ذكر خبر لهراسب وابنه بشتاسب وغزو بختنصر بني إسرائيل وتخريبه بيت المقدس

ثم ملك بعد كيخسرو من الفرس لهراسب بن كيوجي بن كيمنوش بن كيفاشين، باختيار كيخسرو إياه، فلما عقد التاج على رأسه قال: نحن مؤثرون البر على غيره. واتخذ سريرًا من ذهب مكللًا بأنواع الجواهر للجلوس عليه، وأمر فبنيت له بأرض خرسان مدينة بلخ، وسماها الحسناء، ودون الدواوين، وقوى ملكه بانتخابه لنفسه الجنود، وعمر الأرض واجتبى الخراج لأرزاق الجنود، ووجه بختنصر، وكان اسمه بالفارسية - فيما قيل - بخترشه.
فحدثت عن هشام بن محمد قال: ملك لهراسب - وهو ابن أخي قبوس - فبنى مدينة بلخ، فاشتدت شوكة الترك في زمانه، وكان منزله ببلخ يقاتل الترك. قال: وكان بختنصر في زمانه، وكان أصبهبذ ما بين الأهواز إلى أرض الروم في غربي دجلة، فشخص حتى أتى دمشق فصالحه أهلها ووجه قائدًا له فأتى بيت المقدس فصالح ملك بني إسرائيل، وهو رجل من ولد داود، وأخذ منه رهائن وانصرف. فلما بلغ طبرية وثبت بنو إسرائيل على ملكهم فقتلوه، وقالوا: راهنت أهل بابل وخذلتنا! واستعدوا للقتال، فكتب قائد بختنصر إليه بما كان، فكتب إليه يأمره أن يقيم بموضعه حتى يوافيه، وأن يضرب أعناق الرهائن الذين معه، فسار بختنصر حتى أتى بيت المقدس، فأخذ المدينة عنوة، فقتل المقاتلة، وسبى الذرية.
قال: وبلغنا أنه وجد في سجن بني إسرائيل إرميا النبي، وكان الله تعالى بعثه نبيًا - فيما بلغنا - إلى بني إسرائيل. يحذرهم ما حلّ بهم من بختنصر، ويعلهم أن الله مسلط عليهم من يقتل مقاتلتهم، ويسبى ذراريهم، إن لم يتوبوا وينزعوا عن سيء أعمالهم. فقال له بختنصر: ما خطبك؟ فأخبره أن الله بعثه إلى قومه ليحذرهم الذي حل بهم، فكذبوه حبسوه. فقال بختنصر: بئس القوم قوم عصوا رسول ربهم! وخلى سبيله، وأحسن إليه. فاجتمع إليه من بقي من ضعفاء بني إسرائيل، فقالوا: إنا قد أسأنا وظلمنا، ونحن نتوب إلى الله مما صنعنا، فادع الله أن يقبل توبتنا. فدعا ربه فأوحى إليه أنهم غيرُ فاعلين، فإن كانوا صادقين فليقيموا معك بهذه البلدة، فأخبرهم بما أمرهم الله به، فقالوا: كيف نقيم ببلدة قد خربت وغضب الله على أهلها! فأبوا أن يقيموا، فكتب بختنصر إلى ملك مصر: إن عبيدًا لي هربوا مني إليك، فسرحهم إلي، وإلا عزوتك وأوطأت بلادك الخيل. فكتب إليه ملك مصر: ماهم بعبيدك، ولكنهم الأحرار أبناء الأحرار، فغزاه بختنصر فقتله، وسبى أهل مصر، ثم سار في أرض المغرب، حتى بلغ أقصى تلك الناحية، ثم انطلق بسبي كثير من أهل فلسطين والأردن، فيهم دانيال وغيره من الأنبياء.
قال: وفي ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل، ونزل بعضهم أرض الحجاز بيثرب ووادي القرى، وغيرها.
