حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الحارث، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: إن أحسن شيء قاله أبو إبراهيم لما رفع عنه الطبق وهو في النار وحده يرشحُ جبينه، فقال عند ذلك: نعم الرب ربك يا إبراهيم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا معتمر بن سليمان التيمي، عن بعض أصحابه قال: جاء جبرئيل إلى إبراهيم عليه السلام وهو يوثق، ويقمط ليلقى في النار، قال: يا إبراهيم، ألك حاجة قال: أما إليك فلا.
حدثني أحمد بن المقدام، قال: حدثني المعتمر، قال: سمعت أبي قال: حدثنا قتادة، عن إبي سليمان، قال: ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه.
قال أبو جعفر: رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: واستجاب لإبراهيم عليه السلام رجالٌ من قومه حين رأوا ما صنع الله به على خوف من نمرود وملئهم، فآمن له لوط - وكان ابن أخيه - وهو لوط بن هاران بن تارخ، وهاران هو أخو إبراهيم، وكان لهما أخ ثالث يقال له ناحور بن تارخ، فهاران أبو لوط، وناحور أبو بتويل، وبتويل أبو لابان، وربقا ابنة بتويل امرأة إسحاق بن إبراهيم أم يعقوب، وليا وراحيل زوجتا يعقوب ابنتا لابان. وآمنت به سارة هي ابن عمه، وهي سارة بنت هاران الأكبر عم إبراهيم، وكانت لها أخت يقال لها ملكا امرأة ناحور.
وقد قيل: إن سارة كانت ابنة ملك حرّان.
ذكر من قال ذلك
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: انطلق إبراهيم ولوط قبل الشأم، فلقي إبراهيم سارة، وهي ابنة ملك حرّان، وقد طعنت على قومها في دينهم، فتزوجها على ألا يغيرها، ودعا إبراهيم أباه آزر إلى دينه، فقال له: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا؟ فأبى أبوه الإجابة إلى ما دعاه إليه.
ثم إن إبراهيم ومن كان معه من أصحابه الذين اتبعوا أمره أجمعوا لفراق قومهم، فقالوا: " إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم "، أيها المعبودون من دون الله " وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا " أيها العابدون " حتى تؤمنوا بالله وحده ". ثم خرج إبراهيم مهاجرًا إلى ربه وخرج معه لوط مهاجرًا وتزوج سارة ابنة عمه، فخرج بها معه يلتمس الفرار بدينه، والأمان على عبادة ربه حتى نزل حران، فمكث بها ما شاء الله أن يمكث، ثم خرج منها مهاجرًا حتى قدم مصر، وبها فرعون من الفراعنة الأولى. وكانت سارة من أحسن الناس فيما يقال، وكانت لا تعصى إبرهيم شيئًا، وبذلك أكرمهم الله عز وجل، فلما وصفت لفرعون ووصف له حسنها وجمالها أرسل إلى إبراهيم، فقال: ما هذه المرأة التي معك؟ قال: هي أختي وتخوف إبراهيم إن قال هي أمرأتي أن يقتله عنها. فقال لإبراهيم: زينها، ثم أرسلها إلي حتى أنظر إليها، فرجع إبراهيم إلى سارة وأمرها فتهيأت، ثم أرسلها إليه، فأقبلت حتى دخلت عليه، فلما قعدت إليه تناولها بيده، فيبست إلى صدره، فلما رأى ذلك فرعون أعظم أمرها، وقال: ادعي الله أن يطلق عني، فوالله لا أريبك ولأحسن إليك، فقالت: اللهم إن كان صادقًا فأطلق يده، فأطلق الله يده، فردها إلى إبراهيم، ووهب لها هاجر، جارية كانت له قبطية.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثني هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، أن رسول الله : قال: " لم يكذب إبراهيم عليه السلام غير ثلاث: ثنتين في ذات الله، قوله: " إني سقيم "، وقوله: " بل فعله كبيرهم هذا ". وبينا هو يسير في الأرض جبار من الجبابرة، إذا نزل منزلًا، فأتى الجبار رجل فقال: إن في أرضك - أول قال: ها هنا - رجلًا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، فجاء فقال: ما هذه المرأة منك؟ قال: هي أختي، قال: اذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة، فقال: إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده، فإنك اختي في كتاب الله، فإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، قال: فانطلق بها وقام إبراهيم عليه السلام يصلي قال: فلما دخلت عليه فرآها أهوى إليها وذهب يتناولها، فأخذ أخذًا شديدًا، فقال: ادعي الله ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليه فذهب يتناولها فأخذ أخذا شديدًا، فقال: ادعي الله ولا أضرك، فدعت له فأرسل، ثم فعل ذلك الثالثة، فأخذ، فذكر مثل المرتين فأرسل. قال: فدعا ادنى حجابه فقال: إنك لم تأتني بإنسان، ولكنك أتيتني بشيطان، أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر، فأقبلت بها، فلما أحس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته، فقال: مهيم فقالت: كفى الله كيد الفاجر الكافر! وأخدم هاجر ".
