صفحة 12 من 21 الأولىالأولى ... 21011121314 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 45 إلى 48 من 84

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-


  1. #45
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام وذكر نسائه وأولاده

    إذا كان التأريخ غيرَ متصل على سياق معروف لأمة بعد الفرس غيرهم؛ وذلك أن الفرس كان مُلْكهم متصلًا دائمًا من عهد جيومرت الذي قد وصفت شأنه وخبره، إلى أن زال عنهم بخير أمة أخرجت للناس، أمة نبينا محمد . وكانت النبوة والملك متصلين بالشأم ونواحيها لولد إسرائيل بن إسحاق إلى أن زال عنهم بالفرس والروم بعد يحيى بن زكرياء وبعد عيسى بن مريم عليهما السلام. وسنذكر إذا نحن انتهينا إلى الخبر عن يحيى وعيسى عليهما السلام سبب زوال ذلك عنهم إن شاء الله.
    فأما سائر الأمم غير الفرس، فإنه غير ممكن الوصول إلى علم التأريخ بهم؛ إذ لم يكن لهم ملك متَّصل في قديم الأيام وحديثه إلا ما لا يمكن معه سياق التأريخ عليه وعلى أعمار ملوكهم، إلا ما ذكرنا من ولد يعقوب إلى الوقت الذي ذكرت، فإن ذلك وإن كانت مدته انقطعت بزواله عنهم؛ فإن قدر مدة زواله عنهم إلى غايتنا هذه معلوم مبلغه. وقد كان لليمن ملوك لهم ملْك، غير أنه كان غيرَ متصل، وإنما كان يكون منهم الواحد بعد الواحد، وبين الأول والآخر فترات طويلة، لا يقِف على مبلغها العلماء، لقلة عنايتهم كانت بها ومبلغ عمر الأول منهم والآخر، إذا لم يكن من الأمر الدائم، فإن دام منه شيء فإنما يدوم لمن دام له منهم بأنه عامل لغيره في الموضع الذي هو به لا يملكه بنفسه، وذلك كدوامه لآل نصر بن ربيعة بن الحارث بن مالك بن عمرو بن نمارة بن لخم؛ فإنهم كانوا على فرْج ثغر العرب للفرس من الحيرة إلى حدّ اليمن طولًا وإلى حدود الشأم وما اتصل بذلك عرضًا، فلم يزل ذلك دائمًا لهم من عهد أردشير بابكان إلى أن قتل كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان النعمانَ بن المنذر، فنقل عنهم ما كان إليهم من العمل على ثغر العرب إلى إياس بن قَبيصة الطائي.
    فحدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: نكح إسحاق بن إبراهيم رفقا بنت بتويل بن إلياس، فولدت له عيص بن إسحاق، ويعقوب بن إسحاق، يزعمون أنهما كانا تَوْءَمَيْن وأن عيصًا كان أكبرهما. ثم نكح عيص بن إسحاق ابنةَ عمه بسمة ابنة إسماعيل بن إبراهيم، فولدت له الروم بن عيص، فكل بني الأصفر من ولده. وقال: وبعض الناس يزعم أن الأشبان من ولده، ولا أدري أمن ابنة إسماعيل أم لا.
    ونكح يعقوب بن إسحاق - وهو إسرائيل - ابنة خاله ليّا ابنة لبان بن بتويل بن إلياس، فولدت له روبيل بن يعقوب، وكان أكبَر ولده، وشمعون بن يعقوب، ولاوى بن يعقوب، ويهوذا بن يعقوب، وزبالون بن يعقوب، ويسحر بن يعقوب، ودينة ابنة يعقوب. وقد قيل في يسحر إن اسمه " يشحر ". ثم توفيت ليا بنت لبان فخلف يعقوب على أختها راحيل بنت لبان بن بتويل بنت إلياس، فولدت له يوسف بن يعقوب، وبنيامين بن يعقوب - وهو بالعربية شداد - وولد له من سُرِّيَّتيْن؛ اسم إحداهما زلفة، واسم الأخرى بلهة، أربعة نفر: دان بن يعقوب، ونفثالى بن يعقوب، وجاد بن يعقوب، وأشر بن يعقوب، فكان بنو يعقوب اثني عشر رجلًا.
    وقد قال بعض أهل التوراة إن رفقا زوجة إسحاق هي ابنة ناهر بن آزر عمّ إسحاق، وإنها ولدت له ابناه عيصًا ويعقوب في بطن واحد، وإن إسحاق أمر ابنه يعقوب ألّا امرأةً من الكنعانيين، وأمره أن ينكح امرأة من بنات خاله لبان بن ناهر، وأن يعقوب لما أراد النكاح مضى إلى خاله لبان ابن ناهر خاطبًا، فأدركه الليل في بعض الطريق، فبات متوسِّدًا حجرًا، فرأى فيما يرى النائم أن سلمًا منصوبًا إلى باب من أبواب السماء عند رأسه، والملائكة تنزل وتعرج فيه، وأن يعقوب صار إلى خاله فخطب إليه ابنته راحيل، وكانت له ابنتان: ليا وهي الكبرى، وراحيل وهي الصغرى، فقال له: هل من مال أزوجك عليه؟ فقال يعقوب: لا، إلا أني أخدُمك أجيرًا حتى تستوفيَ صداق ابنتك، فإنّ صداقها أن تخدمني سبع حجج. قال يعقوب: فزوجني راحيل وهي شرطي، ولها أخدُمك، فقال له خاله: ذلك بيني وبينك، فرعَى له يعقوب سبع سنين، فلما وفّى له شرطه دفع إليه ابنته الكبرى ليا، وأدخلها عليه ليلًا، فلما أصبح وجد غير ما شرط، فجاءه يعقوب وهو في نادي قومه فقال له: غررتّني وخدعتني واستحللت عملي سبع سنين، ودلّست علي غير امرأتي، فقال له خاله: يا ابن أختي، أردت أن تُدخِل على خالك العار والسُّبَّة، وهو خالُك ووالدك، ومتى رأيتَ يزوّجون الصغرى قبل الكبرى! فهلمَّ فاخدُمني سبع حجج أخرى، فأزوّجك أختَها - وكان الناس يومئذ يجمعون بين الأختين إلى أن بعث موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة - فرعى له سبعًا، فدفع إليه راحيل، فولدت له ليا أربعة أسباط: روبيل، ويهوذا، وشمعان، ولاوى. وولدت له راحيل يوسف وأخاه بنيامين وأخوات لهما، وكان لابان دفع إليه ابنتيه حين جهزهما إلى يعقوب أمَتَيْن فوهبتا الأمتين ليعقوب، فولدت كلُّ واحدة منهما له ثلاثة رهط من الأسباط، وفارق يعقوب خاله، وعاد حتى نازل أخاه عيصًا.
