فشفاؤكم عندكم، والدواءُ الذي لا داء فيه الاستقامة، والأمر بالخير والنهي عن الشرّ، ولا قوّة إلا بالله. انظروا للرعية فإنها مطعمكم ومشربكم، ومتى عدلتم فيها رغبوا في العمارة، فزاد ذلك في خراجكم، وتبين في زيادة أرزاقكم، وإذا حِفْتم على الرعية زهدوا في العمارة، وعطّلوا أكثر الأرض فنقص ذلك من خراجكم، وتبيّن في نقص أرزاقكم، فتعاهدوا الرعية بالإنصاف؛ وما كان من الأنهار والبثوق مما نَفقة ذلك من السلطان فأسرعوا فيه قبل أن يكثر، وما كان من ذلك على الرعيّة فعجزوا عنه فأقرضوهم من بيت مال الخراج، فإذا حان أوقات خراجهم، فخذوا من خراج غَلّاتهم على قدر ما لا يجحف ذلك بهم، رُبْع في كلّ سنة أو ثلث أو نصف، لكيلا يشقّ ذلك عليهم. هذا قولي وأمري يا موبذ موبذان، الزم هذا القول، وخذ في هذا الذي سمعت في يومك؛ أسمعتم أيها الناس! فقالوا: نعم، قد قلت فأحسنت، ونحن فاعلون إن شاء الله: ثم أمر بالطعام فوضع فأكلوا وشربوا، ثم خرجوا وهم له شاكرون. وكان مُلكه مائة وعشرين سنة. كم عندكم، والدواءُ الذي لا داء فيه الاستقامة، والأمر بالخير والنهي عن الشرّ، ولا قوّة إلا بالله. انظروا للرعية فإنها مطعمكم ومشربكم، ومتى عدلتم فيها رغبوا في العمارة، فزاد ذلك في خراجكم، وتبين في زيادة أرزاقكم، وإذا حِفْتم على الرعية زهدوا في العمارة، وعطّلوا أكثر الأرض فنقص ذلك من خراجكم، وتبيّن في نقص أرزاقكم، فتعاهدوا الرعية بالإنصاف؛ وما كان من الأنهار والبثوق مما نَفقة ذلك من السلطان فأسرعوا فيه قبل أن يكثر، وما كان من ذلك على الرعيّة فعجزوا عنه فأقرضوهم من بيت مال الخراج، فإذا حان أوقات خراجهم، فخذوا من خراج غَلّاتهم على قدر ما لا يجحف ذلك بهم، رُبْع في كلّ سنة أو ثلث أو نصف، لكيلا يشقّ ذلك عليهم. هذا قولي وأمري يا موبذ موبذان، الزم هذا القول، وخذ في هذا الذي سمعت في يومك؛ أسمعتم أيها الناس! فقالوا: نعم، قد قلت فأحسنت، ونحن فاعلون إن شاء الله: ثم أمر بالطعام فوضع فأكلوا وشربوا، ثم خرجوا وهم له شاكرون. وكان مُلكه مائة وعشرين سنة.
وقد زعم هشام بن الكلبي فدا حدِّثت عنه أن الرائش بن قيس بن صيفي ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان كان من ملوك اليمن بعد يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ وإخوته، وأن الرائش كان ملكه باليمن أيام ملك منوشهر، وإنه إنما سمي الرائش - واسمه الحارث بن أبي شدد - لغنيمة غنمها من قوم غزاهم فأدخلها اليمن، فسُمي لذلك الرائش، وأنه غزا الهند فقتل بها وسبى وغنم الأموال، ورجع إلى اليمن ثم سار منها، فخرج على جبلَيْ طيئ ثم على الأنبار، ثم على الموصل، وأنه وجّه منها خيله وعليها رجل من أصحابه، يقال له: شمر بن العطاف، فدخل على الترك أرض أذْرَبيجان وهي في أيديهم يومئذ، فقتل المقاتلة وسبى الذريّة، وزَبَر ما كان من مسيره في حجَريْن، فهما معروفان ببلاد أذربيجان. قال: وفي ذلك يقول امرؤ القيس:
ألم يُخبرْك أنّ الدهرَ غولٌ ** خَتورُ العهدِ يلتقِمُ الرجالا
أزالَ عنِ المصانع ذا ريَاش ** وقد ملك السُّهولةَ والجِبالا
وأنشب في المخالب ذا منارٍ ** وللزّرّاد قد نصب الحِبالا
قال: وذو منار الذي ذكره الشاعر هو ذو منار بن رائش، الملك بعد أبيه، واسمه أبْرهة بن الرائش، وإنما سمّى ذا منار لأنه غزا بلاد المغرب فوغل فيها برًا وبحرًا، وخاف على جيشه الضلال عند فقوله، فبنى المنار ليهتدوا بها. قال: ويزعم أهلُ اليمن أنه كان وجّه ابنه العبد بن أبرهة في غزوته هذه إلى ناحية من أقاصي بلاد المغرب، فغنم وأصاب مالًا وقدم عليه بَنسْناس لهم خِلَق وحشيّة منكرة، فذعر الناس منهم، فسموه ذا الأذعار.
