حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: فأوحى الله تبارك وتعالى - فيما ذكر لي - إلى البحر: إذا ضربك موسى بعصاه فانْفلق له، فبات البحر يضربُ بعضه بعضًا فرَقًا من الله وانتظارًا لأمره، فأوحى الله عز وجل إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر، فضربه بها وفيها سلطان الله الذي أعطاه، " فانفلق فكان كلُّ فِرقِ كالطُّودِ العظيم "، أي كالجبل على نَشَز من الأرض. يقول الله لموسى عليه السلام: " فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا لا تخافُ دّرَكًا ولا تخشى ". فلما استقرّ له البحر على طريق قائمة يبسَ سلك فيه موسى ببني إسرائيل، واتبعه فرعون بجنوده.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن شداد بن الهاد الليْثي، قال: حُدّثت أنه لما دخلتْ بنو إسرائيل فلم يبق منهم أحدٌ أقبل فرعون وهو على حصان له من الخيل، حتى وقف على شفير البحر وهو قائم على حاله، فهاب الحصان أن يتقدم، فغرض له جبرئيل على فرس أنثى وديق، فقرّبها منه فشمّها الفحل، ولما شمّها قدمها، فتقدم معه الحصان عليه فرعون، فلما رأى جند فرعون أن فرعون قد دخل دخلوا معه، وجبرئيل أمامه، فهم يتبعون فرعون، وميكائيل على فرس خلف القوم يشحذهم يقول: الحقوا بصاحبكم، حتى إذا فصل جبرئيل من البحر ليس أمامه أحدٌ، ووقف ميكائيل على الناحية الأخرى ليس خلفه أحد، طبّق عليهم البحر، ونادى فرعون حين رأى من سلطان الله وقدرته ما رأى، وعرف ذلّه وخذلته نفسه، نادى: أن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو داود البصري، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: جاء جبرئيل إلى النبي عليه السلام فقال: يا محمد، لقد رأيتني وأنا أدسّ من حمأِ البحر في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة! يقول الله: " آلآن وقد عصيْت قبلُ وكنتَ من المفسِدين، فاليوم ننجّيك ببدنِك "، أي سواءٌ لم يذهب منك شيء، " لتكون لمن خلْفَكَ آيةً " أي عبرة وبينة. فكان يقال: لو لم يخرجه الله ببدنه حتى عرفوه لشطَّ فيه بعضُ الناس.
ولما جاوز ببني إسرائيل البحر أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، " قالوا يا موسى اجعلْ لنا إلهًا كما لهم آلهة قال إنّكم قومٌ تجْهَلون، إن هؤلاء متبَّرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون، قال أغيرَ الله أبغيكم إلهًا وهو فضّلكم على العالمين ". ووعد الله موسى حين أهلك فرعون وقومَه ونجاه وقومَه ثلاثين ليلة.
رجع الحديث إلى حديث السدي. ثم إن جبرئيل أتى موسى يذهب به إلى الله عز وجل فأقبل على فرس فرآه السامري فأنكره، ويقال: إنه فرس الحياة، فقال حين رآه: إن لهذا لشأنًا، فأخذ من تربة الحافِر الفرس، فانطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل، وواعدهم ثلاثين ليلة، وأتمها الله بعشر، فقال لهم هارون: يا بني إسرائيل، إنّ الغنيمة لا تحلّ لكم، وإن القِبْط إنما هو غنيمة، فاجمعوها جميعًا فاحفروا لها حفرة فادفنوها فيها، فإن جاء موسى فأحلّها أخذتموها، وإلا كان شيئًا لم تأكلوه، فجمعوا ذلك الحلي في تلك الحفرة، وجاء السامري بتلك القبضة فقذفها، فأخرج الله من الحلي عجلًا له خُوار، وعدّت بنو إسرائيل موعدَ موسى، فعدوا الليلة يومًا واليوم يومًا، فلما كان العشر خرج لهم العجلُ فلما رأوه قال لهم السامري: هذا إلهُكُم وإلهُ موسى فنسِيَ ". يقول: ترك موسى إلهه ها هنا، وذهب يطلبه فعكفوا عليه يعبدونه، وكان يخور ويمشي، فقال لهم هارون: " يا بنِي إسرائيل إنّما فُتنتم به " يقول: إنما ابتليتم به، يقول: بالعجل، " وإنّ ربَّكم الرحمنُ فاتّبعوني وأطيعوا أمري "، فأقام هارون ومن معَه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم، وانطلق موسى إلى إلهه يكلمه، فلما كلّمه قال له: " وما أعجلَك عنْ قومِكَ يا موسى، قال هم أولاء على أثري وعجِلْتُ إليك ربّ لترضى، قال فإنا فد فتنّا قومك من بعدك وأضلّهم السامري ". فلما أخبره خبرهم قال موسى: يا رب هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل، أرأيت الروحَ منْ نفخها فيه؟ قال الربّ: أنا. قال: رب أنت إذًا أضللتهم.