قال: ثم أوحى الله إلى إرميا - فيما بلغنا: إنى عامر بيت المقدس فاخرج إليها، فأنزلها. فخرج إليها حتى قدمها وهي خراب، فقال في نفسه: سبحان الله! أمرني الله أن أنزل هذه البلدة، وأخبرني أنه عامرها، فمتى يعمر هذه، ومتى يحييها الله بعد موتها! ثم وضع رأسه فنام ومعه حماره وسلة فيها طعام، فمكث في نومه سبعين سنة، حتى هلك بختنصر والملك الذي فوقه، وهو لهراسب الملك الأعظم وكان ملك لهراسب مائة وعشرين سنة. وملك بعده بشتاسب ابنه، فبلغه، عن بلاد الشأم أنها خراب، وأن السباع قد كثرت في أرض فلسطين، فلم يبق بها من الإنس أحد، فنادى في أرض بابل في بني إسرائيل: إن من شاء أن يرجع إلى الشام فليرجع. وملك عليهم رجلًا من آل داود، وأمره أن يعمر بيت المقدس ويبني مسجدها، فرجعوا فعمروها، وفتح الله لإرميا عينيه، فنظر إلى المدينة كيف تعمر وتبنى، ومكث في نومه ذلك، حتى تمت له مائة سنة، ثم بعثه الله وهو لا يظن أنه نام أكثر من ساعة وقد عهد المدينة خرابًا يبابًا، فلما نظر إليها قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.
قال: وأقام بنو إسرائيل ببيت المقدس ورد إليهم أمرهم، وكثروا بها حتى غلبت عليهم الروم في زمان ملوك الطوائف، فلم يكن لهم بعد ذلك جماعة.
قال هشام: وفي زمان بشتاسب ظهر زرادشت، الذي تزعم المجوس أنه نبيهم، وكان زرادشت - فيما زعم قوم من علماء أهل الكتاب - من أهل فلسطين، خادمًا لعبض تلامذة إرميا النبي خاصًا به، أثيرًا عنده، فخانه فكذب عليه، فدعا الله عليه، فبرص فلحق ببلاد أذربيجان، فشرع بها دين المجوسية، ثم خرج منها متوجهًا نحو بشتاسب، وهو ببلخ، فلما قدم عليه وشرح له دينه أعجبه فقسر الناس على الدخول فيه، وقتل في ذلك من رعيته مقتلة عظيمة، ودانوا به، فكان ملك بشتاسب مائة سنة واثنتى عشرة سنة.
وأما غيره من أهل الأخبار والعلم بأمور الأوائل فإنه ذكر أن كي لهراسب كان محمودًا في أهل مملكته، شديد القمع للملوك المحيطة بإيران شهر، شديد التفقد لأصحابه، بعيد الهمة كثير الفكر في تشييد البنيان، وشق الأنهار وعمارة البلاد، فكانت ملوك الروم والمغرب والهند وغيرهم يحملون إليه في كل سنة وظيفة معروفة وإتاوتة معلومة، ويكاتبونه بالتعظيم ويقرون له أنه ملك الملوك هيبة له وحذرًا.
قال: ويقال: إن بختنصر حمل إليه من أوريشلم خزائن وأموالًا، فلما أحس بالضعف من قوته ملك ابنه بشتاسب، واعتزل الملك وفوضه إليه، وكان ملك لهراسب - فيما ذكر - مائة سنة وعشرين سنة.
