليه، والذي خلقه غيرُ موجود، إما أن يكون قبله أو معه فإذا كان كذلك فالعرش لا يخلو من أحد أمرين خلق بعد خلق الله الماء، وإما أن يكون خلق هو والماء معًا، فإما أن يكون خلقه قبل خلق الماء، فذلك غير جائز صحته على ما روي عن أبي رزين، عن النبي ص.
    وقد قيل: إن الماء كان على متن الريح حين خلق عرشه عليه، فإن كان ذلك كذلك، فقد كان الماء والريح خلقًا قبل العرش.
    ذكر من قال كان الماء على متن الريح

    حدثني ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال: سئل ابن عباس عن قوله عز وجل: " وكان عرشه على الماء ": على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح. حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الأعمش عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قوله عز وجل: " وكان عرشه على الماء " على أي شيء كان الماء قال: على متن الريح حدثنا القاسم بن الحسن، حدثنا الحسين بن داود، حدثني حجاج عن ابن جريج، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله.
    قال: والسموات والأرض وكل ما فيهن من شيء يحيط بها البحار، ويحيط بذلك كله الهيكل، ويحيط بالهيكل - فيما قيل - الكرسي.
    ذكر من قال ذلك
    حدثني محمد بن سهل بن عسكر، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد أنه سمع وهبًا يقول - وذكر من عظمته - فقال: إن السموات والأرض والبحار لفي الهيكل، وإن الهيكل لفي الكرسي، وإن قدميه عز وجل لعلى الكرسي، وهو يحمل الكرسي، وقد عاد الكرسي كالنعل قي قدميه.
    وسئل وهب: ما الهيكل؟ قال شيء من أطراف السموات محدق بالأرضين والبحار كأطناب الفسطاط.
    وسئل وهب عن الأرضين: كيف هي؟ قال: هي سبع أرضين ممهدة جزائر، بين كل أرضين بحر، والبحر محيط بذلك كله، والهيكل من وراء البحر.
    وقد قيل: إنه كان بين خلقه القلم وخلقه سائر خلقه ألف عام.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثنا مبشر الحلبي، عن أرطاة بن المنذر، قال: سمعتُ ضمرة يقول: إن الله خلق القلم، فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يخلق شيئًا من الخلق، فلما أراد جل جلاله خلق السموات والأرض خلق - فيما ذكر - أيامًا ستة، فسمى كل يوم منهن باسم غير الذي سمى به الآخر.
    وقيل: إن اسم أحد تلك الأيام الستة أبجد، واسم الآخر منهن هوز، واسم الثالث منهن حطّي واسم الرابع منهم كلمن، واسم الخامس منهن سعفص واسم السادس منهن قرشت.
    ذكر من قال ذلك
    حدثني الحضرمي، قال: حدثنا مصرف بن عمر واليامي، حدثنا حفص ابن غياث، عن العلاء بن المسيب، عن رجل من كندة، قال: سمعت الضحاك ابن مزاحم يقول: خلق الله السموات والأرض في ستة أيام، ليس منها يوم إلا له اسم: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت.
    وقد حدث به عن حفص غير مصرف وقال: عنه، عن العلاء بن المسيب، قال حدثني شيخ من كندة قال: لقيت الضحاك بن مزاحم، فحدثني قال: سمعت زيد بن أرقم قال: إن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام، لكل يوم منها اسم: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت.
    وقال آخرون: بل خلق الله واحدًا فسماه الأحد، وخلق ثانيًا فسماه الاثنين، وخلق ثالثًا فسماه الثلاثاء، ورابعًا فسماه الأربعاء، وخامسًا فسماه الخميس.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن غالب بن غلاب، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: إن الله خلق يومًا واحدًا فسماه الأحد، ثم خلق ثانيًا فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثًا فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعًا فسماه الأربعاء، ثم خلق خامسًا فسماه الخميس. وهذان القولان غير مختلفين، إذ كان جائزًا أن تكون أسماء ذلك بلسان العرب على ما قاله عطاء، وبلسان آخرين، على ما قاله الضحاك بن مزاحم.