ثم أن موسى لما كلمه ربّه أحبّ أن ينظر إليه، " قال ربِّ أرِنِي أنظُر إليكَ قال لن تراني ولكن انظُر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني "، فحَفّ حول الجبل الملائكة، وحُفّ حول الملائكة بنار، وحُفّ حول النار بملائكة، وحول الملائكة بنار، ثم يتجلّى ربه للجبل.
فحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، قال: حدثني السدي، عن عكْرمة، عن ابن عباس، أنه قال: تجلّى منه مثل طَرف الخنِصر، فجعل الجبلَ دكًّا وخرّ موسى صعقًا، فلم يزل صَعِقًا ما شاء الله، ثم أنه أفاق فقال: " سبحانك تُبت إليكَ وأنا أوّل المؤمنين "، يعني أول المؤمنين من بني إسرائيل، فقال: " يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن مِنَ الشاكرين، وكتبْنا له في الألواح من كُلِّ شيءٍ موْعِظَةً وتفصيلًا لكل شيء " من الحلال والحرام " فخذها بقوةٍ "، يعني بجدّ واجتهاد " وأْمُرْ قومك يأخذوا بأحسنِها " أي بأحسن ما يجدون فيها. فكان موسى بعد ذلك لا يستطيع أحدَ أن ينظر في وجهه، وكان يُلْبِس وجهه بحريرة، فأخذ الألواح ثم رجع إلى مومه " غضبانَ أَسِفًا " يقول: حزينًا " قال يا قومِ ألم يعدْكم ربُّكم وعدًا حسنًا " - إلى - " قالوا ما أخلفْنا موعدَك بملكِنا " يقولون: بطاقتنا، " ولكنّا حُمّلنا أوزارًا من زينةِ القوم " يقول: من حُلي القبط " فقذفناها فكذلك ألقَى السامريُّ "، ذلك حين قال لهم هارون: احفِروا لهذا الحلْي حُفرة، واطْرحوه فيها، فطرحوه فقذف السامري تربته، فألقى موسى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، " قال يا بن أمَّ لا تأخذْ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقولَ فرّقتَ بين بني إسرائيل ولم ترقُب قولي ". فترك موسى هارون، ومال إلى السامري، فقال: " فما خطْبُكَ يا سامريُّ "، قال السامري: " بصُرتُ بما لم يبْصِروا به " إلى: " في اليمِّ نسْفًا ". ثم أخذه فذبحه، ثم حرفَهُ بالمبرد ثم ذراه في البحر، فلم يبق بحر يجري إلا وقع فيه شيء منه، ثم قال لهم موسى: اشربوا منه فشربوا، فمن كان يحبه خرج على شاربه الذهب، فلذلك حين يقول: " وأُشرِبوا في قلوبِهِم العِجْلَ بكُفرهم ". قلما سُقِط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى " ورأوا أنهُم قد ضلّوا قالوا لئن لم يرحمْنا ربُّنا ويفغِرْ لنا لنكوننّ من الخاسرين ". فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل إلا بالحال التي كرهوا أن يقاتلوهُمْ حين عبدوا العجل، فقال لهم موسى: " يا قومِ إنكم ظَلمْتم أنفُسَكم باتِّخاذِكُمُ العجلَ فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفُسُكُم "، فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف، فكان من قُتِل من الفريقين شهيدًا، حتى كثر القتل حتى كادوا أن يهلكوا، حتى قتل بينهم سبعون ألفًا، حتى دعا موسى وهارون: رَبّنا هلكتْ بنو إسرائيل! ربّنا البقية البقية! فأمرهم أن يضعوا السلاح، وتاب عليهم، فكان من قُتِل كان شهيدًا، ومن بقيَ كان مُكفَّرًا عنه، فذلك قوله: " فتاب عليكم إنه هو التوّاب الرحيم ".