قال محمد بن سيرين: فكان أبو هريرة إذا حدث هذا الحديث يقول: فتلك أمكم يا بني ماء السماء.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله يقول: " لم يقل إبراهيم شيئًا قط " لم يكن " إلا ثلاثًا: قوله " إني سقيم " لم يكن به سقم، وقوله: " بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون "، وقوله لفرعون حين سأله عن سارة فقال: من هذه المرأة معك؟ قال: أختي، قال: فما قال إبراهيم عليه السلام شيئًا قط " لم يكن إلا ذلك ".
حدثني سعيد بن يحيى الأموي. قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد ابن إسحاق، قال: حدثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : " لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث.. " ثم ذكر نحوه.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثني هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: " لم يكذب إبراهيم غير ثلاث: ثنتين في ذات الله، قوله: " إني سقيم "، وقوله: " بل فعله كبيرهم هذا "، وقوله في سارة: هي أختي ". حدثني ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن المسيب بن رافع، عن أبي هريرة قال: ما كذب إبراهيم عليه السلام غير ثلاث كذبات: قوله: " إني سقيم "، وقوله: " بل فعله كبيرهم هذا "، وإنما قال موعظة، وقوله حين سأله الملك فقال: أختي - لسارة - وكانت امرأته.
حدثني يعقوب، قال: حدثني ابن علية، عن أيوب، عن محمد، قال: إن إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات: ثنتان في الله، وواحدة في ذات نفسه، وأما الثنتان فقوله: " إني سقيم "، وقوله: " بل فعله كبيرهم هذا " وقصته في سارة. وذكر قصتها وقصة الملك.
قال أبو جعفر: رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق.
قال: وكانت هاجر جارية ذات هيئة، فوهبتها سارة لإبراهيم، وقالت: إني أراها امرأة وضيئة فخذها، لعل الله يرزقك منها ولدًا، وكانت سارة قد منعت الولد فلا تلد لإبراهيم حتى أسنّت، وكان إبراهيم قد دعا الله أن يهبَ له من الصالحين، وأخرت الدعوة حتى كبر إبراهيم وعقمت سارة، ثم إن إبراهيم وقع على هاجر، فولدت له إسماعيل عليهما السلام.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، قال: قال: رسول الله : " إذا فتحتم مصر فاستوصوا باهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا ".
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق قال: سألت الزهري: ما الرحم التي ذكر رسول الله ولهم؟ قال: كانت هاجر أم إسماعيل منهم. فيزعمون - والله أعلم - أن سارة حزنت عند ذلك على ما فاتها من الولد حزنًا شديدًا، وقد كان إبراهيم خرج من مصر إلى الشأم، وهاب ذلك الملك الذي كان بها، واشفق من شره حتى قدمها، فنزل السبع من أرض فلسطين، وهي برية الشأم، ونزل لوط بالمؤتفكة، وهي من السبع على مسيرة يوم وليلة. وأقرب من ذلك، فبعثه الله عز وجل نبيًا، وأقام إبراهيم فيما ذكر لي بالسبع، فاختفر به بئرًا واتخذ به مسجدًا، فكان ماء تلك البئر معينًا طاهرًا فكانت غنمه تردها. ثم إن إهلها آذوه فيها ببعض الأذى، فخرج منها حتى نزل بناحية من أرض فلسطين بين الرملة وإيليا، ببلد يقال له قط - أوقط - فلما خرج من بين أظهرهم نضب الماء فذهب.