    وقد قيل إن الأيام سبعة لا ستة.
    ذكر من قال ذلك
    حدثني محمد بن سهل بن عسكر، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثني عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه: يقول: الأيام سبعة.
    وكلا القولين - اللذين روينا أحدهما عن الضحاك وعطاء، من أن الله خلق الأيام الستة، والآخر منهما عن وهب بن منبه من أن الأيام سبعة - صحيح مؤتلف غير مختلف، وذلك أن معنى قول عطاء والضحاك في ذلك كان أن الأيام التي خلق الله فيهن الخلق من حين ابتدائه في خلق السماء والأرض وما فيهن إلى أن فرغ من جميعه ستة أيام، كما قال جل ثناؤه: " وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام "، وأن معنى قول وهب بن منبه في ذلك كان أن عدد الأيام التي هي أيام الجمعة سبعة أيام لا ستة.
    واختلف السلف في اليوم الذي ابتدأ الله عز وجل فيه في خلق السموات والأرض، فقال بعضهم: ابتدأ في ذلك يوم الأحد.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا خالد بن عبد الله، عن الشيباني، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: قال عبد الله بن سلام: إن الله تبارك وتعالى ابتدأ الخلق، فخلق الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين.
    حدثني المثنى بن إبراهيم، حدثني عبد الله بن صالح، حدثني أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن سلام أنه قال: إن الله عز وجل بدأ الخلق يوم الأحد، فخلق الأرضين في الأحد والاثنين.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن كعب، قال: بدأ الله خلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين.
    حدثني محمد بن أبي منصور الآملي، حدثنا علي بن الهيثم، عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك في قوله تعالى: " وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام " قال: من أيام الآخرة، كل يوم مقداره ألف سنة، أبتدأ الخلق يوم الأحد.
    حدثني المثنى، حدثنا الحجاج، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهد، قال: بدأ الخلق يوم الأحد.
    وقال آخرون: اليوم الذي ابتدأ الله فيه في ذلك يوم السبت.


  • #8
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر من قال ذلك
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثني محمد ابن أبي إسحاق، قال: يقول أهل التوراة: ابتدأ الله الخلق يوم الأحد: وقال أهل الإنجيل: أبتدأ الله الخلق يوم الاثنين. ونقول نحن المسلمون فيما انتهى إلينا من رسول الله : ابتدأ الله الخلق يوم السبت.
    وقد روى عن رسول الله الذي قال كل فريق من هذين الفريقين اللذين قال أحدهما: ابتدأ الله الخلق في يوم الأحد، وقال الآخر منهما: ابتدأ في يوم السبت، وقد مضى ذكرنا الخبرين، غير أنا نعيد من ذلك في هذا الموضع بعض ما فيه من الدلالة على صحة قول كل فريق منهما.
    فأما الخبر عنه بتحقيق ما قال القائلون: كان ابتداء الخلق يوم الأحد، فما حدثنا به هناد بن السري قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي سعد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس - قال هناد: وقرأت سائر الحديث - أن اليهود أتت النبي فسألته عن خلق السموات والأرض فقال: " خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين ".
    وأما الخبر عنه بتحقيق ما قاله القائلون من أن ابتداء الخلق كان يوم السبت، فما حدثني القاسم بن بشر بن معروف والحسين بن علي الصدائي، قالا: حدثنا حجاج، قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه بيدي، فقال: " خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد ".
    وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: اليوم الذي ابتدأ الله تعالى ذكره فيه خلق السموات والأرض يوم الأحد، لإجماع السلف من أهل العلم على ذلك.
    فأما ما قال ابن إسحاق في ذلك، فإنه إنما استدل - بزعمه - على أن ذلك كذلك، لأن الله عز ذكره فرغ من خلق جميع خلقه يوم الجمعة، وذلك اليوم السابع، وفيه استوى على العرش، وجعل ذلك اليوم عيدًا للمسلمين، ودليله على ما زعم أنه استدل به على صحة وقوله فيما حكينا عنه من ذلك هو الدليل على خطئه فيه، وذلك أن الله تعالى أخبر عباده في غير موضع من محكم تنزيله، أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، فقال " الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ". وقال تعالى ذكره: " قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أئتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم ".