قال: فأبرهة أحدُ ملوكهم الذين توغلوا في الأرض؛ وإنما ذكرتُ منْ ذكرت من ملوك اليمن في هذا الموضع لما ذكرت من قول من زعم أن الرائش كان ملكًا باليمن أيام منوشهر، وأن ملوك اليمن كانوا عمالًا لملوك فارس بها، ومن قبَلهم كانت ولايتهم بها.
ذكر نسب موسى بن عمران وأخباره وما كان في عهده وعهد منوشهر بن منشخورنر الملك من الأحداث

قد ذكرنا أولاد يعقوب إسرائيل الله وعددهم وموالدهم. فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، قال: ثم أن لاوى بن يعقوب نكح نابتة ابنة ماري بن يشخر، فولدت له عَرشون بن لاوى ومرزي بن لاوى - ومردي بن لاوى - وقاهث ابن لاوى. فنكح قاهث بن لاوى فاهى ابنة مسين بن بتويل بن إلياس. فولدت له يصهر بن قاهث، فتزوج يصهر شميث ابنة بتاديت بن بركيا ابن يقسان بن إبراهيم. فولدت له عمران بن يصهر، وقارون بن يصهر، فنكح عمران يحيب ابنة شمويل بن بركيا ين يقسان بن إبراهيم؟ فولدت له هارون بن عمران وموسى بن عمران.
وقال غير ابن إسحاق: كان عمرُ يعقوب بن إسحاق مائة وسبعًا وأربعين سنة، وولد لاوى له، وقد مضى من عمره تسع وثمانون سنة، وولد للاوى قاهث بعد أن مضى من عمر لاوى ست وأربعون سنة، ثم ولد لقاهث يصهر، ثم ولد ليصهر عمرم - وهو عمران - وكان عمر يصهر مائة وسبعًا وأربعين سنة، وولد له عمران بعد أن مضى من عمره ستون سنة، ثم ولد لعمران موسى، وكانت أمه يوخابد - وقيل: كان اسمها باختة - وامرأته صفورا ابنة يترون، وهو شعيب النبي . وولد موسى جرشون وإبيليعازر، وخرج إلى مدين خائفًا وله إحدى وأربعون سنة، وكان يدعو إلى دين إبراهيم، وتراءى الله بطور سيناء، وله ثمانون سنة.
وكان فرعون مصر في أيامه قابوس بن مصعب بن معاوية صاحب يوسف الثاني، وكانت امرأته آسية ابنة مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد، فرعون يوسف الأول. فلما نودي موسى أعلم أن قابوس بن مصعب قد مات، وقام أخوه الوليد بن مصعب مكانه، وكان أعتى من قابوس وأكفر وأفجر، وأمِر بأن يأتيَه هو وأخوه هارون بالرسالة.
قال: ويقال إن الوليد تزوج آسية ابنة مزاحم بعد أخيه وكان عمر عمران مائة سنة وسبعًا وثلاثين سنة، وولد موسى وقد مضى من عمر عمران سبعون سنة، ثم صار موسى إلى فرعون رسولًا مع هارون، وكان من مولد موسى إلى أن خرج ببني إسرائيل عن مصر ثمانون سنة، ثم صار إلى التيه بعد أن عبّر البحر، فكان مقامهم هنالك إلى أن خرجوا مع يوشع بن نون أربعين سنة، فكان ما بين مولد موسى إلى وفاته في التيه مائة وعشرين سنة.