    وقال بعضهم: ولد ليعقوب دان ونفثالى من زلفة جارية راحيل؛ وذلك أنها وهبتها له وسألته أن يطلب منها الولد حين تأخر الولد عنها، وأن ليا وهبت جاريتها بلهة ليعقوب منافسة لراحيل في جاريتها، وسألتْه أن يطلب منها الولد، فولدن له جاد. وأشير، ثم ولد له من راحيل بعد اليأس يوسف وبنيامين، فانصرف يعقوب بولده هؤلاء وامرأتيه المذكورتين إلى منزل أبيه من فلسطين على خوف شديد من أخيه العيص، فلم ير منه إلا خيرًا، وكان العيص فيما ذكر لحق بعمه إسماعيل، فتزوج إليه ابنته بسمة وجملها إلى الشام، فولدت له عدة أولاد فكثروا حتى غلبوا الكنعانيين بالشأم، وصاروا إلى البحر وناحية الإسكندرية ثم إلى الروم. وكان العيص فيما ذكر يسمَّى آدم لأدْمته. قال: ولذلك سمى ولد الأصفر، وكانت ولادة رفقا بنت بتويل لإسحاق بن إبراهيم ابنيه العيص ويعقوب - بعد أن خلا من عمر إسحاق ستون سنة - توءمين في بطن واحد، والعيص المتقدم منهما خروجًا من بطن أمه، فكان إسحاق فيما ذكر يختص العيص، وكانت رفقا أمهما تميل إلى يعقوب، فزعموا أن يعقوب ختل العيص في قربان قرّباه بأمر أبيهما بعدما كبرت سنُّ إسحاق، وضعف بصره، فصار أكثر دعاء إسحاق ليعقوب، وتوجهت البركة نحوه بدعاء أبيه إسحاق له، فغاظ ذلك العيص وتوعّده بالقتل، فخرج يعقوب هاربًا منه إلى خاله لابان ببابل، فوصله لابان زوّجه ابنيته ليا وراحيل، وانصرف بهما وبجاريتهما وأولاده الأسباط الاثني عشر وأختهم دينا إلى الشأم إلى منزل آبائه، وتألف أخاه العيص حتى نزل له البلاد وتنقل في الشأم، حتى صار إلى السواحل. ثم عبر إلى الروم فأوطنها، وصار الملوك من ولده وهم اليونانية - فيما زعم هذا القائل.
    حدثنا الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، قال: أخبرنا أسباط، عن السدي، قال: تزوج إسحاق امرأة فحملت بغلامين في بطن، فلما أرادت أن تضعهما اقتتل الغلامان في بطنها، فأراد يعقوب أن يخرج قبل عيص، فقال عيص: والله لئن خرجتَ قبلي لأعترضنّ في بطن أمي لأقتلنّها، فتأخر يعقوب، وخرج عيص قبله، وأخذ يعقوب بعقب عيص، فخرج فسمى عيصًا لأنه عصى، فخرج قبل يعقوب، وسمى يعقوب لأنه خرج أخذًا بعقِب عيص، وكان يعقوب أكبرهما في البطن، ولكنَّ عيصًا خرج قبله، وكبر الغلامان، فكان عيص أحبَّهما إلى أبيه، وكان يعقوب أحبهما إلى أمه، وكان عيص صاحب صيد، فلما كبر إسحاق وعمي، قال لعيص: يا بني أطْعمني لحم صيد واقترب مني أدع لك بدعاء دعا لي به أبي، وكان عيص رجلًا أشعر، وكان يعقوب رجلًا أجْرَد، فخرج عيص يطلب الصيد، وسمعت أمه الكلام فقالت ليعقوب: يا بني، اذهب إلى الغنم فاذبح منها شاة ثم اشوه، والبس جلده وقدمه إلى أبيك، وقل له: أنا ابنك عيص، ففعل ذلك يعقوب، فلما جاء قال: يا أبتاه كُلْ، قال: مَنْ أنت؟ قال: أنا ابنك عيص، قال: فمسَّه، فاقل: المسُّ مسُّ عيص، والريح ريح يعقوب، قالت أمه: هو ابنك عيص فادع له، قال: قدم طعامك، فقدّمه فأكل منه، ثم قال ادن مني، فدنا منه، فدعا له أن يجعل في ذريته الأنبياء والملوك، وقام يعقوب، وجاء عيص فقال: قد جئتك بالصيد الذي أمرتني به، فاقل: يا بني قد سبقك أخوك يعقوب، فغضب عيص وقال: والله لأقتلنّه، قال: يا بني قد بقيت لك دعوة، فهلم أدع لك بها، فدعا له فقال: تكونَ ذريتُك عددًا كثيرًا كالتراب ولا يملكهم أحدٌ غيرهم، وقالت أم يعقوب ليعقوب: الحق بخالك فكن عنده خشية أن يقتلك عيص، فانطلق إلى خاله، فكان يسري بالليل ويكمن بالنهار، ولذلك سمى إسرائيل، وهو سري الله، فأتى خالَه وقال عيص: أما إذ غلبتني على الدعوى فلا تغلبني على القبر، أن أدفّن عند آبائي " إبراهيم وإسحاق، فقال: لئن فعلتَ لتُدفننّ معه.
    ثم إن يعقوب عليه السلام هوى ابنَة خاله - وكانت له ابنتان - فخطب إلى أبيهما الصغرى منهما، فأنكحهما إياه على أن يَرعى غنمه إلى أجل مسمّى، فلما انقضى الأجل زفّ إليه أختها ليا، قال يعقوب: إنما أردت راحيل، فقال له خاله: إنا لا ينكح فينا الصغير قبل الكبير، ولكن ارعَ لنا أيضًا وانكحها، ففعل. فلما انقضى الأجل زوّجه راحيل أيضًا، فجمع يعقوب بينهما، فذلك قول الله: " وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قّدْ سَلَفَ ".
    يقول: جمع يعقوب بين ليا وراحيل، فحملت ليا فولدت يهوذا، وروبيل وشمعون. وولدت راحيل يوسف، وبنيامين، ماتت راحيل في نفاسها ببنيامين، يقول: من وجع النفاس - الذي ماتت فيه -.
    وقطع خال يعقوب ليعقوب قطيعًا من الغنم، فأراد الرجوع إلى بيت المقدس، فلما ارتحلوا لم يكن له نفقة، فقالت امرأة يعقوب ليوسف: خذ من أصنام أبي لعلنا نستنفق منه فأخذ، وكان الغلامان في حجْر يعقوب، فأحبهما وعطف عليهما ليُتْمهما من أمهما، وكان أحبَّ الخلق إليه يوسف عليه السلام، فلما قدموا أرض الشأم، قال يعقوب لراع من الرعاة: إن أتاكم أحدٌ يسألكم: مَنْ أنتم؟ فقولوا نحن ليعقوب عبد عيص، فلقيهم عيص فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن ليعقوب عبد عيص، فكفّ عيص عن يعقوب، ونزل يعقوب ورأى يوسف في المنام كأنّ أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رآهم ساجدين له، فحدث أباه بها فقال: " يا بُني لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إخوتِك فيكِيْدُوا لكَ كيدًا إنّ الشيطان لِلإنسانِ عَدُوٌ مُبين ".