    ولا خلاف بين جميع أهل العلم أن اليومين اللذين ذكرهما الله تبارك وتعالى في قوله: " فقضاهن سبع سموات في يومين " داخلان في الأيام الستة اللاتي ذكرهن قبل ذلك، فمعلوم إذا كان الله عز وجل إنما خلق السموات والأرضين وما فيهن في ستة أيام، وكانت الأخبار مع ذلك متظاهرة عن رسول الله ص بأن آخر ما خلق الله من خلقه آدم، وأن خلقه إياه كان في يوم الجمعة، أن يوم الجمعة الذي فرغ فيه من خلق خلقه داخل في الأيام الستة التي أخبر الله تعالى ذكره أنه خلق خلقه فيهن لأن ذلك لو لم يكن داخلًا في الأيام الستة كان إنما خلق خلقه في سبعة أيام، لا في ستة، وذلك خلاف ما جاء به التنزيل، فتبين إذًا - إذا كان الأمر كالذي وصفنا في ذلك - أن أول الأيام التي ابتدأ الله فيها خلق السموات والأرض وما فيهن من خلقه يوم الأحد، إذ كان الآخر يوم الجمعة، وذلك ستة أيام، كما قال ربنا جل جلاله.
    فأما الأخبار الواردة عن رسول الله صص وعن أصحابه بأن الفراغ من الخلق كان يوم الجمعة، فسنذكرها في مواضعها إن شاء الله تعالى.
    القول فيما خلق الله في كل يوم من الأيام الستة التي ذكر الله في كتابه أنه خلق فيهن السموات والأرض وما بينهما

    اختلف السلف من أهل العلم في ذلك: فقال بعضهم ما حدثني به المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن سلام، أنه قال: إن الله بدأ الخلق يوم الأحد، فخلق الأرضين في الأحد والاثنين، وخلق الأقواتَ والرواسي في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات في الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة، فخلق فيها آدم على عجل، فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة.
    حدثني موسى بن هارون، حدثنا عمرو بن حماد، حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي قالوا: جعل - يعنون ربنا تبارك وتعالى - سبع أرضين في يومين: الأحد والاثنين، وجعل فيها رواسي أن تميد بكم، وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها، وشجرها وما ينبغي لها في يومين: في الثلاثاء والأربعاء، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين: الخميس والجمعة.
    حدثنا تميم بن المنصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن غالب ابن غلاب، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: خلق الله الأرض في يومين. والأحد والاثنين.
    ففي قول هؤلاء خلقت الأرض قبل السماء، لأنها خلقت عندهم في الأحد والاثنين.
    وقال آخرون: خلق الله عز وجل الأرض قبل السماء بأقواتها من غير أن يدحوها، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك.
    ذكر من قال ذلك
    حدثني علي بن داود، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: قوله عز وجل حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء، ثم ذكر السماء قبل الأرض، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله تعالى: " والأرض بعد ذلك دحاها ".
    حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها " يعني أنه خلق السموات والأرض، فلما فرغ من السماء قبل أن يخلق أقوات الأرض بث أقوات الأرض فيها بعد خلق السماء، وأرسى الجبال - يعني بذلك دحوها - ولم تكن تصلح أقواتُ الأرض ونباتها إلا بالليل والنهار، فذلك قوله عز وجل: " والأرض بعد ذلك دحاها "، ألم تسمع أنه قال: " أخرج منها ماءها ومرعاها "؟ قال أبو جعفر: والصوابُ من القول في ذلك عندنا ما قاله الذين قالوا: إن الله خلق الأرض يوم الأحد، وخلق السماء يوم الخميس، وخلق النجوم والشمس والقمر يوم الجمعة لصحة الخبر الذي ذكرنا قبل عن ابن عباس، عن رسول الله ص بذلك. وغير مستحيل ما روينا في ذلك عن ابن عباس من القول، وهو أن يكون الله تعالى ذكره خلق الأرض ولم يدحها، ثم خلق السموات فسواهن، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فأخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها، بل ذلك عندي هو الصواب من القول في ذلك، وذلك أن معنى الدحو غير معنى الخلق، وقد قال الله عز وجل: " أأنتم أشد خلقًا أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها مرعاها والجبال أرساها ".
