ذكر ملك جشنسده

ثم ملك بعدها رجل يقال له: جشنسده، من بني أبرويز الأبعدين.
وكان ملكه أقل من شهر.
ذكر ملك آزرميدخت بنت كسرى أبرويز

ثم ملكت آزرميدخت بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنوشروان؛ ويقال له إنها كانت من أجمل نسائهم؛ وإنها قالت حين ملكت: منها جنا منهاج أبينا كسرى المنصور، فإن خالفنا أحد هرقنا دمه. ويقال إنه كان عظيم فارس يومئذ فرخهرمز إصبهبذ خراسان؛ فأرسل إليها يسألها أن تزوجه نفسها، فأرسلت إن التزويج للملكة غير جائز؛ وقد علمت أن دهرك فيما ذهبت إليه قضاء حاجتك وشهوتك مني، فصر إلى ليلة كذا وكذا. ففعل فرخهرمز وركب إليها في تلك الليلة، وتقدمت آزرميدخت إلى صاحب حرسها أن يترصده في الليلة التي تواعدا الالتقاء فيها حتى يقتله، فنفذ صاحب حرسها لأمرها، وأمرت به فجر برجله، وطرح في رحبة دار المملكة، فلما أصبحوا وجدوا فرخهرمز قتيلًا، فأمرت بجثته فغيبت، وعلم أن لم يقتل إلا لعظيمة. وكان رستم بن فرخهرمز صاحب يزدجرد الذي وجه بعد القتال العرب خليفة أبيه بخراسان، فلما بلغه الخبر أقبل في جند عظيم حتى نزل المدائن، وسمل عيني آزرميدخت، وقتلها، وقال بعضهم: بل سمت.
وكان ملكها ستة أشهر.
كسرى بن مهراجشنس

ثم أتى رجل من عقب أردشير بن بابك كان ينزل الأهواز يقال له: كسرى بن مهر جشنس، فملكه العظماء، ولبس التاج، وجلس على سرير الملك، وقتل بعد أن ملك بأيام.
ذكر ملك خرزا خسروا

وقيل إن الذي ملك بعد آزرميدخت خرزاذ خسروا منن ولد أبرويز. وقيل: إنه وجد بحصن يعرف بالحجارة بالقرب من نصيبين، فلما صار إلى المدائن مكث أيمًا يسيرة، ثم استعصوا عليه وخالفوه.
ذكر ملك فيروز بن مهراجشنس

وقال الذين قالوا: ملك بعد آزرميدخت كسرى بن مهراجشنس: لما قتل كسرى بن مهراجشنس، طلب عظماء فارس من يملكونه من أهل بيت المملكة، فطلبوا من له عنصر من أهل البيت ولو من قبل النساء، فأتوا برجل كان يسكن ميسان، يقال له فيروز بن مهرانجشنس، ويسمى أيضًا جشنسده قد ولدته صهاربخت بنت يزداندار بن كسرى أنوشروان، فملكوه كرهًا.
وكان رجلًا ضخم الرأس، فلما توج قال: ما أضيق هذا التاج! فتطير العظماء من افتتاحه كلامه بالضيق؛ وقتلوه بعد أن ملك أيامًا.
ومن الناس من يقول: قتل ساعة تكلم بما تكلم به.
ذكر ملك فرخزاذ خسروا

وقال قائل هذا القول: ثم شخص رجل من العظماء يقال له زاذى ولمرتبته رئيس الخول إلى موضع من ناحية المغرب قريب من نصيبين، يقال له: حصن الحجارة، فأقبل بابن كسرى لكسرى كان نجا إلى ذلك القصر حين قتل شيرويه بنى كسرى يقال له: فرخزاذ خسروا إلى مدينة طيسبون، فانقاد له الناس زمنًا يسيرًا، ثم استعصوا عليه وخالفوه، فقال بعضهم: قتلوه.
وكان ملكه ستة أشهر.
ذكر ملك يزدجرد بن شهريار

