فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير، أنه حدث عن خديجة أنها قالت لرسول الله ص فيما يثبته فيما أكرمه الله به من نبوته: يا بن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم، قالت: فإذا جاءك فأخبرني به، فجاءه جبرئيل عليه السلام كما كان يأتيه، فقال رسول الله ص لخديجة: يا خديجة هذا جبرئيل قد جاءني، فقالت: نعم، فقم يا بن عم، فاجلس على فخذي اليسرى، فقام رسول الله ص فجلس عليها، قالت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت: فتحول فاقعد على فخذي اليمنى، فتحول رسول الله ص فجلس عليها، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت: فتحول فاجلس في حجري، فتحول فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال: نعم، فتحسرت، فألقت خمارها ورسول الله ص جالسٌ في حجرها، ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا، فقالت: يا بن عم، اثبت وأبشر؛ فوالله إنه لملكٌ وما هو بشيطان.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: وحدثت بهذا الحديث عبد الله بن الحسن، فقال: قد سمعت أمي فاطمة بنت الحسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة، إلا أني قد سمعتها تقول: أدخلت رسول الله ص بينها وبين درعها، فذهب عند ذلك جبرئيل، فقالت لرسول الله ص: إن هذا لملك، وما هو بشيطان.
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عثمان بن عمر بن فارس، قال: حدثنا علي بن المبارك، عن يحيى - يعني ابن أبي كثير - قال: سألت أبا سلمة: أي القرآن أنزل أول؟ فقال: " يأيها المدثر "، فقلت: يقولون: " اقرأ باسم ربك "! فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله أيٌ القرآن أنزل أول؟ فقال: " يأيها المدثر "، فقلت: " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، فقال: لا أخبرك إلا ما حدثنا النبي ، قال: جاورت في حراء، فلما قضيت جواري، هبطت فاستنبطت الوادي، فنوديت، فنظرت عن يميني وعن شمالي، وخلفي وقدامي، فلم أر شيئًا، فنظرت فوق رأسي، فإذا هو جالسٌ على عرشٍ بين السماء والأض، فخشيت منه - قال ابن المثنى: هكذا قال عثمان بن عمر، وإنما هو " فجئثت منه " - فلقيت خديجة، فقلت: دثروني، فدثروني، وصبوا علي ماءً، وأنزل علي: " يأيها المدثر قم فأنذر ".
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة عن أول ما نزل من القرآن، قال: نزلت: " يأيها المدثر "، أول، قال: قلت: إنهم يقولون: " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، فقال: سألت جابر بن عبد الله، فقال: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: جاورت بحراء، فلما قضيت جواري، هبطت فسمعت صوتًا، فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا، وعن شمالي فلم أر شيئًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا، فرفعت رأسي، فرأيت شيئًا، فأتيت خديجة، فقلت: دثروني، وصبوا علي ماءً، قال: فدثروني وصبوا علي ماءً باردًا، فنزلت: " يأيها المدثر ".
وحدثت عن هشام بن محمد، قال: أتى جبريل رسول الله ص أول ما أتاه ليلة السبت، وليلة الأحد، ثم ظهر له برسالة الله عز وجل يوم الاثنين، فعلمه الوضوء، وعلمه الصلاة، وعلمه: " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، وكان لرسول الله ص يوم الاثنين، يوم أوحي إليه أربعون سنة.