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #46
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر أيوب عليه السلام

    ومن ولده - فيما قيل - أيوب بني بالله؛ وهو فيما حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يُتّهم، عن وهب بن منبّه، أن أيوب كان رجلًا من الروم، وهو أيوب بن موص بن رازح بن عيص إسحاق بن إبراهيم.
    وأما غير ابن إسحاق فإنه يقول: هو أيوب بن موص بن رغويل بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم.
    وكان بعضهم يقول: هو أيوب بن موص بن رعويل. ويقول: كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم أحرقه نمرود، وكانت زوجته التي أمر بضربها بالضِّعْث ابنةً ليعقوب بن إسحاق، يقال: لها ليا؛ كان يعقوب زوّجها منه.
    وحدثني الحسين بن عمرو بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: أخبرنا غياث بن إبراهيم، قال: ذكر - والله أعلم - أن عدوّ الله إبليس لقِيَ امرأة أيوب - وذكر أنها كانت ليا بنت يعقوب - فقال: يا ليا ابنة الصدّيق وأخت الصدّيق. وكانت أم أيوب ابنة للوط بن هاران؟ وقيل: إن زوجته التي أمِر بضربها بالضِّعْث هي رحمة بنت أفرائيم بن يوسف بن يعقوب، وكانت لها البَثَنيَّة من الشام كلها بما فيها، وكان - فيما ذكر - عن وهب بن منبه في الخبر الذي حدثنيه محمد بن سهل بن عسكر البخاري، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم أبو هشام، قال: حدثني عبد الصمد ابن معقل، قال: سمعت وهب بن منبّه يقول: إن إبليس لعنه الله سمع تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب، وذلك حين ذكره الله تعالى وأثنى عليه، فأدركه البغيُ والحسد، فسأل الله أن يسلِّطه عليه ليفتنه عن دينه، فسلَّطه الله على ماله دون جسده وعقله، وجمع إبليس عفاريت الشياطين وعظماءهم، وكان لأيوب البَثَنيَّة من الشام كلّها بما فيها بين شرقها وغربها، وكان بها ألف شاة برعاتها، وخمسمائة فدّان يتبعها خمسمائة عبد، لكل عبد امرأة وولد ومال، ويحمل آلة كل فدّان أتان، لكل أتان ولد؛ بين اثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وفوق ذلك. فلما جمعهم إبليس، قال: ماذا عنكم من القوة والمعرفة؟ فإنّي قد سُلِّطت على مال أيوب؛ فهي المصيبة الفادحة والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال. فقال كلُّ مَنْ عنده قوة على إهلاك شيء ما عنده. فأرسلهم فأهلَكوا ماله كلّه، وأيوب في كلّ ذلك يحمد الله ولا يَثنيه شيء أصيب به من ماله عن الجدّ في عبادة الله تعالى والشكر له على ما أعطاه، والصبر على ما ابتلاه به. فلما رأى ذلك من أمره إبليس لعنه الله سأل الله تعالى أن يسلّطه على ولده، فسلّطه عليهم، ولم يجعل له سلطانًا على جسده وقلبه وعقله، فأهلك ولده كلّهم، ثم جاء إليه متمثلًا بمعلّمهم الذي كان يعلمهم الحكمة جريحًا مشدوخًا يُرقِّقه حتى رقّ أيوب فبكى، فقبض قبضة من تراب فوضعها على رأسه، فسُرّ بذلك إبليس، واغتنمه من أيوب عليه السلام.
    ثم إنّ أيوب تاب واستغفر، فصعدت قرناؤه من الملائكة بتوبة فبدروا إبليس إلى الله عز وجل. فلما لم يثن أيوب عليه السلام ما حلّ به من المصيبة في ماله وولده عن عبادة ربه، والجدّ في طاعته، والصبر على ما ناله، سأل الله عز وجل إبليسُ أن يسلِّطه على جسده، فسلطه على جسده خلا لسانَه وقلبه وعقله؛ فإنه لم يجعل له على ذلك منه سلطانًا، فجاءه وهو ساجد، فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده، فصار من جملة أمره إلى أن أنتن جسده، فأخرجه أهلُ القرية من القرية إلى كُناسة خارج القرية لا يقربه أحد إلا زوجته. وقد ذكرت اختلاف الناس في اسمها ونسبها قبل.
    ثم رجع الحديث إلى حديث وهب بن منبّه: وكانت زوجته تختلف إليه بما يصلحه وتلزمه، وكان قد أتبعه ثلاثة نفر على دينه، فلما رأوا ما نزل به من البلاء رفضوه واتهموه من غير أن يتركوا دينه؛ يقال لأحدهم بلدد، وللآخر اليفز وللثالث صافر. فانطلقوا إليه وهو في بلائه فبكّتوه، فلما سمع أيوب عليه السلام كلامّهم أقبل على ربِّه يستغيثه ويتضرّع إليه، فرحمه ربّه ورفع عنه البلاء، وردَّ عليه أهله ومَاله ومثلهم معهم، وقال له: " ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَاْبٌ "؛ فاغتسل به فعاد كهيئته قبل البلاء في الحسن والجمال.
    فحدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدثنا فُضيل بن عياض، عن هشام، عن الحسن، قال: لقد مكث أيوب عليه السلام مطروحًا على كُناسة لبني إسرائيل سَبع سنين وأشهرًا، ما يسأل الله عز وجل أن يكشف ما به، قال: فما على وجه الأرض أكرم على الله من أيوب، فيزعمون أن بعض الناس قال: لو كان لربِّ هذا فيه حاجة ما صنع به هذا! فعند ذلك دعا.
    حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثني ابن عُلَيّة، عن يونس، عن الحسن، قال: بقي أيوب عليه السلام على كُناسة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرًا اختلف فيها الرواة.
    فهذه جملة من خبر أيوب ، وإنما قدمنا ذكر خبره وقصته قبل خبر يوسف وقصته لما ذكر من أمره، وأنه كان نبيًَّا في عهد يعقوب أبي يوسف عليهم السلام.
    وذُكر أن عُمْر أيوب كان ثلاثًا وتسعين سنة، وأنه أوصى عند موته إلى ابنه حومل، وأن الله عز وجل بعث بعده ابنه بشر بن أيوب نبيًّا، وسماه ذا الكفل وأمره بالدعاء إلى توحيده، وأنه كان مقيمًا بالشأم عُمْرَه حتى مات، وكان عمرُه خمسًا وسبعين سنة، وأن بشرًا أوصى إلى ابنه عبدان، وأن الله عز وجل بعث بعده شُعَيْبَ بن صيفون بن عيفا بن نابت بن مدين ابن إبراهيم إلى أهل مدين.