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان السامري رجلًا من أهل باجَرْما، وكان من قوم يعبدون البقر، فكان حبُّ عبادة البقر في نفسه، وكان قد اظهر الإسلام في بني إسرائيل، فلما فصل هارون في بني إسرائيل، وفصل موسى معهم إلى ربه تبارك وتعالى قال لهم هارون: إنكم قد تحمّلتم أوزانًا من زينة القوم آل فرعون، وأمتعة وحليًّا، فتطهّروا منها فإنها نجس، وأوقد لهم نارًا، وقال: اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها، قالوا: نعم، فجعلوا يأتون بما كان فيهم من تلك الحلي وتلك الأمتعة فيقذفون به فيها، حتى انكسرت الحلي فيها، رأى السامري أثر فرس جَيْرَئيل، فأخذ ترابًا من أثر حافره، ثم أقبل إلى الحفرة فقال لهارون: يا نبي الله، ألقى ما في يدك؟ قال: نعم، ولا يظن هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من تلك المتعة والحلي، فقذفه فيها، وقال: كن عجلًا جسدًا له خوار، فكان للبلاء والفتنة، فقال: هذا إلهُكم وإله موسى، فعكفوا عليه وأحبوه حبًا لم يحبوا مثله شيئًا قطّ، فقال الله عز وجل " " فنسي "، أي ترك ما كان عليه من الإسلام؛ - يعني السامري - " أفلا يرون ألَّا يرجِعُ إليهم قولًا ولا يملك لهم ضَرًا ولا نفعًا ".
قال: وكان اسم السامري موسى بن ظفر، فوقع في أرض مصر، فدخل في بني إسرائيل، فلما رأى هارون ما وقعوا فيه قال: " يا قومِ إنّما فُتنْتم به " - إلى قوله - " حتى يرجِع إلينا موسى ". فأقام هارون فيمن معه من المسلمين ممن لم يفتتن، وأقام مَنْ يعبد العجل على عبادة العجل، وتخوّف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى: " فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقُبْ قولي "، وكان هائبًا له مطيعًا، ومضى موسى ببني إسرائيل إلى الطور، وكان الله عز وجل وعد بني إسرائيل حين أنجاهم واهلك عدوّهم جانب الطور الأيمن، وكان موسى حين سار ببني إسرائيل من البحر قد احتاجوا إلى الماء، فاستسقى موسى لقومه، فأمِر أن يضرب بعصاه الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، لكل سِبْط عين يشربون منها قد عرفوها، فلما كلم الله موسى طمع في رؤيته، فسأل ربه أن ينظر إليه، فقال له: إنك " لن تَراني ولكنِ انظر إلى الجبل " إلى قوله: " وأنا أوّل المؤمنين ".
ثم قال الله لموسى: " إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتُكَ " إلى قوله: " سأُريكم دارَ الفاسقين ". وقال له: " وما أعجلك عن قومك يا موسى " إلى قوله: " فرجَع موسى إلى قومه غضبانَ أسِفًا "، ومعه عهد الله في ألواحه.
ولما انتهى موسى إلى قومه فرأى ما هم فيه من عبادة العجل ألقى الألواح من يده، وكانت - فيما يذكرون - من زبرجد أخضر، ثم أخذ برأس أخيه ولحيته ويقول: " ما منعك إذ رأيْتهم ضلّوا، ألّا تتبعني " إلى قوله: " ولم ترقُب قولي ". فقال: " يا بن أُمَّ إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تُشْمِتْ بيَ الأعداءَ ولا تجعلْني مع القوم الظالمين "، فارعوي موسى وقال: " رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين ".
وأقبل على قومه فقال: " يا قومِ ألم يعِدْكم ربُّكم وعدًا حسنًا " إلى قوله: " عجْلًا جَسَدًا له خُوارٌ ". وأقبل على السامري فقال: " فما خطبُكَ يا سامري، قال بصُرتُ بما لم يَبصُرُوا به " إلى قومه: " وسِع كُلَّ شيْء عِلمًا ". ثم أخذ الألواح، يقول الله: " أخذ الألواح. وفي نُسختها هدىً ورحمةٌ للذين همْ لربهم يرهبون ".