حدثني أحمد بن محمد بن حبيب الطوسي، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: أخبرنا جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي، قال: أخبرني عمر بن عروة بن الزبير، قال: سمعت عروة بن الزبير يحدث عن أبي ذر الغفاري قال: قلت: يا رسول الله، كيف علمت أنك نبي أول ما علمت، حتى علمت ذلك واستيقنت؟ قال: يا أبا ذر، أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة، فوقع أحدهما في الأرض والآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: هو هو، قال: فزنه برجل، فوزنت برجل فرجحته، ثم قال: زنه بعشرة، فوزنني بعشرة فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة، فوزنني بمائة فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف، فوزنني بألف فرجحتهم، فجعلوا ينتثرون على من كفة الميزان، قال: فقال: أحدهما للآخر: لو وزنته بأمته رجحها. ثم قال أحدهما لصاحبه: شق بطنه، فشق بطني، ثم قال أحدهما: أخرج قلبه - أو قال: شق قلبه - فشق قلبي، فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم، فطرحها، ثم قال أحدهما للآخر: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه غسل الإناء - أو اغسل قلبه غسل الملاءة - ثم دعا بالسكينة، كأنها وجه هرة بيضاء فأدخلت قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه، فخطا بطنى، وجعلا الخاتم بين كتفي، فما هو إلا أن وليا عنى فكأنما أعاين الأمر معاينة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: فتر الوحي عن رسول الله ص فترةً، فحزن حزنًا شديدًا، جعل يغدو إلى رءوس شواهق الجبال ليتردى منها، فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبرئيل، فيقول: إنك نبي الله؛ فيسكن لذلك جأشه، وترجع إليه نفسه، فكان النبي ص يحدث عن لك، قال: فبينما أنا أمشي يومًا، إذ رأيت الملك الذي كان يأتيني بحراء، على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبًا، فرجعت إلى خديجة، فقلت: زملوني، فزملناه - أي دثرناه - فأنزل الله عز وجل: " يأيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر "، قال الزهري: فكان أول شيء أنزل عليه: " اقرأ باسم ربك الذي خلق " حتى بلغ " ما لم يعلم ".
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله ص وهو يحدث عن فترة الوحي: بينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض. قال رسول الله ص: فجئثت منه فرقًا، وجئت فقلت: زملوني، زملوني! فدثروني، فأنزل الله عز وجل: " يأيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر " إلى قوله: " والرجز فاهجر "، قال: ثم تتابع الوحي.
قال أبو جعفر: فلما أمر الله عز وجل نبيه محمدًا ص أن يقوم بإنذار قومه عقاب الله على ما كانوا عليه مقيمين من كفرهم بربهم وعبادتهم الآلهة والأصنام دون الذي خلقهم ورزقهم؛ وأن يحدث بنعمة ربه عليه بقوله: " وأما بنعمة ربك فحدث "، وذلك - فيما زعم ابن إسحاق - النبوة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وأما بنعمة ربك فحدث "، أي ما جاءك من الله من نعمته وكرامته من النبوة فحدث؛ اذكرها وادع إليها. قال فجعل رسول الله ص يذكر ما أنعم الله عليه وعلى العباد به من النبوة سرًا إلى من يطمئن إليه من أهله؛ فكان أول من صدقه وآمن به واتبعه من خلق الله - فيما ذكر - زوجته خديجة رحمها الله.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: قال الواقدي: أصحابنا مجمعون على أن أول أهل القبلة استجاب لرسول الله ص خديجة بنت خويلد رحمها الله.
قال أبو جعفر: ثم كان أول شيء فرض الله عز وجل من شرائع الإسلام عليه بعد الإقرار بالتوحيد والبراءة من الأوثان والأصناكم وخلع الأنداد الصلاة - فيما ذكر.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: وحدثني بعض أهل العلم أن الصلاة حين افترضت على رسول الله ص، أتاه جبرئيل وهو بأعلى مكة، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت منه عين، فتوضأ جبرئيل عليه السلام، ورسول الله ص ينظر إليه ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله ص كما رأى جبرئيل عليه السلام توضأ، ثم قام جبرئيل عليه السلام، فصلى به وصلى النبي بصلاته. ثم انصرف جبرئيل عليه السلام، فجاء رسول الله ص خديجة، فتوضا لها يريها كيف الطهور للصلاة؛ كما أراه جبرئيل عليه السلام، فتوضأت كما توضأ رسول الله ص، ثم صلى بها رسول الله ص كما صلى به جبرئيل عليه السلام، فصلت بصلاته.