وأما ابن إسحاق فإنه قال فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قبض الله يوسفَ، وهلَك الملك الذي كان معه الريان بن الوليد، وتوارثت الفراعنة من العماليق ملْك مصر، فنشر الله بها بني إسرائيل، وقبر يوسف حين قبض - كما ذكر لي - في صندوق من مرمر في ناحية من النيل في جوف الماء، فلم يزل بنو إسرائيل تحت أيدي الفراعنة وهم على بقايا من دينهم مما كان يوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم شرعوا فيهم من الإسلام، متمسّكين؛ به حتى كان فرعون موسى الذي بعثه الله إليه، ولم يكن منهم فرعون أعتى منه على الله ولا أعظم قولًا ولا أطول عمرًا في ملكه منه. وكان اسمه - فيما ذكروا لي - الوليد بن مصعب، ولم يكن من الفراعنة فرعون أشدّ غلظة، ولا أقسى قلبًا، ولا أسوأ ملكة لبني إسرائيل منه، يعذّبهم فيجعلهم خدَمًا وخولًا، وصنّفهم في أعماله، فصنف يبنون، وصنف يحرِثون، وصنف يزرعون له، فهم في أعماله، ومَنْ لم يكن منهم في صنعة له من عمله فعليه الجزية، فسامهم كما قال الله: " سوءَ العذابِ "، وفيهم مع ذلك بقايا من أمر دينهم لا يريدون فراقَه، وقد استنكح منهم امرأة يقال لها آسية ابنة مزاحم، من خيار النساء المعدودات، فعمِّر فيهم وهم تحت يديه عمرًا طويلًا يسومهم سوء العذاب، فلما أراد الله أن يفرج عنهم وبلغ موسى الأشُدّ أعطى الرسالة.
قال: وذكر لي أنه لما تقارب زمان موسى أتى منجّمو فرعون وحُزاته إليه، فقالوا: تعلّم أنا نجد في علمنا أو مولودًا من بني إسرائيل قد أظلّك زمانه الذي يُولد فيه، يسلبك ملكك، ويغلبك على سلطانك، ويخرجك من أرضك، ويبدّل دينك. فلما قالوا له ذلك أمر بقتل كلّ مولود يولد من بني إسرائيل من الغِلمان وأمر بالنساء يُستحْيًين، فجمع القوابل من نساء أهل مملكته فقال لهن: لا يسقطنَّ على أيديكنّ غلام من بني إسرائيل إلا قتلتموه، فكنّ يفعلن ذلك، وكان يذبح مَنْ فوق ذلك من الغلمان، ويأمر بالحبالى فيعذَّبن حتى يطرحن ما في بطونهنّ.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نَجيح، عن مجاهد، قال: لقد ذُكر لي أنه كان يأمر بالقصب فيُشقّ حتى يجعل أمثال الشفار، ثم يصفّ بعضه إلى بعض، ثم يأتي بالحبالى من بني إسرائيل فيوقفهن عليه فيحزّ أقدامهنّ، حتى إن المرأة منهن لتمصع بولدها فيقع بين رجليها، فتظلَّ تطؤُه تَتَّقِي به حزّ القصب عن رجليها، لما بلغ من جهدها، حتى أسرف في ذلك، وكاد يُفنيهم، فقيل له: أفنيتَ الناس، وقطعت النَّسل، وإنهم خَولك وعُمَّالك. فأمر أن يقتَل الغلمان عامًا ويستحيوا عامًا، فولد هارون في السنة التي يَستَحيا فيها الغلمان، وولد موسى في السنة التي فيها يُقتلون، فكان هارون أكبرَ منه سنة.