واتبعه أهل السبع، حتى أدركوه وندموا على ماصنعوا، وقالوا: اخرجنا من بين أظهرنا رجلًا صالحًا، فسألوه أن يرجع إليهم، فقال: ما أنا براجع إلى بلد أخرجت منه، قالوا له: فإن الماء الذي كنت تشرب منه ونشرب معك منه قد نضب فذهب، فأعطاهم سبع أعنز من غنمه، فقال: اذهبوا بها معكم، فإنكم لو قد أوردتموها البئر، قد ظهر الماء، حتى يكون معينًا طاهرًا كما كان، فاشربوا منها، فلا تغترفن منها امرأة حائض، فخرجوا بالأعنز، فلما وقفت على البئر ظهر إليها الماء، فكانوا يشربون منها وهي على ذلك حتى أتت امرأة طامث، فاغترفت، فنكص ماؤها إلى الذي هو عليه اليوم، ثم ثبت.
قال: وكان إبراهيم يضيف من نزل به، وكان الله عز وجل قد أوسع عليه، وبسط له في الرزق والمال والخدم، فلما أراد الله عز وجل هلاك قوم لوط، بعث إليه رسله يأمرونه بالخروج من بين أظهرهم، وكانوا قد عملوا من الفاحشة ما لم يسبقهم به أحدٌ من العالمين، مع تكذيبهم نبيهم، وردّهم عليه ما جاءهم به من النصيحة من ربهم، وأمرت الرسل أن ينزلوا على إبراهيم، وأن يبشروه وسارة بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فلما نزلوا على إبراهيم وكان الضيف قد حبس عنه خمس عشرة ليلة حتى شق ذلك عليه - فيما يذكرون - لا يضيفه أحد، ولا يأتيه، فلما رآهم سر بهم رأى ضيفًا لم يضفه مثلهم حسنًا وجمالًا، فقال: لا يخدم هؤلاء القوم أحد إلا أنا بيدي، فخرج إلى أهله، فجاء كما قال الله عز وجل: " بعجل سمين " قد حنذه - والحناذ: الإنضاج يقول الله جل ثناؤه: " جاء بعجل حنيذٍ " وقرّبه غليهم، فأمسكوا أيديهم عنه، " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم واوجس منهم خيفة " حين لم يأكلوا من طعامه، " قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط. وامرأته " سارة " قائمة فضحكت " لما عرفت من أمر الله عز وجل، ولما تعلم من قوم لوط، فبشروها " بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " بابن، وبابن ابن، فقالت - وصكت وجهها، يقال ضربت على جبينها: " يا ويلتي أألد وأنا عجوز " إلى قوله: " إنه حميدٌ مجيدٌ ". وكانت سارة يومئذ - فيما ذكر لي بعض أهل العلم - ابنة تسعين سنة، وإبراهيم ابن عشرين ومائة سنة، فلما ذهب عن إبراهيم الورع وجاءته البشرى بإسحاق ويعقوب ولد من صلب إسحاق وأمنَ ما كان يخاف، قال: " الحمد الله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميعُ الدُّعاء ".
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيب الجبائي، قال: ألقى إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة، وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين، وولدته سارة وهي ابنة تسعين سنة، وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين، وولدته سارة وهي ابنة تسعين سنة، وكان مذبحه من بيت إيليا على ميلين، فلما دعت سارة بما أراد بإسحاق مرضت يوميت وماتت اليوم الثالث، وقيل: مات سارة وهي ابنة مائة وسبع وعشرين سنة.
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: بعث الله الملائكة لتهلك قوم لوط، فأقبلت تمشي في صورة رجال شباب، حتى نزلوا على إبراهيم، فتضيفوه، فلما رآهم إبراهيم أجلهم، فراغ إلى أهله، فجاء بعجل سمين فذبحه، ثم شواه في الرضف وهو الحنيذ حين شواه، وأتاهم فقعد معهم، وقامت سارة تخدمهم، فذلك حين يقول جل ثناؤه: " وامرأته قائمة وهو جالس " في قراءة ابن مسعود، فلما قربه إليهم قال: ألا تأكلون! قالوا: إبراهيم إنا لا نأكل طعامًا إلا بثمن قال: فإن لهذا ثمن قالوا: وماثمنه؟ قال: تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره، فنظر جبرئيل إلى ميكائيل، فقال: حق لهذا أن يتخذه به خليلًا، " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه " يقول: لا تأكلون، " نكرهم وأوجس منهم خيفة "، فلما نظرت إليه سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت: عجبًا لأضيافنا! هؤلاء إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم، وهو لا يأكلون طعامنا!.