    وقد اختُلف في نسب شُعَيْب فنسبه أهل التوراة النسب الذي ذكرت.
    وكان ابن إسحاق يقول: هو شعيب بن ميكائيل من ولد مدين، حدثني بذلك ابن حُميد، عن ابن إسحاق.
    وقال بعضهم: لم يكن شعيب من لد إبراهيم، وإنما هو من ولد بعض مَنْ كان آمن بإبراهيم واتبعه على دينه، وهاجر معه إلى الشأم، ولكنه ابن بنت لوط؛ فجده شعيب ابنة لوط.
    ذكر خبر شعيب عليه السلام

    وقيل إن اسم شعيب يزون، وقد ذكرت نسبه واختلاف أهل الأنساب في نسبه، وكان - فيما ذكر - ضرير البصر.
    حدثني عبد الأعلى بن واصل الأسدي، قال: حدثنا أسيد بن زيد الجصاص، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جُبَيْر في قوله: " وَإِنَّا لَنَراكَ فِيْنَا ضَعِيْفًا "، قال: كان أعمى.
    حدثنا أحمد بن الوليد الرَّملي، قال: حدثنا إبراهيم بن زياد وإسحاق ابن المنذر وعبد الملك بن يزيد، قالوا: حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد، مثله.
    حدثني أحمد بن الوليد، قال: حدثنا عمرو بن عون ومحمد بن الصباح، قالا: سمعنا شريكًا يقول في قوله: " وإنَّا لَنَرَاكَ فينَا ضَعِيْفًا "، قال: أعمى.
    حدثني أحمد بن الوليد، قال: حدثنا سعدويه، قال: حدثنا عباد، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، مثله.
    حدثني المثنى، قال: حدثنا الحِمّاني قال: حدثنا عبّاد، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: " وإنَّا لَنَرَاكَ فينَا ضَعِيْفًا "، قال: كان ضرير البصر.
    حدثني العباس بن أبي طالب، قال: حدثنا إبراهيم بن مهدي المِصيصي، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير: " وإنَّا لَنَرَاكَ فينَا ضَعِيْفًا "، قال: كان ضعيف البصر.
    حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعَيْم، قال: حدثنا سفيان، قوله تعالى: " وإنَّا لَنَرَاكَ فينَا ضَعِيْفًا "، قال: كان ضعيف البصر. قال سفيان: وكان يقال له خطيب الأنبياء، وإن الله تبارك وتعالى بعثه نبيًّا إلى أهل مدين، وهم أصحاب الأيكة - والأيكة الشجر الملتف - وكانوا أهل كفر بالله وبخس للناس في المكاييل والموازين وإفساد لأموالهم، وكان الله عز وجل وسَّع عليهم في الرزق، وبسط لهم في العيش استدراجًا منه لهم، مع كفرهم به، فقال لهم شعيب عليه السلام: " يَا قَوْمِ اُعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إله غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُضُوا المِكْيَالَ وَالمِيْزَانَ إنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وإنِّي أَخَاْفُ عَلَيْكُمْ عَذَاْبَ يَوْمٍ مُحِيْطٍ ".
    فكان من قول شعيب لقومه وجواب قومه له ما ذكره الله عز وجل في كتابه.
    فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: فكان رسول الله - فيما ذكر لي يعقوب بن أبي سلمة - إذا ذكره قال: " ذاك خطيب الأنبياء "، لحسْن مراجعته قومَه فيما يرادّهم به.
    فلما طال تماديهم في غَيِّهم وضلالهم، ولم يردّهم تذكير شُعيب إياهم، وتحذيرهم عذاب الله - لهم - وأراد الله تبارك وتعالى هلاكهم، سلط عليهم - فيما حدثني الحارث - قال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، قال: حدثني سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد، قال: حدثنا حاتم بن أبي صَغيرة، قال: حدثني يزيد الباهلي، قال: سألتُ عبد الله بن عباس عن هذه الآية: " فَأخَذَهُمْ عَذَاْبُ يَوْم الظُّلَّةِ إنَّهُ كَانَ عَذَاْبَ يَوْمٍ عَظِيْمٍ "، فقال عبد الله بن عباس: بعث الله وَبَدةً وحرًَّا شديدًا، فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت، فدخل عليهم أجواف البيوت فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هرّابًا إلى البرّية فبعث الله عز وجل سحابة، فأظلتهم من الشمس، فوجدوا لها بردًا ولذة، فنادى بعضُهم بعضًا، حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارًا، قال عبد الله ابن عباس: فذاك عذابُ يوم الظلة؛ " إنَّهُ كَانَ عَذَاْبَ يَوْمٍ عَظِيْمٍ ".
    حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني جرير بن حازم أنه سمع قتادة يقول: بُعث شعيب إلى أمتين: إلى قومه أهل مدين، وإلى أصحاب الأيكة، وكانت الأيكة من شجر ملتفّ، فلما أراد الله عز وجل أن يعذّبهم بعث عليهم حرًَّا شديدًا، ورفع لهم العذاب كأنه سحابة، فلما دنت منهم خرجوا إليها رجاء بَرْدها، فلما كانوا تحتها أمطرت عليهم نارًا، قال: فذلك قوله تعالى: " فَأخَذَهُمْ عَذَاْبُ يَوْم الظُّلَّةِ ".
    حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني أبو سفيان، عن معمَر بن راشد، قال: حدثني رجل من أصحابنا عن بعض العلماء، قال: كانوا - يعني قوم شعيب - عطَّلوا حدًَّا، فوسع الله عليهم في الرزق، ثم عطَّلوا حدًَّا فوسع الله عليهم في الرزق، فجعلوا كلما عطَّلوا حدًَّا وسع الله عليهم في الرزق، حتى إذا أراد الله هلاكهم سلَّط عليهم حرًَّا لا يستطيعون أن يتقارُّوا، ولا ينفعهم ظل ولا ماء، حتى ذهب ذاهب منهم فاستظل تحت ظلة فوجد روْحًا، فنادى أصحابَه: هلمُّوا إلى الرُّوح، فذهبوا إليه سراعًا؛ حتى إذا اجتمعوا ألهبها الله عليهم نارًا، عذاب يوم الظلة.
    حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن زيد بن معاوية في قوله تعالى " " فَأخَذَهُمْ عَذَاْبُ يَوْم الظُّلَّةِ "، قال: أصابهم حرُّ قلقلهم في بيوتهم، فنشأت سحابة كهيئة الظُّلَّةِ فابتدروها، فلما ناموا تحتها أخذتهم الرجفة.
    حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى. وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد في قوله: " عَذَاْبُ يَوْم الظُّلَّةِ "، قال: ظلال العذاب.
