وقال آخرون: كان ملك بشتاسب مائة وعشرين سنة.
ذكر الخبر عن ملوك اليمن في أيام قابوس وبعده إلى عهد بهمن بن إسفنديار

قال أبو جعفر: قد مضى ذكرنا الخبر عمن زعم أن قابوس كان في عهد سليمان بن داود عليهما السلام، ومضى ذكرنا من كان في عهد سليمان من ملوك اليمن والخبر عن بلقيس بنت إيليشرح.
فحدثت عن هشام بن محمد الكلبي أن الملك باليمن صار بعد بلقيس إلى ياسر بن عمرو بن يعفر الذي كان يقال له ياسر أنعم. قال: وإنما سموه ياسر أنعم لإنعامه عليهم بما قوى من ملكهم، وجمع من أمرهم.
قال: فزعم أهل اليمن أنه سار غازيًا نحو المغرب حتى بلغ واديًا يقال له وادي الرمل، ولم يبلغه أحد قبله، فلما انتهى إليه لم يجد وراءه مجازًا لكثرة الرمل، فبينما هو مقيم عليه إذ انكشف الرمل، فأمر رجلًا من أهل بيته - يقال له عمرو - أن يعبر هو وأصحابه، فعبروا فلم يرجعوا. فلما رأى ذلك أمر بصنم نحاس فصنع، ثم نصب على صخرة على شفير الوادي، وكتب في صدره بالمسند: " هذا الصنم لياسر أنعم الحميري، وليس وراءه مذهب، قلا يتكلفن ذلك أحدٌ فيعطب ".
قال: ثم ملك من بعده تبع، وهو تبان أسعد، وهو أبو كرب بن ملكي كرب تبع بن زيد بن عمرو بن تبع، وهو ذو الأذعار بن أبرهة تبع ذي المنار ابن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ. قال: وكان يقال له الرائد.
قال: فكان تبع هذا في أيام بشتاسب وأردشير بهمن بن إسفنديار بن بشتاسب، وأنه شخص متوجهًا من اليمن في الطريق الذي سلكه الرائش، حتى خرج على جبلي طيء، ثم سار يريد الأنبار فلما انتهى إلى الحيرة وذلك ليلًا بخير فأقام مكانه وسمى ذلك الموضع الحيرة ثم سار وخلف به قومًا من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة، فبنوا وأقاموا به، ثم انتقل إليهم بعد ذلك ناس من طيئ وكلب والسكون وبلحارث بن كعب وإياد. ثم توجه إلى الأنبار ثم إلى الموصل، ثم إلى أذربيجان، فلقى الترك بها فهزمهم، فقتل المقاتلة، وسبى الذرية، ثم أنكفأ راجعًا إلى اليمن. فأقام بها دهرًا، وهابته الملكوك وعظمته وأهدت إليه. فقدم عليه رسول ملك الهند بالهدايا والتحف، من الحرير والمسك والعود وسائر طرف بلاد الهند، فرأى ما لم ير مثله، فقال ويحك! أكل ما أرى في بلادكم! فقال: أبيت اللعن! أقل ما ترى في بلادنا، وأكثره في بلاد الصين، ووصف له بلاد الصين وسعتها وخصبها وكثرة طرفها فآلى بيمين ليغزونها. فسار بحمير مساحلا، حتى أتى الزكائك وأصحاب القلانس السود، ووجه رجلًا من أصحابه، يقال له ثابت نحو الصين، في جمع عظيم فأصيب، فسار تبع حتى دخل الصين، فقتل مقاتلها، واكتسح ما وجد فيها. قال: ويزعمون أن مسيره كان إليها ومقامه بها ورجعته منها في سبع سنين، وأنه خلّف بالتبت اثنى عشر ألف فارس من حمير، فهم أهل التبت، وهم اليوم يزعمون أنهم عرب، وخلقهم وألوانهم خلق العرب وألوانها.
حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان، قال: قرأت على عبد الله، عن إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة: أن تبعًا خرج في العرب يسير، حتى تحيروا بظاهر الكوفة، وكان منزلًا من منازله، فبقى فيها من ضعفة الناس فسميت الحيرة لتحيرهم وخرج تبع سائرًا فرجع إليهم وقد بنوا وأقاموا، وأقبل تبع إلى اليمن وأقاموا هم، ففيهم من قبائل العرب كلها من بني لحيان، وهذيل وتميم، وجعفى وطيء، وكلب.