وأما السدي فإنه قال ما حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب رسول الله أنه كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه أن نارًا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر، فأحرقت القِبْط وتركت بني إسرائيل، وأخربت بيوت مصر، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة، فسألهم عن رؤياه فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه - يعنون بيت المقدس - رجل يكون على وجهه هلاكُ مصر. فأمر ببني إسرائيل ألّا يولد لهم غلام إلا ذبحوه، ولا يولد لهم جارية إلا تركت. وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجًا فأدخلوهم واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة. فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم وأدخلوا غلمانهم، فذلك حين يقول الله: " إنّ فرعون علا في الأرضِ " يقول " تجبَّر في الأرض، " وجعل أهلها شيعًا " - يعني بني إسرائيل حين جعلهم في الأعمال القذرة - " يَسْتضعفُ طائفةً منهمْ يُذَبِّحُ أبناءَهُم "، فجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح، فلا يكبر الصغير، وقذف الله في مشيخة بني إسرائيل الموتَ، فأسرع فيهم، فدخل رؤوس القبط على فرْعون فكلّموه، فقالوا: إن هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت، فيوشِك أن يقع العمل على غلماننا نذبح أبناءهم فلا يبلغ الصغار، ويفنى الكبار، فلو أنك تبقي من أولادهم! فأمر أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة؛ فلما كان في السنة التي لا يذبحون فيها ولد هارون فترك، فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت أم موسى بموسى فلما أرادت وضعَه حزنت من شأنه، فأوحى الله إليها: " أن أرضعيه فإذا خِفْتِ عليه فألقيه في اليمِّ " وهو النيل، " ولا تخافِيْ ولا تحزَني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه مِنَ المُرْسلين ". فلما وضعته أرضعته، ثم دعت له نجارًا فجعل له تابوتًا وجعل مفتاح التابوت من داخل، وجعلته فيه وألقته في اليم، " وقالتْ لأختِهِ قُصِّيهِ " تعني قُصِّي أثره " فبصُرَت به عن جُنُب وهمْ لا يشْعُرونَ "، أنها أخته. فأقبل الموج بالتابوت يرفعه مرة، ويخفضه أخرى، حتى أدخله بين أشجار عند بيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن، فوجدن التابوت فأدخلته إلى آسية، وظنن أن فيه مالًا، فلما نظرت إليه آسية وقعت عليه رحمتُها وأحبته. فلما أخبَرت به فرعون أراد أن يذبحه، فلم تزل آسية تكلِّمه حتى تركه لها، قال: إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا، فذلك قول الله تعالى: " فالتقطَه آلُ فِرعونَ ليكونَ لهُمْ عدوًّا وحَزَنًا ". فأرادوا له المرضعات، فلم يأخذْ من أحد من النساء، وجعل النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع، فأبى أن يأخذ، فذلك قول الله: " وحرَّمْنا عليهِ المراضِعَ مِنْ قبْلُ فقالتْ " أخته " هل أدلُّكُم على أهل بيتٍ يَكْفَلُونَهُ لكُم وهُمْ لهُ ناصِحون "، فأخذوها، وقالوا: إنكِ قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله. فقالت: ما أعرفه، ولكني إنما قلت: هم للملك ناصحون.