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن المغيرة وحكام بن سلم، عن عنبسة، عن أبي هاشم الواسطي، عن ميمون بن سياه، عن أنس بن مالك، قال: لما كان حين نبىء النبي ، وكان ينام حول الكعبة، وكانت قريش تنام حولها، فأتاه ملكان: جبرئيل وميكائيل، فقالا: بأيهم أمرنا؟ فقالا: أمرنا بسيدهم، ثم ذهبا ثم جاءا من القبلة، وهم ثلاثة، فألفوه وهو نائم، فقلبوه لظهره، وشقوا بطنه، ثم جاءوا بماء زمزم، فغسلوا ما كان في بطنه من شك أو شرك أو جاهلية أو ضلالة، ثم جاءوا بطست من ذهب، ملئ إيمانًا وحكمة، فملىء بطنه وجوفه إيمانًا وحكمة، ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبرئيل، فقالوا: من هذا؟ فقال: جبرئيل؛ فقالوا: من معك؟ فقال: محمد، قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: مرحبًا، فدعوا له في دعائهم، فلما دخل؛ فإذا هو برجل جسيم وسيم، فقال: من هذا يا جبرئيل؟، فقال: هذا أبوك آدم، ثم أتوا به إلى السماء الثانية، فاستفتح جبرئيل، فقيل له مثل ذلك، وقالوا في السموت كلها كما قال وقيل له في السماء الدنيا، فلما دخل، إذ برجلين، فقال: من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: يحيى وعيسى ابنا الخالة، ثم أتى به السماء الثالثة، فلما دخل إذا هو برجل، قال: من هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا أخوك يوسف، فضل بالحسن على الناس، كما فضل القمر ليلة البدر على الكواكب، ثم أتى به السماء الرابعة، فإذا هو برجل، فقال: من هذا يا جبرئيل؟ فقال: هذا إدريس، ثم قرأ: " ورفعناه مكانًا عليًا "، ثم أتى به السماء الخامسة، فإذا هو برجل، فقال: من هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا هارون، ثم أتى به السماء السادسة، فإذا هو برجل فقال: من هذا يا جبرئيل؟ فقال: هذا موسى، ثم أتى به إلى السماء السابعة، فإذا هو برجل، فقال: من هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم، ثم انطلق إلى الجنة، فإذا هو بنهر أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، بجنبتيه قباب الدر، فقال: ما هذا يا جبرئيل؟ فقال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، وهذه مساكنك، قال: وأخذ جبرئيل بيده من تربته، فإذا هو مسك أذفر، ثم خرج إلى سدرة المنتهى وهي سدرة نبق أعظمها أمثال الجرار، وأصغرها أمثال البيض، فدنا ربك عز وجل: " فكان قاب قوسين أو أدنى "، فجعل يتغشى السدرة من دنو ربها تبارك وتعالى، أمثال الدر والياقوت والزبرجد واللؤلؤ ألوان. فأوحى إلى عبده، وفهمه وعلمه وفرض عليه خمسين صلاة، فمر على موسى، فقال: ما فرض على أمتك؟ فقال: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فإن أمتك أضعف الأمم قوة، وأقلها عمرًا؛ وذكر ما لقي من بني إسرائيل، فرجع فوضع عنه عشرًا، ثم مر على موسى، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف؛ كذلك حتى جعلها خمسًا، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فقال: لست براجع؛ غير عاصيك؛ وقذف في قلبه ألا يرجع، فقال الله عز وجل: " لا يبدل كلامي، ولا يرد قضائي وفرضي "، وخفف عن أمتي الصلاة لعشر. قال أنس: وما وجدت ريحًا قط ولا ريح عروس قط، أطيب ريحًا من جلد رسول الله ص؛ ألزقت جلدي بجلده وشممته.
قال أبو جعفر: ثم اختلف السلف فيمن اتبع رسول اله ص وآمن به وصدقه على ما جاء به من عند الله من الحق بعد زوجته خديجة بنت خويلد، وصلى معه.
فقال بعضهم: كان أول ذكرٍ آمن برسول الله ص وصلى معه وصدقه بما جاءه من عند الله علي بن أبي طالب عليه السلام.
ذكر بعض من قال ذلك ممن حضرنا ذكره
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا إبراهيم بن المختار، عن شعبة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، قال: أول من صلى علي.
حدثنا زكريا بن يحيى الضرير، قال: حدثنا عبد الحميد بن بحر، قال: أخبرنا شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: بعث النبي ص يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء.
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي حمزة، عن زيد بن أرقم، قال: أول من أسلم مع رسول الله ص علي بن أبي طالب. قال: فذكرته للنخعي، فأنكره، وقال: أبو بكر أول من أسلم.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا حمزة رجلًا من الأنصار، يقول: سمعت زيد بن أرقم، يقول: أول رجل صلى مع رسول الله ص علي عليه السلام.
حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا العلاء، عن المنهال بن عمرو، عن عبادة بن عبد الله، قال: سمعت عليًا يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفترٍ، صليت مع رسول الله ص قبل الناس بسبع سنين.
حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا سعيد بن خثيم، عن أسد بن عبدة البجلي، عن يحيى بن عفيف، عن عفيف، قال: جئت في الجاهلية إلى مكة، فنزلت على العباس بن عبد المطلب، قال فلما طلعت الشمس وحلقت في السماء وأنا أنظر إلى الكعبة، أقبل شابٌ، فرمى ببصره إلى السماء، ثم استقبل الكعبة، فقام مستقبلها، فلم يلبث حتى جاء غلام، فقام عن يمينه. قال: فلم يلبث حتى جاءت امرأة، فقامت خلفهما، فركع الشاب، فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فخر الشاب ساجدًا فسجدا معه، فقلت: يا عباس، أمر عظيم! فقال: أمر عظيم! أتدري من هذا؟ فقلت: لا، قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ابن أخي. أتدري من هذا معه؟ قلت: لا، قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب، ابن أخي. أتدري من هذه المرأة التي خلفهما؟ قلت: لا، قال: خديجة بنت خويلد، زوجة ابن أخي، وهذا حدثني أن ربك رب السماء، أمرهم بهذا الذي تراهم عليه، وايم الله ما أعلم على ظهر الأرض كلها أحدًا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا محمد ابن إسحاق، قال: حدثني يحيى بن أبي الأشعث الكندي، من أهل الكوفة، قال: حدثني إسماعيل بن إياس بن عفيف، عن أبيه، عن جده، قال: كنت امرأ تأجرًا، فقدمت أيام الحج، فأتيت العباس، فبينا نحن عنده إذ خرج رجلٌ يصلي، فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت معه تصلي، وخرج غلام فقام يصلي معه، فقلت: يا عباس، ما هذا الدين؟ إن هذا الدين ما أدري ما هو؟ قال: هذا محمد بن عبد الله، يزعم أن الله أرسله به، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب، آمن به. قال عفيف: فليتني كنت آمنت يومئذ فكنت أكون أربعًا! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل وعلي بن مجاهد، قال سلمة: حدثني محمد بن إسحاق، عن يحيى بن أبي الأشعث - قال أبو جعفر: وهو في موضع آخر من كتابي عن يحيى بن الأشعث - عن إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي - وكان عفيف أخا الأشعث بن قيس الكندي لأمه، وكان ابن عمه - عن أبيه عن جده عفيف، قال: كان العباس ابن عبد المطلب لي صديقًا، وكان يختلف إلى اليمن، يشترى العطر فيبيعه أيام الموسم؛ فبينا أنا عند العباس بن عبد المطلب بمنى، فأتاه رجل مجتمع، فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم قام يصلي، فخرجت امرأةً فتوضأت وقامت تصلي ثم خرج غلام قد راهق، فتوضأ، ثم قام إلى جنبه يصلي، فقلت: ويحك يا عباس! ما هذا؟ قال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، يزعم أن الله بعثه رسولا، وهذا ابن أخي علي بن أبي طالب قد تابعه على دينه، وهذه امرأته خديجة ابنة خويلد، قد تابعته على دينه. قال عفيف بعد ما أسلم ورسخ الإسلام في قلبه: يا ليتني كنت رابعًا!
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا عيسى بن سوادة بن الجعد، قال: حدثنا محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبو حازم المدني، والكلبي، قالوا: على أول من أسلم. قال الكلبي: أسلم وهو ابن تسع سنين.
حدثنا ابن حميد؛ قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان أول ذكرٍ آمن برسول الله ص، وصلى معه وصدقه بما جاءه من عند الله، علي بن أبي طالب؛ وهو يومئذ ابن عشر سنين، وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه كان في حجر رسول الله ص قبل الإسلام.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: فحدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، قال: كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، وما صنع الله له وأراده به من الخير، أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيالٍ كثير؛ فقال رسول الله ص للعباس عمه - وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس؛ إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا فلنخفف عنه من عياله؛ آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ من بنيه رجلًا، فنكفهما عنه. قال العباس: نعم، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلًا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله ص عليا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمه إليه، فلم يزل علي بن أبي طالب مع رسول الله ص حتى بعثه الله نبيًا، فاتبعه علي فآمن به وصدقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه.