وقال بعضهم كان أهل إصطخر ظفروا بيزدجرد بن شهريار بن كسرى بإصطخر، قد هرب به إليها حيث قتل شيرويه إخوته، فلما بلغ عظماء أهل إصطخر أن من بالمدائن خالفوا فرخزاذ خسروا، أتوا بيزدجرد بيت نار يدعى بينت نار أردشير، فتوجوه هنالك، وملكوه - وكان حدثًا - ثم أقبلوا به إلى المدائن، وقتلوا فرخزاذ خسروا بحيل احتالوها لقتله بعد أن ملك سنة.
وساغ الملك ليزدجرد؛ غير أن ملكه كان عند ملك آبائه كالخيال والحلم، وكانت العظماء والوزراء يدبرون ملكه لحداثة سنه، وكان أشدهم نباهة في وزرائه ووأذكاهم رئيس الخول. وضعف أمر مملكة فارس، واجترأ عليه أعداؤه من كل وجه؛ وتطرفوا بلاده وأخربوا منها، وغزت العرب بلاده بعد أن مضت سنتان من ملكه. وقيل بعد أن مضى أربع سنين من ملكه. وكان عمره كله إلى أن قتل ثمانيًا وعشرين سنة.
وقد بقى من أخبار يزدجرد هذا وولده أخبار سأذكرها إن شاء الله بعد في مواضعها من فتوح المسلمين وما فتحوا من بلاد العجم، وما آل إليه أمره وأمر ولده.
ذكر أقوال علماء المسلمين وغيرهم فيما كان بين هبوط آدم إلى الهجرة من السنين

فجميع ما مضى من السنين من لدن أهبط آدم إلى الأرض، إلى وقت هجرة النبي - على ما يقوله أهل الكتاب من اليهود، وتزعم أنه في التوارة الصورة مثبت من أعمار الأنبياء والملوك - أربعة آلاف سنة وستمائة سنة واثنتان وألاربعون سنة وأشهر.
وأما على ما تقوله النصارى مما تزعم أنه في توراة اليونانية؛ فإن ذلك خمسة آلاف سنة وتسعمائة سنة واثنتان وتسعون سنة وأشهر. وأما جميع ذلك على قول المجوس من الفرس؛ فإنه أربعة آلاف سنة ومائة سنة واثنتان وثمانون سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يومًا؛ على أنه داخل في ذلك مدة ما بين وقت الهجرة ومقتل يزدجرد، وذلك ثلاثون سنة وشهران وخمسة عشر يومًا؛ وعلى أن حسابهم ذلك وابتداء تأريخهم من عهد جيومرت، وجيومرت هو آدم أبو البشر الذي إليه نسبة كل منتسب من الإنس، على ما قد بينت في كتابي هذا.
وأما علماء الإسلام فقد ذكرت قبل ما قال فيه بعضهم، وأذكر بعض من لم يمض ذكره منهم الآن؛ فإنهم قالوا: كان بين آدم ونوح عشرة قرون؛ والقرن مائة سنة، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون؛ والقرن مائة سنة، وبين إبراهيم وموسى بن عمران عشرة قرون؛ والقرن مائة سنة.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق.
حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمى، عن غير واحد من أهل العلم، قالوا: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين إبراهيم وموسى بن عمران عشرة قرون، والقرن مائة سنة.
وروي عن عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي عوانة، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: الفترة بين محمد وعيسى عليهما السلام ستمائة سنة.
وروي عن فضيل بن عبد الوهاب، عن جعفر بن سليمان، عن عوف، قال: كان بين عيسى وموسى ستمائة سنة.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي صدقة، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن كعبًا قال: إن قوله: " يا أخت هارون " ليس بهارون أخي موسى، قال: فقالت له عائشة: كذبت، قال: يا أم المؤمنين؛ إن كان النبي صاى الله عليه وسلم قال فهو أعلم وأخبر؛ وإلا فإني أجد بينهما ستمائة سنة. قال: فسكتت.
حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا هشام، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: كان بين موسى بن عمران وعيسى بن مريم ألف سنة وتسعمائة سنة، ولم يكن بينهما فترة، وإنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل، سوى من أرسل من غيرهم، وكان بين ميلاد عيسى والنبي خمسمائة وتسع وستون سنة، بعث في أولها ثلاثة أنبياء، وهو قوله: " إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالثٍ "، والذي عزز به شمعون، وكان من الحواريين، وكانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولًا أربعمائة وأربعًا وثلاثين سنة، وإن عيسى حين رفع كان ابن اثنتين وثلاثين سنة وستة أشهر، وكانت نبوته ثلاثين شهرًا، وإن الله رفعه بجسده، وإنه حي حتى الآن.