ولما جاءت أمه أخذ منها ثديها فكادت أن تقول: هو ابني! فعصمها الله، فذلك قول الله: " إن كادتْ لَتُبْدي بهِ لولا أن ربطْنا على قلبِها لِتكونَ مِنَ المؤمنين "، وإنما سُمِّي موسى لأنهم وجدوه في ماء وشجر، والماء بالقبطة " مو " والشجر " شا " فذلك قول الله عز وجل: " فرددناه إلى أمّه كي تقرَّ عينُها ولا تخزّن ". فاتخذه فرعون ولدًا فدعيَ ابن فرعون. فلما تحرك الغلام أرته أمه آسية صبيًّا، فبينما هي ترقّصه وتلعب به إذ ناولته فرعون، وقالت: خذه قرة عين لي ولك، قال فرعون: هو قرة عين لك ولا لي. قال عبد الله بن عباس: لو أنه قال وهو لي قرة عين إذًا لآمن به؛ ولكنه أبى، فلما أخذه إليه أخذ موسى بلحيته فنتفها، فقال فرعون: علي بالذباحين، هذا هو! قالت آسية: " لا تقتلوه عسى أنْ ينفَعَنا أوْ نتَّخِذه ولدًا "، إنما هو صبي لا يعقل؛ وإنما صنع هذا من صباه، وقد علمت أنه لي سفي أهل مصر امرأة أحلى مني؛ أنا أضع له حليًا من الياقوت، وأضع له جمرًا، فإن أخذ الياقوت فهو يعقل فاذبحه، وإن أخذ الجمر فإنما هو صبي، فأخرجت له ياقوتها فوضعت له طستًا من جمر، فجاء جبرئيل فطرح في يده جمرة فطرحها موسى في فيه فأحرق لسانه، فهو الذي يقول الله عز وجل: " واحلًلْ عُقْدَةً من لساني، يفقهوا قَوْلِي ". فزالت عن موسى من أجل ذلك. وكبر موسى فكان يركب مراكب فرعون، ويلبس مثل ما يلبس، وكان إنما يدعى موسى بن فرعون. ثم إن فرعون ركب مركبًا وليس عنده موسى، فلما جاء موسى قيل له: إن فرعون قد ركب، فركب في أثره فأدركه المقيل بأرض يقال لها مَنْف، فدخلها نصف النهار، وقد تغلقت أسواقها، وليس في طرقها أحد، وهو قول الله عز وجل: " ودخلَ المَديْنةَ على حِيْنِ غَفْلةٍ مِنْ أهلها فوجدَ فيها رجُلينِ يقتتلان هذا من شيعته " يقول: هذا من بني إسرائيل، " وهذا منْ عدوّه " يقول: من القبط " فاستغاثه الذي من شيعتِه على الذي من عدوِّه فوكزَهُ موسى فقضيَ عليهِ قال هذا من عملِ الشيطانِ إنّه عدوٌ مضِلٌ مُبينٌ، قال ربِّ إنّي ظَلمْتُ نفسِي فاغفرْ لي فغَفَرَ له إنه هوَ الغفور الرحيمُ، قال ربِّ بما أنعمت علي فلنْ أكونَ ظهيرًا للمُجْرمينَ، فأصبح في المدينة خائفًا يترقب " خائفًا أن يؤخذ، " فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه " يقول: يستغيثه " قال له موسى إنّك لغويٌ مبينٌ ". ثم أقبل موسى لينصره، فلما نظر إلى موسى قد أقبل نحوه ليبطش بالرجل الذي يقاتل الإسرائيلي، قال الإسرائيلي وفرِق من موسى أن يبطش به من أجل أنه أغلظ الكلام - يا موسى " أتريدُ أنْ تقتلَني كما قتلت نفْسًا بالأمسِ إنْ تريدُ إلا أن تكونَ جبّارًا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ". فتركه وذهب القبطي، فأفشى عليه أن موسى هو الذي قتل الرجل، فطلبه فرعون وقال: خذوه فإنه صاحبنا، وقال للذين يطلبونه: اطلبوه في بُنيّات الطريق، فإن موسى غلام لا يهتدي إلى الطريق، وأخذ موسى في بنيّات الطريق وجاءه الرجل وأخبره " إنّ الملأَ يأتمرون بك ليقتلوكَ فاخْرج إنّي لك من الناصحين، فخرجَ منها خائفًا يترقب قال ربّ نجّني من القوم الظالمين ". فلما أخذ موسى في بنيات الطريق جاءه ملك على فرس بيده عنزةٌ، فلما رآه موسى سجد له من الفرق؛ فقال: لا تسجد لي، ولكن اتبعني، فاتبعه فهداه نحو مدين، وقال موسى وهو متوجه نحو مدين " عسى ربي أنْ يهديَني سواءَ السبيل "، فانطلق به الملك حتى انتهى به إلى مدين حدثني العباس بن الوليد، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا أصبع بن زيد الجُهني، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثني سعيد ابن جبير، قال: سألت عبد الله بن عباس عن قول الله لموسى: " وفتنّاك فُتُونًا "، فسألته عن الفتون ما هي؟ فقال لي: استأنف النهار يا بن جبير، فإن لها حديثًا طويلًا، قال: فلما أصبحت عذوت على ابن عباس لأنتجز منه فأوعدني. قال: فقال ابن عباس: تذاكر فرعون وجلساؤه ما وعد الله إبراهيم من أن يجعلَ في ذريته أنبياء وملوكأً،