ذكر خبر أردشير بهمن وابنته خماني

ثم ملك بعد بشتاسب ابن ابنه أردشير بهمن، فذكر أنه قال يوم ملك وعقد التاج على رأسه: نحن محافظون على الوفاء، ودائنون رعيتنا بالخير، فكان يدعى أردشير الطويل الباع، وإنما لقب بذلك - فيما قيل - لتناوله كل ما مدّ إليه يده من الممالك التي حوله، حتى ملك الأقاليم كلها، وقيل إنه ابتنى بالسواد مدينة، وسماها آباد أردشير هي القرية المعروفة بهمينا في الزاب الأعلى، وابتنى بكور دجلة مدينة وسماهن بهمن أردشير، وهي الأبلة، وسار إلى سجستان طلبًا بثأر أبيه، فقتل رستم وأباه دستان وأخاه إزواره وابنه فرمرز، واجتبى الناس لأرزاق الجند ونفقات الهرابذة وبيوت النيران وغير ذلك أموالًا عظيمة، وهو أبو دارا الأكبر، وأبو ساسان أبي ملوك الفرس الأخر أردشير بن بابك وولده، وأم دارا خماني بنت بهمن.
فحدثت عن هشام بن محمد قال: ملك بعد بشتاسب أردشير بهمن بن إسفنديار بن بشتاسب، وكان - فيما ذكروا - متواضعًا مرضيًا فيهم، وكانت كتبه تخرج من أردشير: عبد الله وخادم الله، السائس لأمركم. قال: ويقال أنه غزا الرومية الداخلة في ألف ألف مقاتل.
وقال غير هشام: هلك بهمن ودارا في بطن أمه، فملكوا خماني شكرا لأبيها بهمن، ولم تزل ملوك الأرض تحمل إلى بهمن الإتاوة والصلح، وكان من أعظم ملوك الفرس - فيما قالوا - شأنًا، وأفضلهم تدبيرًا، وله كتب ورسائل تفوق كتب أردشير وعهده، وكانت أم بهمن أستوريا، وهي أستار بنت يائير بن شمعى بن قيس بن ميشا بن طالوت الملك بن قيس ابن أبل بن صارور بن بحرث بن أفيح بن إيشي بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام. وكانت أمّ ولده راحب بنت فنحس من ولد رحبعم بن سليمان بن داود عليه السلام. وكان بهمن ملك أخاها زر بابل بن شلتايل على بني إسرائيل، وصير له رياسة الجالوت، ورده إلى الشام بمسألة راحب أخته إياه ذلك، فتوفي بهمن يوم توفي وله من الولد: ابناه دارا الأكبر وساسان، وبناته: خمانى التي ملكت بعده، وفرنك وبهمن دخت، وتفسير بهمن بالعربية الحسن النية، وكان ملكه مائة واثنتى عشرة سنة.
فأما ابن الكلبي هشام فإنه قال: كان ملكه ثمانين سنة.
ثم ملكت خماني بنت بهمن، وكانوا ملكوها حبًا لأبيها بهمن، وشكرًا لإحسانه ولكمال عقلها وبهائها وفروسيتها ونجدتها - فيما ذكره بعض أهل الأخبار - فكانت تلقب بشهرازاد. وقال بعضهم: إنما ملكت خمانى بعد أبيها بهمن أنها حين حملت منه دارا الأكبر سألته أن يعقد التاج له في بطنها ويؤثره بالملك، ففعل ذلك بهمن بدارا، وعقد عليه التاج حملًا في بطنها، وساسان ابن بهمن في ذلك الوقت رجل يتصنع للملك لا يشك فيه. فلما رأى ساسان ما فعل أبوه في ذلك لحق بإصطخر، فتزهد وخرج من الحلية الأولى وتعبد فلحق برؤوس الجبال يتعبد فيها، واتخذ عنيمة، فكان يتولى ما شيته بنفسه، واستشنعت العامة ذلك من فعله، وفظعت به، وقالوا: صار ساسان راعيًا، فكان ذلك سبب نسبة الناس إياه إلى الرعي، وأم ساسان انبة شالتيال ابن يوحنّا بن أوشيا بن أمون بن منشى بن حازقيا بن أحاذ بن يوثام بن عوزيا ابن يورام بن يوشافط بن أبيا بن رحبعم بن سليمان بن داود.