حدثنا بن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: فحدثني محمد بن إسحاق، قال: وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله ص كان إذا حضرت الصلاة، خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيًا من عمه أبي طالب وجميع أعمامه وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها؛ فإذا أمسيا رجعًا، فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا. ثم إن أبا طالب عثر عليهما يومًا وهما يصليان، فقال لرسول الله ص: يا بن أخي، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال: أي عم، هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله، ودين أبينا إبراهيم - أو كما قال - بعثني الله به رسولًا إلى العباد، وأنت يا عم أحق من بذلت له النصيحة، ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه، وأعانني عليه - أو كما قال. فقال أبو طالب: يا بن أخي؛ إنى لا أستطيع أن أفارق دينى ودين آبائي وما كانوا عليه؛ ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما حييت.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: وزعموا أنه قال لعلي بن أبي طالب: أي بنى، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ قال: يا أبه، آمنت بالله وبرسوله وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله. فزعموا أنه قال له: أما إنه لا يدعوك إلا إلى خير، فالزمه.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أسلم عليٌ وهو ابن عشر سنين.
قال الحارث: قال ابن سعد: قال الواقدي: واجتمع أصحابنا على أن عليًا أسلم بعدما تنبأ رسول الله بسنة، فأقام بمكة اثنى عشرة سنة.
وقال آخرون: أول من أسلم من الرجال أبو بكر رضي الله عنه.
ذكر من قال ذلك
حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن مجالد، عن الشعبي، قال: قلت لابن عباس: من أول الناس إسلامًا؟ فقال: أما سمعت قول حسان بن ثابت:
إذا تذكرت شجوًا من أخي ثقةٍ ** فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها ** بعد النبي وأوفاها بما حملا
الثاني التالي المحمود مشهده ** وأول الناس منهم صدق الرسلا
وحدثني سعيد بن عنبسة الرازي، قال: حدثنا الهيثم بن عدي، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس نحوه.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الهيثم ابن عدي، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس نحوه.
حدثنا بحر بن نصر الخولاني، قال: " حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني معاوية بن صالح، قال: حدثني أبو يحيى وضمرة بن حبيب وأبو طلحة، عن أبي أمامة الباهلي، قال: حدثني عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله ص وهو نازل بعكاظ، قلت: يا رسول الله، من تبعك على هذا الأمر؟. قال: اتبعني عليه رجلان؛ حرٌ وعبد: أبو بكر وبلال، قال: فأسلمت عند ذلك، قال: فلقد رأيتني إذ ذاك ربع الإسلام.
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: حدثنا صدقة، عن نصر بن علقمة، عن أخيه، عن ابن عائذ، عن جبير بن نفير، قال: كان أبو ذر وابن عبسة كلاهما يقول: لقد رأيتني ربع الإسلام، ولم يسلم قبلي إلا النبي وأبو بكر وبلال، وكلهما لا يدري متى أسلم الآخر.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: أول من أسلم أبو بكر.
حدثنا أبو كريب، قال: حدنا وكيع، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: قال إبراهيم النخعي: أبو بكر أول من أسلم.
وقال آخرون: أسلم قبل أبي بكر جماعة.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا كنانة بن جبلة، عن إبراهيم بن طهمان، عن الحجاج بن الحجاج، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن محمد بن سعد، قال: قلت لأبي: أكان أبو بكر أولكم إسلامًا؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين؛ ولكن كان أفضلنا إسلامًا.
وقال آخرون: كان أول من آمن واتبع النبي من الرجال زيد بن حارثة مولاه.
ذكر من قال ذلك
حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: قال الواقدي: حدثني ابن أبي ذئب، قال: سألت الزهري: من أول من أسلم؟ قال: من النساء خديجة، ومن الرجال زيد بن حارثة.
حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد ابن عمر، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود، عن سليمان ابن يسار، قال: أول من أسلم زيد بن حارثة.
حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد - يعنى ابن عمر - قال: حدثنا ربيعة بن عثمان، عن عمران بن أبي أنس مثله.
وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا عبد الملك ابن مسلمة، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أول من أسلم زيد بن حارثة.