    حدثني القاسم، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله: " فَأخَذَهُمْ عَذَاْبُ يَوْم الظُّلَّةِ "، قال: أظلّ العذابُ قوم شُعيب. قال ابن جريج: لما أنزل الله تعالى عليهم أول العذاب أخذهم منه حرٌّ شديد، فرفع الله لهم غمامة، فخرج إليها طائفة منهم ليستظلوا بها، فأصابهم منها برد ورَوْح وريح طيبة، فصبّ الله عليهم من فوقهم من تلك الغمامة عذابًا، فذلك قوله: " عَذَاْبُ يَوْم الظُّلَّةِ إنَّهُ كَانَ عَذَاْبَ يَوْمٍ عَظِيْمٍ ".
    حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " فَأخَذَهُمْ عَذَاْبُ يَوْم الظُّلَّةِ إنَّهُ كَانَ عَذَاْبَ يَوْمٍ عَظِيْمٍ "، قال: بعث الله عز وجلّ إليهم ظلة من سحاب، وبعث الله إلى الشمس فأحرقت ما على وجه الأرض، فخرجوا كلهم إلى تلك الظلة؛ حتى إذا اجتمعوا كلُّهم كشف الله عنهم الظلة، وأحمَى عليهم الشمس، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المِقْلّى.
    حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو تُمَيْلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عامر، قال: مَنْ حدثك من العلماء، ما عذاب يوم الظلة، فكذّبه.
    حدثني محمود بن خداش، حدثنا حماد بن خالد الخياط، قال، حدثنا داوود بن قيس، عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل: " أصَلَاتكَ تَأْمُرُكَ أنْ تَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِيْ أمْوَالِنَا مَا نَشَاء "، قال: كان مما ينهاهم عنه حذف الدراهم - أو قال: قطع الدراهم، الشكّ من حماد.
    حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: حدثنا ابن أبي فُدَيْك، عن أبي مودود قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني أن قومَ شعيب عذَّبوا في قطع الدراهم، ثم وجدت ذلك في القرآن: " أصَلَاتكَ تَأْمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِيْ أمْوَالِنَا مَا نَشَاء ".
    حدثنا انن وكيع، قال: حدثنا زيد بن حُبَاب، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي؛ قال: عذب قوم شعيب في قطعهم الدراهم، فقلوا: " يا شعيبُ أصَلَاتكَ تَأْمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِيْ أمْوَالِنَا مَا نَشَاء ".
    ونرجع الآن إلى:


  • #47
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر يعقوب وأولاده

    ذكروا والله أعلم أن إسحاق بن إبراهيم عاش ما بعد ما ولد له العيص ويعقوب مائة سنة، ثم توفي وله مائة وستون سنة فقبّره ابناه: العيص ويعقوب عند قبر أبيه إبراهيم في مزرعة حَيْرون، وكان عمر يعقوب بن إسحاق كله مائة وسبعًا وأربعين سنة، وكان ابنه يوسف قد قُسِم له ولأمِّه من الحسن ما لم يقسم لكثير من أحد من الناس.
    وقد حدثني عبد الله بن محمد وأحمد بن ثابت الرازيان، قالا: حدثنا عفان بن مسلم، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا ثابت - البناني - عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: " أعطى يوسف وأمّه شَطْر الحسن ".
    وأن أمه راحيل لما ولدتْه دفعه زوجها يعقوب إلى أخته تحضنه، فكان من شأنه وشأن عمّته التي كانت تحضنه ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نَجيح، عن مجاهد، قال: كان أول ما دخل على يوسف من البلاء فيما بلغني أن عمته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت إليها صارت مِنْطقة إسحاق، وكانوا يتوارثونها بالكِبَر، فكان من اختانها مَن وليها كان له سلَمًا لا ينازَع فيه، يصنع فيه ما شاء، وكان يعقوب حين ولد له يوسف قد كان حضنْته عمته، فكان معها وإليها، فلم يجب أحد شيئًا من الأشياء حبَّها إياه، حتى إذا ترعرع وبلغ سنوات، ووقعت نفس يعقوب عليه، فقال: يا أخيَّة سلِّمي إلى يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة، قالت: والله ما أنا بتاركته؛ قال: فوالله ما أنا بتاركه. قالت: فدعه عندي أيامًا أنظر إليه وأسكن عنه، لعل ذلك يسلّيني عنه - أو كما قالت - فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى مِنطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدت مِنطقة إسحاق، فانظروا مِنْ أخذها ومن أصابها، فالتُمست ثم قالت: كَشَّفوا أهل البيت، فكشَّفوهم فوجدوها مع يوسف، فقالت: والله إنه لي لَسَلَم أصنع فيه ما شئت. قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذاك، إن كان فعل ذلك فهو سَلمَ لك، ما أستطيع غير ذلك فأمسكته، فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت. قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: " إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ".
    قال أبو جعفر: فلما رأت إخوة يوسف شدة حبّ والدهم يعقوب إياه في صباه وطفولته وقلّة صبره عنه حسدوه على مكانه منه، وقال بعضهم لبعض: " لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحبُّ إلَى أَبِيْنا مِنَّا ونَحْنُ عُصْبَةٌ ". يعنون بالعصبة الجماعة، وكانوا عشرة: " إنَّ أَبَانَا لَفِيْ ضَلَالٍ مُبِيْنٍ ".
    ثم كان من أمره وأمر يعقوب ما قد قصَّ الله تبارك وتعالى في كتابه من مسألتهم إياه إرساله إلى الصحراء معهم، ليسعى وينشط ويلعب، وضمانِهم له حفظَه، وإعلام يعقوب إياهم حزنَه بمغيبه عنه، وخوفه عليه من الذئب، وخداعهم والدهم بالكذب من القول والزور عن يوسف، ثم إرساله معهم وخروجهم به وعزمهم حين برزوا به إلى الصحراء على إلقائه في غيابة الجب، فكان من أمره حينئذ - فيما ذكر - ما حدثنا ابنُ وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي قال: أرسله - يعني يعقوبُ يوسفَ - معهم، فأخرجوه وبه عليهم كرامة، فلما برزوا إلى البريّة أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه، فجعل لا يرى منهم رحيمًا، فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه يا يعقوب! لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الإماء! فلما كادوا يقتلونه، قال يهوذا: أليس قد أعطيتموني موثقًا ألا تقتلوه! فانطلقوا به إلى الجبّ ليطرحوه، فجعلوا يُدْلونه في البئر فيتعلق بشفيرها، فربطوا يديه، ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه، ردُّوا علي قميصي أتوارى به في الجبّ! فقالوا: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبًا تؤنسك، قال: إني لم أر شيئًا، فدلُّوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادةَ أن يموت، فكان في البئر ماء، فسقط فيه، ثم أوى إلى صخرة فيها، فقام عليها، فلما ألقَوْه في الجبّ جعل يبكي، فنادوْه، فظنّ أنّها رحمة أدركتهم، فأجابهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه، فقام يهوذا، فمنعهم وقال: قد أعطيتموني موثِقًا ألّا تقتلوه، وكان يهوذا يأتيه بالطعام.