وقيل: إن بهمن هلك وابنه دارا في بطن خمانى، وأنها ولدته بعد أشهر من ملكها وأنفت من إظهار ذلك، فجعلته في تابوت، وصيرت معه جوهرًا نفيسًا وأجرته في نهر الكبر من إصطخر. وقال بعضهم: بل نهر بلخ، وإن التابوت صار إلى رجل طحان من أهل إصطخر، كان له ولد صغير فهلك، فلما وجده الرجل أتى به امرأته، فسرت به لجماله ونفاسة ما وجد معه، فحضنوه، ثم أظهر أمره حين شب، وأقرت خمانى بإساءتها إليه وتعريضها إياه للتلف، فلما تكامل امتحن فوجد على غاية ما يكون عليه أبناء الملوك، فحولت التاج عن رأسها إليه، وتقلد أمر المملكة، وتنقلت خمانى وصارت إلى فارس وبنت مدينة إصطخر، وأغزت الروم جيشًا بعد جيش، وكانت قد أوتيت ظفرًا، فقمعت الأعداء، وشغلتهم عن تطرف شيء من بلادها، ونال رعيتُها في ملكها رفاهة وخفضًا. وكانت خماني حين أغزت أرض الروم سبى لها منها بشرٌ كثير، وحملوا إلى بلادها، فأمرت من فيهم من بنائي الروم، فبنوا لها في كلّ موضع من حيز مدينة إصطخر بنيانًا على بناء الروم منيفًا معجبًا، أحد ذلك البنيان في مدينة إصطخر. والثاني على المدرجة التي تسلك فيها إلى دارا بجرد، على فرسخ من هذه المدينة. والثالث على أربعة فراسخ منها في المدرجة التي تسلك فيها إلى خراسان. وإنها أجهدت نفسها في طلب مرضاة الله عز وجل، فأوتيت الظفر والنصر، وخففت عن رعيتها في الخراج.
وكان ملكها ثلاثين سنة.
ثم نرجع الآن إلى:
ذكر خبر بني إسرائيل ومقابلة تأريخ مدة أيامهم إلى حين تصرمها بتأريخ مدة من كان في أيامهم من ملوك الفرس

قد ذكرنا فيما مضى قبلُ سبب انصراف من انصرف إلى بيت المقدس من سبايا بني إسرائيل الذين كان بختنصر سباهم وحملهم معه إلى أرض بابل، وأنّ ذلك كان في أيام كيرش بن أخشويرش وملكه ببابل من قبل بهمن بن إسفنديار في حياته وأربع سنين بعد وفاته في ملك ابنته خمانى، وأن خمانى عاشت بعد هلاك كيرش بن أخشويرش ستًا وعشرين سنة في ملكها، تمام ثلاثين سنة. وكانت مدة خراب بيت المقدس من لدن خربه بختنصر إلى إن عمر - فيما ذكره أهل الكتب القديمة والعلماء بالإخبار - سبعين سنة، كل ذلك في أيام بهمن بن إسفنديار بن لهراسب بعضه وبعضه في أيام خمانى، على ما قد بين في هذا الكتاب.
وقد زعم بعضهم أن كيرش هو بشتاسب، وأنكر ذلك من قبله بعضهم وقال: كي أرش إنما هو عم لجد بشتاسب، وقال: هو كي إرش أخو كيقاوس ابن كيبيه بن كيقباذ الأكبر، وبشتاسب الملك هو ابن كيلهراسب بن كيوجي ابن كيمنوش بن كيقاوس بن كيبيه بن كيفباذ الأكبر. قال: ولم يملك كي أرش قط، وإنما كان مملكًا على خوزستان وما يتصل بها من أرض بابل من قبل كيقاوس، ومن قبل كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس، ومن قبل لهراسف من بعده. وكان طويل العمر، عظيم الشأن، ولما عمر بيت المقدس ورجع إليه أهله من بني إسرائيل كان فيهم عزير - وقد وصفت ما كان من أمره وأمر بني إسرائيل - وكان الملك عليهم بعد ذلك من قبل الفرس، إما رجل منهم وإما رجل من بني إسرائيل، إلى أن صار الملك بناحيتهم لليونانية والروم بسبب غلبة الإسكندر على تلك الناحية حين قتل دارا بن دارا. وكانت جملة مدة ذلك - فيما قيل - ثمانيًا وثمانين سنة.
ونذكر الآن:
خبر دارا الأكبر وابنه دارا الأصغر ابن دارا الأكبر وكيف كان هلاكه مع خبر ذي القرنين

وملك دارا بن بهمن بن إسفنديار بن بشتاسب، وكان ينبه بجهرازاد - يعني به كريم الطبع - فذكروا أنه نزل بابل، وكان ضابطًا لملكه، قاهرًا لمن حوله من الملوك، يؤدون إليه الخراج، وأنه ابتنى بفارس مدينة سماها دارا بجرد، وحذف دواب البرد ورتبها، وكان معجبًا بانبه دارا، وأنه من حبه إياه سماه باسم نفسه، وصير له الملك من بعده، وأنه كان له وزير يسمى رستين محمودًا في عقله، وأنه شجر بينه وبين غلام تربى مع دارا الأصغر، يقال له برى شر وعداوة، فسعى رستين عليه عند الملك، فقيل: إن الملك سقى برى شربة مات منها، واضطغن دارا على رستين الوزير وجماعة من القواد، كانوا عاونوه على برى ما كان منهم، وكان ملك دارا اثنتى عشرة سنة.