وأما ابن إسحاق، فإنه قال في ذلك ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عنه: ثم أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله ص فكان أول ذكرٍ أسلم، وصلى بعد علي بن أبي طالب، ثم أسلم أبي بكر بن أبي قحافة الصديق، فلما أسلم أظهر إسلامه، ودعا إلى الله عز وجل وإلى رسوله. قال: وكان أبو بكر رجلًا مألفًا لقومه، محببًا سهلًا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير أو شر، وكان رجلًا تاجرًا ذا خلق ومعروفٍ، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه - فيما بلغني - عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله ص حين استجابوا له، فأسلموا وصلوا، فكان هؤلاء الثمانية، النفر الذين سبقوا إلى الإسلام، فصلوا وصدقوا برسول الله ص وآمنوا بما جاء به من عند الله؛ ثم تتابع الناس في الدخول في الإسلام؛ الرجال منهم والنساء؛ حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به الناس.
وقال الواقدي في ذلك ما حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، عنه: اجتمع أصحابنا على أن أول أهل القبلة استجاب لرسول الله ص خديجة بنت خويلد، ثم اختلف عندنا في ثلاثة نفر: في أبي بكر وعلي، وزيد بن حارثة، أيهم أسلم أول.
قال: وقال الواقدي: أسلم معهم خالد بن سعيد بن العاص خامسًا، وأسلم أبو ذر، قالوا: رابعًا أو خامسًا، وأسلم عمرو بن عبسة السلمي، فيقال: رابعًا أو خامسًا. قال: فإنما اختلف عندنا في هؤلاء النفر أيهم أسلم أول، وفي ذلك روايات كثيرة. قال: فيختلف في الثلاثة المتقدمين، وفي هؤلاء الذين كتبنا بعدهم.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني مصعب بن ثابت، قال: حدثنا أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن الأسود بن نوفل، قال: كان إسلام الزبير بعد أبي بكر، كان رابعًا أو خامساًا.
وأما ابن إسحاق، فإنه ذكر أن خالد بن سعيد بن العاص وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة، من خزاعة، أسلما بعد جماعة كثيرة غير الذين ذكرتهم بأسمائهم؛ أنهم كانوا من السابقين إلى الإسلام.
ثم إن الله عز وجل أمر نبيه محمد ص بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بما جاءه منه، وأن يبادي الناس بأمره، ويدعوا إليه، فقال له: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " وكان قبل ذلك - في السنين الثلاث من مبعثه؛ إلى أن أمر بإظهار الدعاء إلى الله - مستسرًا مخفيًا أمره ص، وأنزل عليه: " وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين، فإن عصوك فقل إني برىءٌ مما تعلمون "، قال: وكان أصحاب رسول الله ص إذا صلوا ذهبوا إلى الشعاب، فاستخفوا من قومهم؛ فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب النبي ص في شعب من شعاب مكة إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون؛ حتى قاتلوهم، فاقتتلوا، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلًا من المشركين بلحى جملٍ فشجه، فكان أول دم أهريق في الإسلام.
فحدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: صعد رسول الله ص ذات يوم الصفا، فقال: ياصباحاه! فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ قال: أرأيت إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أما كنتم تصدقونني! قالوا: بلى؛ قال: فإني نذير لكم بين يدي عذابٍ شديد. فقال أبو لهب: تبًا لك! ألهذا دعوتنا - أو جمعتنا! فأنزل الله عز وجل: " تبت يدا أبي لهبٍ وتب " إلى آخر السورة.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية: " وأنذر عشيرتك الأقربين "، خرج رسول الله حتى صعد الصفا، فهتف يا صباحاه! فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد، فقال: يابنى فلان، يا بنى عبد المطلب، يا بنى عبد مناف! فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا، قال: فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديد. فقال أبو لهب: تبًا لك! ما جمعتنا إلا لهذا! ثم قام، فنزلت هذه السورة: " تبت يدا أبي لهبٍ وتب " إلى آخر السورة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن عباس، عن علي بن أبي طالب، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله : " وأنذر عشيرتك الأقربين "، دعاني رسول الله فقال لي: يا علي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعًا، وعرفت أنى متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليه حتى جاءني جبرئيل فقال: يا محمد، إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعًا من طعام، واجعل عليه رحل شاة، واملأ لنا عسًا من لبن؛ ثم اجمع لي بنى عبد المطلب حتى أكملهم، وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به. ثد دعوتهم له؛ وهم يومئذ أربعون رجلًا، يزيدون رجلًا أو ينقصونه؛ فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب؛ فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله حذيةً من اللحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصفحة. ثم قال: خذوا بسم الله، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة وما أرى إلا موضع أيديهم، وايم الله الذي نفس علي بيده؛ وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم. ثم قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا منه حتى رووا منه جميعًا، وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: لهدما سحركم صاحبكم! فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله ، فقال: الغد يا علي؛ إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم إلي.