    ثم خبره تبارك وتعالى عن وحيه إلى يوسف عليه والسلام وهو في الجب ليُنبَشِّنَّ إخوته الذين فعلوا به ما فعلوا بفعلهم ذلك وهم لا يَشعُرونَ بالوحي الذي أوحى إلى يوسف. كذلك روى ذلك عن قتادة. حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: " وَأَوْحَيْنا إليه لَنُنَبِّنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذَا "، قال: أوحي إلى يوسف وهو في الجبّ أن ينبّئهم بما صنعوا به " وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ " بذلك الوحي.
    حدثني المثنّى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة بنحوه، إلا أنه قال: أن سينبِّئهم.
    وقيل معنى ذلك: وهم لا يشعرون أنه يوسف، وذلك قول يروى عن ابن عباس؛ حدثني بذلك الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا صدقة بن عبادة الأسدي، عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس يقول ذاك، وهو قول ابن جريج.
    ثم خبره تعالى عن إخوة يوسف ومجيئهم إلى أبيه عشاءً يبكون، يذكرون له أن يوسف أكله الذئب، وقول والدهم: " بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيْلٌ ".
    ثم خبّره جلاله عن مجيء السيارة، وإرسالهم واردهم، وإخراج الوارد يوسف وإعلامه أصحابه به بقوله: " يَا بُشْراي هَذَا غُلَامٌ " يبشرهم.
    حدثنا بشْر بن مُعًاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: " يَا بُشْراي هَذَا غُلَامٌ "، تباشروا به حين أخرجوه - وهي بئر بأرض بيت المقدس معلوم مكانها.
    وقد قيل: إنما نادى الذي أخرج يوسف من البئر صاحبًا له يسمى بُشْرى، فناداه باسمه الذي هو اسمه. كذلك ذكر عن السُّدِّي. حدثنا الحسن بن محمد، حدثنا خلف بن هشام، قال: يحيى بن آدم، عن قيس بن الربيع، عن السدي في قوله: " يَا بُشْراي "، قال: كان اسم صاحبه بشرى.
    حدثني المثنّى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي في قوله: " يَا بُشْراي هَذَا غُلَامٌ "، قال: اسم الغلام بشرى، كما تقول: يا زيد.
    ثم خبره عز وجل عن السيارة وواردهم الذي استخرج يوسف من الجبّ إذ اشتروه من إخوته " بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودةٍ "، على زُهْد فيه وإسرارهم إياه بضاعة، خيفة ممن معهم من التجار مسألتهم الشركة فيه، إن هم علموا أنهم اشتروه.
    كذلك قال في ذلك أهل التأويل: حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد: " وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً "، قال: صاحب الدلو ومن معه قالوا لأصحابهم: إنا استبضعناه خيفة أن يستشركوهم فيه إن علموا بثمنه، وتبعهم إخوته يقولون للمُدلي وأصحابه: استوثقوا منه لا يأبَق، حتى وقفوه بمصر فقال: مَن يبتاعني ويبشّر! فاشتراه الملك، والملك مُسلم.
    حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد بنحوه؛ غير أنه قال: خيفة أن يستشركوهم إن علموا به، واتبعهم إخوته، يقولون للمدلي وأصحابه: استوثقوا منه لا يأبق حتى وقفوه بمصر.
    حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو بن حماد، عن أسباط، عن السدي: " وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً "، قال: لما اشتراه الرجلان فرِقوا من الرفقة أن يقولوا: اشتريناه فيسْألونَهم الشركة فيه فقالوا: إن سألونا: ما هذا؟ قلنا: بضاعة، استبضعناه أهل الماء، فذلك قوله: " وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ".
    فكان بيعهم إياه ممن باعوه منه بثمن بخس، وذلك الناقص القليل من الثمن الحرام.
    وقيل إنهم باعوه بعشرين درهمًا، ثم اقتسموها - وهم عشرة - درهَمين درهمين، وأخذوا العشرين معدودة بغير وزن؛ لأن الدراهم حينئذ - فيما قيل - إذا كانت أقلَّ من أوقية وزنها أربعون درهمًا لم تكن توزن، لأن أقلّ أوزانهم يومئذ كانت أوقية.
    وقد قيل: إنهم باعوه بأربعين درهمًا. وقيل: باعوه باثنين وعشرين درهمًا.
    وذكر أن بائعه الذي باعه بمصر كان مالك بن دعر بن يوبب ابن عفقان بن مديان بن إبراهيم الخليل عليه السلام. حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس.
    وأما الذي اشتراه بها وقال: " لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ "؛ فإن اسمه - فيما ذكر عن ابن عباس - قُطْفير. حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان اسم الذي اشتراه قطفير.
    وقيل إن اسمه أطفير، بن رُوحيب، وهو العزيز، وكان على خزائن مصر، والملك يومئذ الرَّيان بن الوليد، رجل من العماليق، كذلك حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق.
    فأما غيره فإنه قال: كان يومئذ الملك بمصر وفرعونها الرَّيان بن الوليد بن ثروان بن أراشة بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح.
    وقد قال بعضهم: إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتَّبع يوسف على دينه، ثم مات ويوسف بعدُ حيٍّ، ثم ملك بعده قابوس بن مُصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام، وكان كافرًا، فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى أن يقبل.
    وذكر بعضُ أهل التوراة أن في التوراة: أن الذي كان من أمر يوسف وإخوته والمصير به إلى مصر، وهو ابن سبع عشرة سنة يومئذ، وأنه قام في منزل العزيز الذي اشتراه ثلاث عشرة سنة، وأنه لما تمّتْ له ثلاثون سنة استوزره فرعون مصر؛ الوليد بن الريان، وأنه مات يوم مات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين وأوصى إلى أخيه يهوذا، وأنه كان بين فراقه يعقوب واجتماعه معه بمصر اثنتان وعشرون سنة، وأم مقام يعقوب معه بمصر بعد موافاته بأهله سبع عشرة سنة، وأن يعقوب أوصى إلى يوسف عليه السلام.
    وكان دخول يعقوب مصر في سبعين إنسانًا من أهله، فلما اشترى أطفير يوسف، وأتى به منزله، قال لأهله واسمها - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق - راعيل: " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا " فيكفينا إذا هو بلغ وفهم الأمور بعضَ ما نحن بسبيله من أمورنا: " أَوَ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا "، وذلك أنه كان - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق - رجلًا لا يأتي النساء، وكانت امرأته راعيل حسناء ناعمة في مُلك ودنيا، فلما خلا من عمْر يوسف عليه السلام ثلاث وثلاثون سنة أعطاه الله عز وجل الحكم والعلم.
    حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: " آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ": قال: العقل والعلم قبل النبوة.
    " وَرَاوَدَتْهُ " حين بلغ من السنّ أشدّه: الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ " - وهي راعيل امرأة العزيز أطفير - " وَغَلَّقَتِ اْلأَبْوَابَ " عليه وعليها للّذي أرادت منه، وجعلت - فيما ذكر - تذكر ليوسف محاسنه تشوقه بذلك إلى نفسها.


  • #48
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر من قال ذلك
    حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: " وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا "، قال: قالت له يا يوسف: ما أحسن شعرَك! قال: هو أول ما ينتثر من جسدي، يا يوسف ما أحسن عينيك! قال: هي أولُ ما يسيل إلى الأرض من جَسدي، قالت: يا يوسف ما أحسنَ وجهك! قال: هو للتراب يأكله، فلم تزل حتى أطعمته فهمّت به وهمّ بها. فدخلا البيتَ وغلقت الأبواب، وذهب ليحلّ سراويله فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في البيت قد عضّ على إصبعه يقول: يا يوسف لا تواقعها، فإنما مثَلُك ما لم تواقعها مثلُ الطير في جوِّ السماء لا يطاق، ومثلك إن واقعتَها مثَله إذا مات وقع في الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ومثَلك ما لم تواقعها مثل الثور الصَّعْب الذي لا يعمل عليه، ومثَلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه. فربط سراويله، وذهب ليخرج يشتدّ، فأدركته فأخذت بمؤخر قميصه من خلْفه فخرقته حتى أخرجته منه، وسقط وطرحه يوسف، واشتدّ نحو الباب.
    وقد حدثنا أبو كريب وابن وكيع وسهل بن موسى، قالوا: حدثنا ابن عيينة عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليْكة، عن ابن عباس: سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حلّ الهيمان، وجلس منها مجلس الحائز.
    حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرنا عبد الله بن أبي مُلَيكة، قال: قلت لابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقتْ له وجلس بين رجليها ينزع ثيابَه، فصرف الله تعالى عنه ما كان همّ به من السوء بما رأى من البرهان الذي أراه الله، فذلك - فيما قال بعضُهم - صورة يعقوب عاضًّا على إصبعه.
    وقال بعضهم: بل نودي من جانب البيت: أتزني فتكون كالطير وقع ريشه، فذهب يطير ولا ريش له! وقال بعضهم: رأى في الحائط مكتوبًا: " وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وِسَاءَ سَبِيلًا " فقام حين رأى بُرْهان ربه هاربًا يريد باب البيت، فرارًا مما أرادته، واتبعته راعيل فأدركتْه قبل خروجه من الباب، فجذبته بقميصه من قِبَل ظهره، فقدّت قميصَه وألفى يوسف وراعيل سيّدها - وهو زوجها أطفير - جالسًا عند الباب، مع ابن عمّ لراعيل.
    كذلك حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي،: " وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى البَابِ ". قال: كان جالسًا عند الباب وابن عمها معه، فلما رأته قالت: " مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَاْدَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إلَّا أنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ "؛ إنه راودني عن نفسي، فدفعته عن نفسي فأبيت فشققت قميصه. قال يوسف: بل هي رَاوَدَتني عَنْ نَفْسي، فأبيت وفررت منها، فإن كان القميص " قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبين "، وإن كان القميص " قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِيْنَ "، فأتى بالقميص، فوجده قدّ من دبر، قال: " إنَّهُ مِنْ كَيْدَكُنَّ إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيْمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ مِنَ الْخَاطِئِيْنَ ".
    حدثني محمد بن عمارة، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا شيبان، عن أبي إسحاق، عن نوْف الشامي، قال: ما كان يوسف يريد أن يذكره حتى قالت: " مَا جَزَاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عذابٌ ألِيْمٌ "، قال: فغضب وقال: " هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ".
    وقد اختلف في الشاهد الذي شهد من أهلها " إنْ كَانَ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبين "، فقال بعضهم، ما ذكرت عن السدي.
    وقال بعضهم: كان صبيّا في المهد، وقد روى في ذلك عن رسول الله ما حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عفان بن مسلم، قال: " تكلم أربعة وهم صغار "، فذكر فيهم شاهد يوسف.
    حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا العلاء بن عبد الجبار، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: تكلّم أربعة وهم صغار: ابنُ ماشطة ابنة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى بن مريم.
    وقد قيل إن الشاهد كان هو القميص وقدّه من دبره.
    ذكر بعض من قال ذلك
    حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ".
    قال: قميصه مشقوق من دُبره فتلك الشهادة، فلما رأى زوجُ المرأة قميص يوسف قُدَّ من دبر قال لراعيل زوجته: " إنَّهُ مِنْ كَيْدَكُنَّ إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيْمٌ "، ثم قال ليوسف: أعرض عن ذكر ما كان منها من مراودتها إياك عن نفسها فلا تذكره لأحد، قال لزوجته: " اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ مِنَ الْخَاطِئِيْنَ ".
    وتحدث النساء بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز بمِصر ومراودتها إياه على نفسها فلم ينكتم، وقلن: " امْرَأَةُ الْعَزِيْزِ تُرَاْوِدُ فتاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًَّا "، قد وصل حبّ يوسف إلى شغاف قلبها فدخل تحته حتى غلب على قلبها. وشغاف القلب: غلافه وحجابه.
    حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: " قَدْ شَغَفَهَا حُبًَّا "، قال: والشغاف جلْدة على القلب يقال لها لسان القلب؛ يقول: دخل الحبّ الجلد حتى أصاب القلب، فلما سمعت امرأة العزيز بمكرهنّ وتحدُّثهن بينهنّ بشأنها وشأن يوسف، وبلغها ذلك أرسلت إليهنّ وأعتدت لهن مُتكأ يتَّكئن عليه إذا حضرنها من وسائد. وحضرنها فقدّمت إليهنّ طعامًا وشرابًا وأترُجا، وأعطتْ كُلَّ واحدة منهن سكينًا تقطع به الأترجّ.
    حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كُدَيْنةَ، عن حُصَيْن، عن مجاهد، عن ابن عباس: " وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيْنًا "، قال: أعطتهن أترُجًّا، وأعطت كل واحدة منهن سكينًا.