وزعم أن بختنصر هذا الذي غزا بني إسرائيل اسمه " بخترشه "، وأنه رجل من العجم، من ولد جوذرز، وأنه عاش دهرًا طويلًا جاوزت مدته ثلثمائة سنة، وأنه كان في خدمة لهراسب الملك، أبي بشتاسب، وأن لهراسب وجهه إلى الشام وبيت المقدس ليجلي عنها اليهود. فسار إليها ثم انصرف، وأنه لم يزل من بعد لهراسب في خدمة ابنه بشتاسب، ثم في خدمة بهمن من بعده، وأن بهمن كان مقيمًا بمدينة بلخ - وهي التي كانت تسمى الحسناء - وأنه أمر بخترشه بالتوجه إلى بيت المقدس ليجلي اليهود عنها، وأنّ السبب في ذلك وثوبُ صاحب بيت المقدس على رسل كان بهمن وجههم إليه، وقتله بعضهم. فلما ورد الخبر على بهمن دعا بخرشه فملكه على بابل، وأمره بالمسير إليها، والنفوذ منها إلى الشام وبيت المقدس، والقصد إلى اليهود حتى يقتل مقاتلهم، ويسبى ذراريهم، وبسط يده فيمن يختار من الأشراف والقواد، فاختار من أهل بيت المملكة داريوش بن مهرى، من ولد ماذي بن يافث بن نوح، وكان ابن أخت يخترشه. واختار كبرش كيكوان من ولد غليم بن سام، وكان خازنًا على بيت مال بهمن، وأخشويرش بن كيرش بن جاماسب الملقب بالعالم، وبهرام بن كيرش بن بشتاسب. فضم بهمن إليه من أهله وخاصته هؤلاء الأربعة، وضم إليه من وجوه الأساورة ورؤسائهم ثلثمائة رجل، ومن الجند خمسين ألف رجل، وأذن له من أن يفرض ما احتاج إليه، وفي إثباتهم. ثم أقبل بهم حتى صار إلى بابل، فأقام بها للتجهز والاستعداد سنة، والتفت إليه جماعة عظيمة، وكان فيمن سار إليه رجل من ولد سنحاريب، الملك الذي كان غزا حزقيا بن أحاز الملك، الذي كان بالشام وببيت المقدس من ولد سليمان بن داود صاحب شعيا، يقال له بختنصر بن نبوزرادان بن سنحاريب، صاحب الموصل وناحيتها، بن داريوش بن عبيري بن تيرى بن روبا ابن رابيا بن سلامون بن داود بن طامي بن هامل بن هرمان بن فودي بن همول بن درمي بن قمائل بن صاما بن رغما بن نمروذ بن كوش بن حام بن نوح عليه السلام.
وكان مسيره إليه بسبب ما كان آتى خزقيًا وبنو إسرائيل إلى جده سنحاريب عند غزوه إياهم، وتوسل إليه بذلك فقدمه في جماعة كثيرة، ثم اتبعه، فلما توافت العساكر ببيت المقدس، نصر بخترشه على بني إسرائيل لما أراد الله بهم من العقوبة، فسباهم، وهدم البيت وانصرف إلى بابل، ومعه يوياحن بن يوياقيم ملك بني أسرائيل في ذلك الوقت، من ولد سليمان بعد أن ملك متنيا عم يوحينا، وسماه صدقيا.
فلما صار بختنصر ببابل خالفه صدقيا، فغزاه بختنصر ثانية فظفر به، وأخرب المدينة والهيكل، وأوثق صدقيا، وحمله إلى بابل بعد أن ذبح ولده، وسمل عينيه. فمكث بنو إسرائيل ببابل إلى أن رجعوا إلى بيت المقدس، فكان غلبة بختنصر - المسمى بخترشه - على بيت المقدس إلى أن مات - في قوله هذا الذي حكينا قوله - أربعين سنة.
ثم قام من بعده ابن يقال له أولمرودخ، فملك الناحية ثلاثًا وعشرين سنة، ثم هلك وملك مكانه ابن يقال له بلتشصر بن أولمرودخ سنة، فلما ملك بلتشصر خلط في أمره، فعزله بهمن وملك مكانه على بابل. وما يتصل بها من الشأم وغيرها داريوش الماذوي، المنسوب إلى ماذي بن يافث بن نوح عليه السلام حين صار إلى المشرق، فقتل بلتشصر، وملك بابل وناحية الشأم ثلاث سنين. ثم عزله بهمن وولى مكانه كيرش الغيلمي، من ولد غيلم بن سام ابن نوح، الذي كان نزع إلى جامر مع ماذي عندما مضى جامر إلى المشرق، فلما صار الأمر إلى كيرش كتب بهمن أن يرفق ببني إسرائيل، ويطلق لهم النزول حيث أحبوا، والرجوع إلى أرضهم، وأن يولى عليهم من يختارونه، فاختاروا دانيال النبي عليه السلام، فولى أمرهم، وكان ملك كيرش على بابل وما يتصل بها ثلاث سنين، فصارت هذه السنون - من وقت غلبة بختنصر إلى انقضاء أمره وأمر ولده وملك كيرش الغيلمي - معدودة من خراب بيت المقدس، منسوبة إلى بختنصر، ومبلغها سبعون سنة.
