حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: حدثنا رجل قد قرأ القرآن في صدره في إمارة عمر بن الخطاب، فحدث عن قوم يونس حيث أنذر قومه فكذبوه، فأخبرهم أنه مصيبهم العذاب وفارقهم، فلما رأوا ذلك وغشيهم العذاب؛ لكنهم خرجوا من مساكنهم، وصعدوا في مكان رفيع، وأنهم جأروا إلى ربهم، ودعوه مخلصين له الدين أن يكشف عنهم العذاب، وأن يرجع إليهم رسولهم، قال: ففي ذلك أنزل الله تعالى: " فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حينٍ ". فلم يكن قرية غشيها العذاب ثم أمسك عنها إلا قوم يونس خاصة، فلما رأى ذلك يونس، لكنه ذهب عاتبًا على ربه، وانطلق مغاضبًا، وظن أن لن يقدر عليه، حتى ركب سفينة، فأصاب أهلها عاصف من الريح. فقالوا: هذه بخطيئة أحدكم. وقال يونس - وقد عرف أنه هو صاحب الذنب: هذه بخطيئتي، فألقوني في البحر. وإنهم أبو عليه حتى أفاضوا بسهامهم، " فساهم فكان من المدحضين ". فقال لهم: قد أخبرتكم أن هذا الأمر بذنبي. وإنهم أبوا عليه أن يلقوه في البحر، حتى أفاضوا بسهامهم الثانية؛ " فكان من المدحضين ". فقال لهم: قد أخبرتكم أن هذا الأمر بذنبي، وإنهم أبوا عليه أن يلقوه في البحر حتى أفاضوا بسهامهم الثالثة، " فكان من المدحضين ". فلما رأى ذلك ألقى نفسه في البحر، وذلك تحت الليل، فابتلعه الحوت " فنادى في الظلمات " - وعرف الخطيئة - " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ". وكان قد سبق له من العمل الصالح، فأنزل الله فيه فقال: " فلولا أنه كان من المسبحين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون "؛ وذلك أن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر؛ " فنبذناه بالعراء وهو سقيمٌ ". وألقى على ساحل البحر، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين - وهي فيما ذكر - شجرة القرع يتقطر عليه من اللبن؛ حتى رجعت إليه قوته. ثم رجع ذات يوم إلى الشجرة فوجدها قد يبست، فحزن وبكى عليها، فعوتب فقيل له: أحزنت على شجرة، وبكيت عليها ولم تحزن على مائة ألف أو زيادة أردت هلاكهم جميعًا!
ثم إن الله اجتباه من الضلالة، فجعله من الصالحين، ثم أمر أن يأتي قومه ويخبرهم أن الله قد تاب عليهم. فعمد إليهم، حتى لقى راعيًا، فسأله عن قوم يونس وعن حالهم، وكيف هم؟ فأخبره أنهم بخير، وأنهم على رجاء أن يرجع إليهم رسولهم، فقال له: فأخبرهم أنى قد لقيت يونس. فقال: لا أستطيع إلا بشاهد، فسمى له عنزًا من غنمه، فقال: هذه تشهد لك أنك قد لقيت يونس، قال: وماذا؟ قال: وهذه البقعة التي أنت فيها تشهد لك أنك قد لقيت يونس. قال: وماذا؟ قال: وهذه الشجرة تشهد لك أنك قد لقيت يونس. وإنه رجع الراعي إلى قومه فأخبرهم أنه لقى يونس فكذبوه وهموا به شرًا، فقال: لا تعجلوا على حتى أصبح، فلما أصبح غدا بهم إلى البقعة التي لقى فيها يونس، فاستنطقها، فأخبرته أنه لقى يونس، وسأل العنز، فاخبرتهم أنه لقى يونس، واستنطقوا الشجرة، فأخبرتهم أنه قد لقى يونس. ثم إن يونس أتاهم بعد ذلك. قال: " وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون، فآمنوا فمتعناهم إلى حينٍ ".
حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزى، قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودى، قال: حدثنا ابن مسعود في بيت المال، قال: إن يونس كان وعد قومه العذاب؛ وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام، ففرقوا بين كل والدة وولدها، ثم خرجوا فجأروا إلى الله، واستغفروه، فكف الله عنهم العذاب، وغدا يونس ينتظر العذاب، فلم ير شيئًا، وكان من كذب ولم يكن له بينة قتل فانطلق مغاضبا " فنادى في الظلمات " قال: ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن حدثه عن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة زوج النبي ، قال سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله : لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحمًا، ولا تكسر عظمًا، فأخذه، ثم هوى به إلى مسكنه من البحر. فلما انتهى به إلى أسفل البحر، سمع يونس حسًا، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دواب البحر. قال: فسبح وهو في بطن الحوت، قال: فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: يا ربنا، إنا لنسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة. قال: ذلك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح! قال: نعم، قال: فشفعوا له عند ذلك. فأمر الحوت، فقذفه في الساحل كما قال الله: " وهو سقيمٌ "، وكان سقمه الذي وصفه الله به، أنه ألقاه الحوت على الساحل كالصبي المنفوس، قد بشر اللحم والعظم.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد ابن زياد، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: خرج به - يعنى الحوت - حتى لفظه في ساحل البحر، فطرحه مثل الصبي المنفوس، لم ينقص من خلقه شيء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني أبو صخر. قال: أخبرني ابن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول: طرح بالعراء، فأنبت الله عليه يقطينةً، فقلنا: يا أبا هريرة، وما اليقطينة؟ قال: شجرة الدباء، هيأ الله له أروية وحشية، تأكل من حشاش الأرض - أو هشاش الأرض - فتفشح عليه، فترويه من لبنها كل عشية وبكرة، حتى نبت.
ومما كان أيضًا في أيام ملوك الطوائف:
إرسال الله رسله الثلاثة

الذين ذكرهم في تنزيله، فقال: " واضرب لهم مثلًا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالثٍ فقالوا إنا إليكم مرسلون.. "، الآيات التي ذكر تعالى ذكره في خبرهم.
واختلف السلف في أمرهم، فقال بعضهم: كان هؤلاء الثلاثة - الذين ذكرهم الله في هذه الآيات، وقص فيها خبرهم - أنبياء ورسلًا أرسلهم إلى بعض ملوك الروم، وهو أنطيخس، والقرية التي كان فيها هذا الملك الذي أرسل الله إليه فيها هؤلاء الرسل أنطاكية.