    فلما فعلت امرأةُ العزيز ذلك بهنَّ، وقد أجلست يوسف في بيت ومجلس غير المجلس الذي هنَّ فيه جلوس، قالت ليوسف: " اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ "، فخرج يوسف عليهنّ، فلما رأينه أجللنه وأكبرنه وأعظمنه، وقطَّعن أيديهن بالسكاكين التي في أيديهنّ، وهن يحسبن أنهنّ يقطعن بها الأترجّ، وقلن: معاذ الله ما هذا إنس، " إنْ هَذا إلَّا مَلَكٌ كَرِيْمٌ ". فلما حلّ بهنّ ما حلَّ من قطع أيديهن من أجل نظرة نظرنها إلى يوسف وذهاب عقولهنّ، وعرفتهن خطأ قيلهنَّ: " امْرَأَةُ العزِيْزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ "، وإنكارهن ما أنكرن من أمرها أقرّت عند ذلك لهنّ بما كان من مراودتها إياه على نفسها، فقالت: " فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّني فِيْهِ ولَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَن نَفْسِهِ فاسْتَعْصَمَ "، بعدما حلّ سراويله.
    حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: " قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّني فِيْهِ ولَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَن نَفْسِهِ فاسْتَعْصَمَ "، تقول: بعدما حلّ السراويل استعصم، لا أدري ما بدا له ثم قالت لهنّ: " وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ " منْ إتْيانهَا " لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونا مِنَ الصَّاغِرِيْنَ "، فاختار السجن على الزنا ومعصية ربه، فقال: " رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلّيَّ مِمَّا يّدْعُونَنِي إلَيْهِ ".
    حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلّيَّ مِمَّا يّدْعُونَنِي إلَيْهِ " من الزنا، واستغاث بربه عز وجل فقال: " وإلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ من الجَاْهِلِيْنَ ". فأخبر الله عز وجل أنه استجاب له دعاءه، فصرّف عنه كيدهنّ ونجاه من ركوب الفاحشة، ثم بدا للعزيز من بَعْد ما رأى من الآيات ما رأى من قَدّ القميص من الدُّبر، وخمش في الوجه، وقطع النسوة أيديهنّ وعلمه ببراءة يوسف مما قُرف به في ترك يوسف مطلقًا.
    وقد قيل: إن السبب الذي من اجله بدا له في ذلك، ما حدثنا به ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط عن السدي: " ثم بّدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حّتَّى حِيْنٍ "، قال: قالت المرأة لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضَحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستني، فذلك قول الله عز وجل: " ثُمَّ بّدّا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رأوا الآيات ليسجنُنه حَتَّى حين " فذكر أنهم حبسوه سبع سنين.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن داود، عن عكرمة: " لَيَسْجُنُنَّهُ حّتَّى حِيْنٍ "، قال: سبع سنين؛ فلما حبس يوسف في السجن صاحبه العزيز، أُدخِل معه السجن الذي حبس فيه فتيان من فتيان الملك صاحب مصر الأكبر؛ وهو الوليد بن الريَّان؛ أحدهما كان صاحب طعامه، والآخر كان صاحب شرابه.
    حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: حبسه الملك، وغضب على خبّازه؛ بلغه أنه يريد أن يَسُمَّه فحبسه، وحبس صاحب شرَابه؛ ظن أنه مالأه على ذلك، فحبسهما جميعًا، فذلك قول الله عز وجل: " وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ".
    فلما دخل يوسف قال فيما حدثني به ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما دخل يوسف السجن، قال: إني أعبر الأحلام، فقال أحد الفتيين لصاحبه: هَلُمَّ فلنجرّب هذا العبد العبراني، فتراءيا له، فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئًا، فقال الخباز: " إنِّي أرَانِي أحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِيْ خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ "، وقال الآخر: " إنِّي أرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا، " نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إنَّا نَرَاك مِنَ المُحْسِنِيْنَ ".
    فقيل: كان إحسانه ما حدثنا به إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك قال: سأل رجل الضحاك عن قوله: " إنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِيْنَ ": ما كان إحسانه؟ قال: كان إذا مرض إنسان في السجن قام عليه، وإذا احتاج جمع له، وإذا ضاق عليه المكان وَسَّع له، فقال لهما يوسف: " لَا يَأْتِيكُما طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ " في يومكما هذا " إلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ " في اليقظة. فكرة صلى الله عليه أن يعبِّر لهما ما سألاه عنه، وأخذ في غير الذي سألا عنه لما في عبارة ما سألا عنه من المكروه على أحدهما فقال: " يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أأرْبَابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ ".
    وكان اسم أحد الفتيين اللذين أدخلا السجن محلب - وهو الذي ذكر أنه رأى فوق رأسه خبزًا - واسم الآخر نبو، وهو الذي ذكر أنه رأى كأنه يعصر خمرًا، فلم يَدَعاه والعدول عن الجواب عما سألاه عنه حتى أخبرهما بتأويل ما سألاه عنه فقال: " أمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا " - وهو الذي ذكر أنه رأى كأنه يعصر خمرًا، " وَأَمَّا اْلآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ ". فلما عبّر لهما ما سألاه تعبيره، قالا: ما رأينا شيئًا.
    حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيل، عن عمارة - يعني ابن القعقاع - عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، في الفتيين اللذين أتيا يوسف في الرؤيا إنما كانا تحالما ليختبراه، فلما أوّل رؤياهما قالا: إنما كنا نلعب، فقال: " قُضِيَ اْلأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْيَانِ " ثم قال لنبو - وهو الذي ظن يوسف أنه ناج منهمَا: " اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ " يعني عند الملك، وأخبره أني محبوس ظلمًا، " فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ "، غفلة عرضت ليوسف من قبَل الشيطان.
    فحدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن بسطام بن مسلم، عن مالك بن دينار، قال: قال يوسف للساقي: " اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ "، قال: قيل: يا يوسف، اتخذتَ من دوني وكيلًا؟ لأطيلنَّ حبسَك. فبكى يوسف وقال: يا ربّ أنسى قلبي كثرة البلوى فقلت كلمة، فويل لإخوتي! حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال النبي : " لو لم يقل يوسف - يعني الكلمة التي قال - ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله عز وجل ".
    فلبث في السجن، فيما حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمران أبو الهُدَيل الصنعاني، قال: سمعت وهبًا يقول: أصاب أيوب البلاء سبعَ سنين، وتُرك يوسف في السجن سبع سنين، وعّذب بختنصَّر فحوّل في السباع سبع سنين.
    ثم إن ملك مصر رأى رؤيا هالته.

  • صفحة 12 من 21 الأولىالأولى ... 21011121314 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. الرزء الأليم
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الحـــوار العام للمغتربين السوريينDialogue Discussion Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 06:39 PM
    2. فن الرسم في الماء
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 07-03-2010, 10:24 PM
    3. فن الرسم على البطاطس
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 06-07-2010, 09:56 PM
    4. فن الرسم بالقهوة
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 06-06-2010, 01:19 AM
    5. فن الرسم في الفحم
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 06-02-2010, 07:42 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1