وقد حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا هشام بن محمد، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: خرج آدم من الجنة بين الصلاتين: صلاة الظهر وصلاة العصر، فأنزل إلى الأرض وكان مكثه في الجنة نصف يوم يوم من أيام الآخرة، وهو خمسمائة سنة، من يوم كان مقداره اثنتى عشرة ساعة، واليوم ألف سنة مما يعد أهل الدنيا، وهذا أيضًا قول خلاف ما وردت به الأخبار عن رسول الله ، وعن السلف من علمائنا.
القول في الموضع الذي أهبط آدم وحواء إليه من الأرض حين أهبط إليها

ثم إن الله عز وجل أهبط آدم قبل غروب الشمس من اليوم الذي خلقه فيه وذلك يوم الجمعة - من السماء مع زوجته، وأنزل آدم - فيما قال علماء سلف أمة نبينا - بالهند.
ذكر من حضرنا ذكره ممن قال ذلك منهم
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: أهبط الله عز وجل آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند.
حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عمران بن عيينة، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن أول ما أهبط الله تعالى آدم أهبطه بدهنا أرض الهند.
حدثت عن عمار، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: أهبط آدم إلى الهند.
حدثني ابن سنان، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: أطيب أرضٍ في الأرض ريحًا أرض الهند، أهبط بها آدم، فعلق شجرها من ريح الحنة.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا هشام بن محمد، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، فجاء في طلبها حتى اجتمعا، فازدلفت إليه حواء، فلذلك سميت المزدلفة، وتعارفا بعرفات، فلذلك سميت عرفات، واجتمعا بجمع فلذلك سميت جمعًا. قال: وأهبط آدم على جبل بالهند يقال له بوذ.
حدثنا أبو همام، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا زياد بن خيثمة، عن أبي يحيى بائع القتّ، قال: قال لي مجاهد: لقد حدثنا عبد الله بن عباس آن آدم نزل حين نزل بالهند.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وأما أهل التوراة فإنهم قالوا: أهبط آدم بالهند على جبل يقال له واسم، عند واد يقال له بهيل بين الدهنج والمندل: بلدين بأرض الهند. قالوا: وأهبطت حواء بجدة من أرض مكة.
وقال آخرون: بل أهبط آدم بسر نديب، على جبل يدعى بوذ، وحواء بجدة من أرض مكة، وإبليس بميسان، والحية بأصبهان. وقد قيل: أهبطت الحية بالبرية، وإبليس بساحل بحر الأبلة.
وهذا مما لا يوصل إلى علم صحته إلى بخبر يجيئ مجيء الحجة، ولا يعلم خبرٌ في ذلك ورد كذلك، غير ما ورد من خبر هبوط آدم بأرض الهند، فإن ذلك مما لا يدفع صحته علماء الإسلام وأهل التوراة والإنجيل، والحجة قد ثبتت بأخبار بعض هؤلاء.
وذكر أن الجبل الذي أهبط عليه آدم عليه السلام ذروته من أقرب ذرًا جبال الأرض إلى السماء، وأن آدم حين أهبط عليه كانت رجلاه عليه ورأسه في السماء يسمع دعاء الملائكة وتسبيحهم، فكان آدم يأنس بذلك، وكانت الملائكة تهابه، فنقص من طول آدم لذلك.
ذكر من قال ذلك
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن سوار ختن عطاء، عن عطاء بن أبي رباح، قال: لما أهبط الله عز وجل آدم من الجنة كان رجلاه في الأرض، ورأسه في السماء، يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم، يأنس إليهم، فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله تعالى في دعائها وفي صلاتها، فخفضه إلى الأرض، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى عز وجل في دعائه وصلاته، فوجه إلى مكة فصار موضع قدمه قرية، وخطوته مفازة، حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله تعال ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن، فلم يزل يطوف به حتى أنزل الله تعالى الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة حتى بعث الله تعالى إبراهيم الخليل عليه السلام فبناه، فذلك قوله تعالى " وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ".
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: وضع الله تعالى البيت مع آدم، فكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فكانت الملائكة تهابه، فنقص إلى ستين ذراعًا، فحزن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فشكا ذلك إلى الله، فقال الله: يا آدم، إني أهبط لك بيتًا تطوف به كما يطاف حول عرشي، وتصلي عنده كما يصلي عند عرشي. فانطلق إليه آدم عليه السلام، فخرج ومد له في خطوه، فكان بين كل خطوة مفازة، فلم تزل تلك المفاوز بعد ذلك، فأتى آدم عليه السلام البيت، فطاف به ومن بعده من الأنبياء.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا هشام بن محمد، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لما خط من طول آدم عليه السلام إلى ستين ذراعا أنشأ يقول: رب، كنتُ جارك في دارك، ليس لي رب غيرك ولا رقيب دونك، آكل فيها رغدًا، وأسكن حيث أحببت، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدس، فكنت أسمع أصوات الملائكة، وأراهم كيف يحفون بعرشك، وأجد ريح الجنة وطيبها، ثم أهبطتني إلى الأرض، وحططتني إلى ستين ذراعًا، فقد انقطع عني الصوت والنظر، وذهب عني ريح الجنة، فأجابه الله عز وجل: لمعصيتك يا آدم فعلتُ ذلك بك، فلما رأى الله تعالى عري آدم حواء أمره أن يذبح كبشًا من الضأن من الثمانية الأزواج التي أنزل من الجنة، فأخذ كبشًا فذبحه، ثم أخذ صوفه فغزلته حواء، ونسجه هو وحواء، فنسج أدم جبة لنفسه، وجعل لحواء درعًا وخمارًا، فلبسا ذلك وأوحى الله تعالى إلى آدم إن لي حرمًا بحيال عرشي، فانطلق فابن لي فيه بيتًا ثم حف به كما رأيت ملائكي يحفون بعرشي، فهنالك أستجيبُ لك ولولدك، من كان منهم في طاعتي، فقال آدم: أي رب، فكيف لي بذلك، لست أقوى عليه ولا أهتدي له! فقيض الله له ملكًا، فانطلق به نحو مكة، فكان آدم إذ أمر بروضة ومكان يعجبه قال للملك: انزل بنا ها هنا، فيقول له الملك: مكانك، حتى قدم مكة، فكان كل مكان نزل به صار عمرانًا، وكل مكان تعداه صار مفاوز وقفارًا، فبنى البيت من خمسة أجبل: من طور سيناء وطور زيتون ولبنان والجودي، وبنى قواعده من حراء، فلما فرغ من بنائه خرج به الملكُ إلى عرفات، فأراه المناسك كلها التي تفعلها الناس اليوم، ثم قدم به مكة، فطاف بالبيت أسبوعًا، ثم رجع إلى أرض الهند، فمات على بوذ.
حدثنا أبو همام، قال: حدثني أبي، قال: حدثني زياد بن خيثمة، عن أبي يحيى بائع القت، قال: قال لي مجاهد: لقد حدثني عبد الله ابن عباس أن آدم عليه السلام نزل حين نزل بالهند، ولقد حج منها أربعين حجة على رجليه، فقلت له: يا أبا الحجاج، ألا كان يركب؟ قال: فأي شيء كان يحمله! فوالله إن خطوه مسيرة ثلاثة أيام، وإن كان رأسه ليبلغ السماء، فاشتكت الملائكة نفسه، فهمزه الرحمن همزة، فتطأطأ مقدار أربعين سنة.