    فإن قال قائل فإنك قد علمت أن جماعة من أهل التأويل قد وجهت قول الله: " والأرض بعد ذلك دحاها " إلى معنى " مع ذلك دحاها " فما برهانك على صحة ما قلت، من أن ذلك بمعنى بعد التي هي خلاف قبل؟ قيل: المعروف من معنى بعد في كلام العرب هو الذي قلنا من أنها بخلاف معنى قبل لا بمعنى مع ولا بمعنى مع، وإنما توجه معاني الكلام إلى الأغلب عليه من معانيه المعروفة في أهله، لا إلى غير ذلك.
    وقد قيل: إن الله خلق البيت العتيق على الماء على أربعة أركان، قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحته.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: وضع البيت على الماء على أربعة أركان، قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، قال: خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة، ومنه دحيت الأرض.
    وإذا كان الأمر كذلك كان خلق الأرض قبل خلق السموات، ودحو الأرض وهو بسطها بأقواتها ومراعيها ونباتها، بعد خلق السموات، كما ذكرنا عن ابن عباس.
    وقد حدثنا ابن حميد، قال: حدثني مهران، عن أبي سنان، عن أبي بكر قال: جاء اليهود إلى النبي ص فقالوا: يا محمد أخبرنا: ما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة؟ فقال: خلق الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يوم الأربعاء، وخلق السموات والملائكة يوم الخميس، إلى ثلاث ساعات بقين من يوم الجمعة، وخلق في أول الثلاث ساعات الآجال، وفي الثانية الآفة، وفي الثالثة آدم. قالوا: صدقت إن أتممت، فعرف النبي ص ما يريدون، فغضب، فأنزل الله تعالى: " وما مسنا من لغوبٍ، فاصبر على ما يقولون ".
    فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما وصفت من أن الله تعالى خلق الأرض قبل السماء، فما معنى قول ابن عباس الذي حدثكموه واصل ابن عبد الأعلى الأسدي، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله تعالى من شيء القلم، فقال له: أكتب، فقال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكبت القدر، قال: فجرى القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة، ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات، ثم خلق النون، فدحيت الأرض على ظهره، فاضطرب النون، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، فإنها لتفخر على الأرض.
    حدثني واصل، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي ظبيان عن ابن عباس نحوه.
    حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: أول ما خلق الله تعالى القلم فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء، فخلقت منه السموات، ثم خلق النون، فبسطت الأرض على ظهر النون، فتحرك النون، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض. قال: وقرأ: " ن والقلم وما يسطرون ".
    حدثني تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش، عن أبي ظبيان - أو مجاهد - عن ابن عباس بنحوه، إلا أنه قال: ففتقت منه السموات.
    حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثني سليمان، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله تعالى القلم فقال: اكبت، فقال: ما أكبت؟ قال: اكبت القدر، قال: فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة. ثم خلق النون، ورفع بخار الماء ففتقت منه السماء وبسطت الأرض على ظهر النون، فاضطرب النون، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، قال: فإنها لتفخر على الأرض.
    حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن ابن عباس قال: أول شيء خلق الله تعالى القلم، فقال له: اكبت، فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ثم خلق النون فوق الماء، ثم كبس الأرض عليه.

  • صفحة 2 من 21 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 7 (0 من الأعضاء و 7 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. الرزء الأليم
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الحـــوار العام للمغتربين السوريينDialogue Discussion Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 06:39 PM
    2. فن الرسم في الماء
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 07-03-2010, 10:24 PM
    3. فن الرسم على البطاطس
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 06-07-2010, 09:56 PM
    4. فن الرسم بالقهوة
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 06-06-2010, 01:19 AM
    5. فن الرسم في الفحم
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 06-02-2010, 07:42 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1