ثم ملك بابل وناحيتها من قبل بهمن رجل من قرابته، يقال له أخشوارش ابن كيرش بن جاماسب، الملقب بالعالم، من الأربعة الوجوه الذين اختارهم بخترشه عند توجهه إلى الشأم من قبل بهمن، وذلك أن أخشوارش انصرف إلى بهمن من عند بختنصر محمودًا، فولاه ذلك الوقت بابل وناحيتها، وكان السبب في ولايته - فيما زعم - أنّ رجلًا كان يتولى لبهمن ناحية السند والهند يقال له كراردشير بن دشكال خالفه، ومعه من الأتباع ستمائة ألف، فولى بهمن أخشويرش الناحية، وأمره بالمسير إلى كراردشير، ففعل ذلك وحاربه، فقتله وقتل أكثر أصحابه، فتابع له بهمن الزيادة في العمل، وجمع له طوائف من البلاد، فلزم السوس، وجمع الأشراف، وأطعم الناس اللحم، وسقاهم الخمر، وملك بابل إلى ناحية الهند والحبشة وما يلي البحر، وعقد لمائة وعشرين قائدًا في يوم واحد الألوية، وصير تحت يد كل قائد ألف رجل من أبطال الجند الذين يعدل الواحد منهم في الحرب بمائة رجل، وأوطن بابل، وأكثر المقام بالسوس، وتزوج من سبى بن إسرائيل امرأة يقال لها أشتر ابنة أبي جاويل، كان رباها ابن عم لها يقال له مردخي، وكان أخاها من الرضاعة، لأن أم مردخي أرضعت أشتر، وكان السبب في تزوجه إياها قتله امرأة كانت له جليلة جميلة خطيرة يقال لها وشتا فأمرها بالبزور ليراها الناس ليعرفوا جلالتها وجمالها، فامتنعت من ذلك قتلها، فلما قتلها جزع لقتلها جزعًا شديدًا، فأشير عليه باعتراض نساء العالم، ففعل ذلك، وحببت إليه أشتر صنعًا لبني إسرائيل، فتزعم النصارى أنها ولدت له عند مسيره إلى بابل ابنًا فسماه كيرش، وأن ملك أخشويرش كان أربع عشرة سنة، وقد علمه مردخ التوراة، ودخل في دين بني إسرائيل، وفهم عن دانيال النبي عليه السلام ومن كان معه حينئذ، مثل حتنيا وميشايل وعازريا، فسألوه بأن يأذن لهم في الخروج إلى بيت المقدس فأبى وقال: لو كان معني منكم ألف نبي ما فارقني منكم أحد ما دمت حيًا. وولى دانيال القضاء، وجعل إليه جميع أمره أن يخرج كل شيء في الخزائن مما كان بختنصر أخذه من بيت المقدس ويرده، وتقدم في بناء بيت المقدس، فبنى وعمر في أيام كيرش بن أخشويرش. وكان ملك كيرش، مما دخل في ملك بهمن وخماني اثنتين وعشرين سنة.
ومات بهمن لثلاثة عشرة سنة مضت من ملك كيرش، وكان موت كيرش لأربع سنين مضين من ملك خماني، فكان جميع ملك كيرش بن أخشويرش اثنتين وعشرين سنة.
فهذا ما ذكر أهل السير والأخبار في أمر بختنصر وما كان من أمره وأمر بني إسرائيل.