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن صدقة ابن يسار، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: كان الله تعالى قد كتب لموسى فيها موعظة وتفصيلًا لكلّ شيء وهدى ورحمة، فلما ألقاها رفع الله ستة أسباعها وأبقى سبعًا، يقول الله عز وجل: " وفي نُسختها هدىً ورحمةٌ للذين هم لربهم يَرْهَبون "، ثم أمر موسى بالعجل فأحرِق، حتى رجع رمادًا، ثم أمر به فقذف في البحر.
قال ابن إسحاق: فسمعت بعض أهل العلم يقول: إنما كان أحرقه ثم سحله ثم ذرّاه في البحر. والله أعلم.
ثم اختار موسى منهم سبعين رجلًا: الخيّر فالخيِّر، وقال: انطلقوا إلى فتوبوا إليه مما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهِّروا وطهروا ثيابكم، فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم، فقال له السبعون - فيما ذكر لي - حين صنعوا ما أمرهم به، وخرجوا معه للقاء ربه: اطلب لنا نسمع كلام ربنا، فقال: أفعل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشّى كلّه، ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا، وكان موسى إذا كلّمه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه، فضُرب دونه بالحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودًا، فسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل، فلما فرغ إليه من أمره انكشف عن موسى الغمام، فأقبل إليهم فقالوا لموسى: " لن نؤْمنَ لك حتى نرى الله جَهْرةً "، " فأخذتْهمُ الرَّجْفَةُ "، وهي الصاعقة، فانفلتت أرواحهم فماتوا جميعًا، وقام موسى يناشد ربه ويدعوه، ويرغب إليه ويقول: " ربِّ لو شئت أهلكْتهم من قبلُ وإياي " قد سفهوا، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما فعل السفهاء منا! إن هذا هلاك لهم. اخترت منهم سبعين رجلًا الخيّر فالخير، أرجع إليهم وليس معي رجل واحد، فما الذي يصدقونني به! فلم يزل موسى يناشد ربَّه، ويسأله ويطلب إليه حتى رد إليهم أرواحهم، وطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل، فقال: لا، إلا أن يقتلوا أنفسهم. وقال: فبلغني أنهم قالوا لموسى: نصبر لأمر الله، فأمر موسى مَنْ لم يكن عبد العجل أن يقتل مَنْ عبده، فجلسوا بالأفنية، وأصلتَ عليهم القوم السيوف، فجعلوا يقتلونهم، وبكى موسى وبهش إليه الصبيان والنساء يطلبون العفو عنهم، فتاب عليهم وعفا عنهم، وأمر موسى أن يرفع عنهم السيف.
وأما السدي فإنه ذكر في خبره الذي ذكرت إسناده قبلُ أن مصير موسى إلى ربه بالسبعين الذين اختارهم من قومه بعد ما تاب الله على عبدة العجل من قومه، وذلك انه ذكر بعد القصة التي قد ذكرتها عنه بعد قوله: " إنه هو التوّاب الرحيم ". قال: ثم إن الله أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعدًا، فاختار موسى قومه سبعين رجلًا على عينه، ثم ذهب بهم ليعتذروا، فلم أتوا ذلك المكان قالوا: " لأن نؤمن لك حتى نرى الله جَهْرة "، فإنك قد كلّمته فأرِناه، فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو الله يقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم وقد أهلكتَ خيارَهم! رب لو شئت أهلكتَهم من قبل إياي، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا! فأوحى الله عز وجل إلى موسى: إن هؤلاء السبعين ممّن اتّخذ العجل، فذلك حين يقول موسى: " إن هِيَ إلّا فِتنتُك تُضِلُّ بها من تشاء وتهذي من تشاء " إلى قوله: " إنا هُدْنا إليك "، يقول تبنا إليك، وذلك قوله تعالى: " وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن حتى نرى الله جَهرة فأخذتكُمُ الصاعقة "، والصاعقة نار. ثم إن الله أحياهم، فقاموا وعاشوا رجلًا رجلًا، ينظر بعضُهم إلى بعض: كيف يحيَوْن؟ فقالوا: يا موسى، أنتَ تدعو الله فلا تسأله شيئًا إلا أعطاك، فادعُه يجعلنا أنبياء، فدعا الله فجعلهم أنبياء، فذلك قوله: " ثم بعثناكم من بعد موتِكم "، ولكنّه قدّم حرفًا وأخّر حرفًا.