ثم ملك من بعده انبه دارا بن دارا بن بهمن، وكانت أمه ما هيا هند بنت هزار مرد بن بهرادمه، فلما عقد التاج على رأسه قال: لن ندفع أحدًا في مهوى الهلكة، ومن تردى فيها لم نكففه عنها. وقيل إنه بنى بأرض الجزيرة مدينة دارا، واستكتب أخا برى واستوزره لأنسه كان به وبأخيه، فأفسد قلبه على أصحابه، وحمله على قتل بعضهم، فاستوحشت لذلك منه الخاصة والعامة، ونفروا عنه، وكان شابًا غرًا حميًا حقودًا جبارًا.
وحدثت عن هشام بن محمد قال: ملك من بعد دارا بن أردشير دارا ابن دارا أربع عشرة سنة، فأساء السيرة في رعيته، وقتل رؤساءهم، وغزاه الإسكندر على تئفة ذلك، وقد مله أهل مملكته وسئموه، وأحبوا الراحة منه، فلحق كثير من وجوههم وأعلامهم بالإسكندر، فأطلعوه على عورة دارا، وقروه عليه. فالتقيا ببلاد الجزيرة، فاقتتلا سنة، ثم إن رجالًا من أصحاب دارا وثبوا به فقتلوه، وتقربوا برأسه إلى الإسكندر، فأمر بقتلهم، وقال: هذا جزاء من اجترأ على ملكه. وتزوج ابنته روشنك بنت دارا، وغزا الهند ومشارق الأرض، ثم انصرف وهو يريد الإسكندرية، فهلك بناحية السواد، فحمل إلى الإسكندرية في تابوت من ذهب، وكان ملكه أربع عشرة سنة، واجتمع ملك الروم، وكان قبل الإسكندر متفرقًا، وتفرق ملك فارس وكان قبل الإسكندر مجتمعًا.
قال: وذكر غير هشام أن دارا بن دارا لما ملك أمر فبنيت له بأرض الجزيرة مدينة واسعة وسماها دارنوا، وهي التي تسمى اليوم دارا، وأنه عمرها وشحنها من كل ما يحتاج إليه فيها، وأن فيلفوس أبا الإسكندر اليوناني من أهل بلدة من بلاد اليونانيين تدعى مقدونية، كان ملكًا عليها وعلى بلاد أخرى احتازها إليها، كان صالح دارا على خراج يحمله إليه في كل سنة، وأن فيلفوس هلك، فملك بعده ابنه الإسكندر، فلم يحمل إلى دارا ما كان يحمله إليه أبوه من الخراج، فأسخط ذلك عليه دارا، وكتب إليه يؤنبه بسوء صنيعه في تركه حمل ما كان أبوه يحمل إليه من الخراج وغيره، وأنه دعاه إلى حبس ما كان أبوه يحمل إليه من الخراج الصبا والجهل، وبعث إليه بصولجان وكرة وقفيز من سمسم، وأعلمه فيما كتب إليه أنه صبى، وأنه إنما ينبغي له أن يلعب بالصولجان والكرة اللذين بعث بهما إليه، ولا يتقلد الملك، ولا يتلبس به، وأنه إن لم يقتصر على ما أمره به من ذلك، وتعاطى الملك واستعصى عليه، بعث إليه من يأتيه به في وثاق، وأن عدة جنوده كعدة حب السمسم الذي بعث به إليه.
فكتب إليه الإسكندر في جواب كتابه ذلك، أن قد فهم ما كتب، وأن قد نظر إلى ما ذكر في كتابه إليه من إرساله الصولجان والكرة، وتيمن به لإلقاء الملقى الكرة إلى الصولجان، واحترازه إياه، وشبه الأرض بالكرة، وأنه محتاز ملك دارا إلى ملكه، وبلاده إلى حيزه من الأرض، وأن نظره إلى السمسم الذي بعث به إليه كنظرة إلى الصولجان والكرة لدسمه وبعده من المرارة والحرافة. وبعث إلى دارا مع كتابه بصرة من خردل، وأعلمه في ذلك الجواب أن ما بعث به إليه قليل، غير أن ذلك مثل الذي بعث به في الحرافة والمرارة والقوة، وأن جنوده في كل ما وصف به منه.
فلما وصل إلى دارا جواب كتاب الإسكندر، جمع إليه جنده، وتأهب لمحاربة الإسكندر، وتأهب الإسكندر وسار نحو بلاد دارا.