وأمّا السلف من أهل العلم فإنهم قالوا في أمرهم أقوالًا مختلفة، فمن ذلك ما حدثني القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج، قال: حدثني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جنبير، أنه سمعه يقول: كان رجل من بني إسرائيل يقرأ، حتى إذا بلغ: " بعثنا عليكم عبادًا لنا أولى بأس شديد " بكى، وفاضت عيناه، ثم أطبق المصحف، فقال: ذلك ما شاء الله من الزمان! ثم قال: أي رب، أرني هذا الرجل الذي جعلت هلاك بني إسرائيل على يديه. فأرى في المنام مسكينًا ببابل يقال له بختنصر، فانطلق بمال وأعبد له - وكان رجلًا موسرًا - فقيل له: أين تريد؟ فقال: أريد التجارة، حتى نزل دارًا ببابل فاستكراها، ليس فيها أحد غيرهُ، فجعل يدعو المساكين ويلطف بهم حتى لا يأتيه أحد إلا أعطاه، فقال هل بقي مسكين غيركم؟ فقالوا: نعم مسكين بفج آل فلان مريض، يقال له بختنصر، فقال لغلمته: انطلقوا بنا، فانطلق حتى أتاه فقال: ما اسمك؟ قال: بختنصر، فقال لغلمته: احتملوه فنقله إليه فمرضه حتى برئ، وكساه وأعطاه نفقة، ثم أذن الإسرائيلي بالرحيل، فبكى بختنصر، فقال الإسرائيلي: ما يبكيك؟ قال: أبكي أنك فعلت بي ما فعلت، ولا أجد شيئًا أجزيك! قال: بل شيئًا يسيرًا، إن ملكت أطعتني. فجعل الآخر يتبعه ويقول تستهزئ بي! ولا يمنعه أن يعطيه ما سأله إلا أنه يرى أنه يستهزئ به. فبكى الإسرائيلي وقال: لقد علمتُ ما يمنعك ان تعطيني ما سألتك، إلا أن الله عز وجل يريد أن ينفذ ما قضى وكتب في كتابه.
وضرب الدهر من ضربه، فقال صيحون، وهو ملك فارس ببابل: لو أنا بعثنا طليعة إلى الشأم! قالوا: وما ضرك لو فعلت! قال: فمن ترون؟ قالوا: فلان، فبعث رجلًا، وأعطاه مائة ألف، وخرج بختنصر في مطبخه لا يخرج إلا ليأكل في مطبخه، فلما قدم الشام رأى صاحبُ الطليعة أكثر أرض الله فرسًا ورجلًا جلدًا، فكسره ذلك في ذرعه، فلم يسأل، فجعل بختنصر يجلس مجالس أهل الشام فيقول: ما يمنعكم أن تغزوا بابل؟ فلو غزوتموها، فما دون بيت مالها شيء. قالوا: لا نحسن القتال ولا نقاتل حتى تنفد مجالس أهل الشام، ثم رجعوا. فأخبر متقدم الطليعة ملكهم بما رأى، وجعل بختنصر يقول لفوارس الملك: لو دعاني الملك لأخبرته غير ما أخبره فلان. فرفع ذلك إليه، فدعاه فأخبره الخبر، وقال: إن فلانًا لما رأى أكثر أرض الله كراعًا ورجلًا جلدًا، كسر ذلك في ذرعه، ولم يسألهم عن شيء، وإني لم أدع مجلسًا بالشام إلا جالست أهله، فقلت لهم كذا وكذا، فقالوا لي كذا وكذا - للذي ذكر سعيد بن جبير أنه قال لهم - فقال متقدم الطليعة لبختنصر: فضحتني! لك مائة ألف وتنزع عما قلت. قال: لو أعطيتني بيت مال بابل ما نزعتُ. وضرب الدهر من ضربه، فقال الملك: لو بعثنا جريدة خيل إلى الشأم، فإن وجدوا مساغًا ساغوا، وإلا امتشوا ما قدروا عليه. قالوا: ما ضرك لو فعلت! قال: فمن ترون؟ قالوا: فلان، قال: بل الرجل الذي أخبرني بما أخبرني، فدعا بختنصر، فأرسله وانتخب معه أربعة آلاف من فرسانهم، فانطلقوا فجاسوا خلال الديار، فسبوا ما شاء الله ولم يخربوا ولم يقتلوا، ورمى في جنازة صيحون، قالوا: استخلفوا رجلًا، قالوا: على رسلكم حتى نأتي أصحابكم، فإنهم فرسانكم، أن ينغصوا عليكم شيئًا! فأمهلوا حتى جاء بختنصر بالسبى وما معه، فقسمه في الناس فقالوا: ما رأينا أحدًا أحق بالملك من هذا! فملكوه.
وقال آخرون منهم: إنما كان خروج بختنصر إلى بني إسرائيل لحربهم حين قتلت بنو إسرائيل يحيى بن زكرياء.