قال: ففعلت، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة. ثم قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعًا، ثم تكلم رسول الله ، فقال: يا بنى عبد المطلب؛ إنى والله ما أعلم شابًا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به؛ إنى قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيتي وخلفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعًا، وقلت: وإنى لأحدثهم سنًا، وأرمصهم عينًا، وأعظمهم بطنًا، وأحمشهم ساقًا؛ أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي ووصى ووخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
حدثني زكرياء بن يحيى الضرير، قال: حدثنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، أن رجلًا قال لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين، بم ورثت ابن عمك دون عمك؟ فقال علي: هاؤم! ثلاث مرات؛ حتى اشرأب الناس، ونشروا آذانهم. ثم قال: جمع رسول الله - أو دعا رسول الله - بنى عبد المطلب منهم رهطه، كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق، قال: فصنع لهم مدًا من طعام، فأكلوا حتى شبعوا وبقى الطعام كما هو؛ كأنه لم يمس. قال: ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقى الشراب كأنه لم يمس ولم يشربوا. قال: ثم قال: يا بنى عبد المطلب، إنى بعثت إليكم بخاصة وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذا الأمر ما قد رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخى وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحدٌ، فقمت إليه - وكنت أصغر القوم - قال: فقال: اجلس، قال: ثم قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه، فيقول لي: اجلس، حتى كان في الثالثة، فضرب بيده على يدي، قال: فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله : " وأنذر عشيرتك الأقربين "، قام رسول الله ص بالأبطح، ثم قال: يا بنى عبد المطلب، يا بنى عبد مناف، يا بنى قصي - قال: ثم فخذ قريشًا قبيلة قبيلة، حتى مر على آخرهم - إنى أدعوكم إلى الله وأنذركم عذابه.
حدثنا الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا جارية بن أبي عمران، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، قال: أمر رسول الله ص أن يصدع بما جاءه من عند الله، وأن يبادي الناس بأمره، وأن يدعوهم إلى الله، فكان يدعو من أول ما نزلت عليه النبوة ثلاث سنين، مستخفيًا، إلى أن أمر بالظهور للدعاء.
قال ابن إسحاق - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عنه: فصدع رسول الله ص بأمر الله، وبادى قومه بالإسلام، فلما فعل ذلك لم يبعد منه قومه، ولم يردوا عليه بعض الرد - فيما بلغني - حتى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك ناكروه وأجمعوا على خلافه وعداوته إلا من عصم الله منهم بالإسلام؛ وهم قليل مستخفون، وحدب عليه أبو طالب عمه ومنعه، وقام دونه، ومضى رسول الله ص على أمر الله مظهرًا لأمره، لا يرده عنه شيء.
فلما رأت قريش أن رسول الله ص لا يعتبهم من شيء يكرهونه مما أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم، ورأوا أن أبا طالب قد حدب عليه، وقام دونه فلم يسلمه لهم، مشى رجالٌ من أشراف قريش إلى أبي طالب: عتبة ابن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، والأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج - أو من مشى إليه منهم - فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا؛ فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه؛ فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه. فقال لهم أبو طالب قولًا رفيقًا، وردهم ردًا جميلًا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله ص على ما هو عليه؛ يظهر دين الله، ويدعو إليه.
قال: ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال، وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله ص بينها، وتذامروا فيه، وحض بعضهم بعضًا عليه. ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى، فقالوا: يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا؛ وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو تنازله وإياك في ذلك؛ حتى يهلك أحد الفريقين - أو كما قالوا. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم له؛ ولم يطب نفسًا بإسلام رسول الله ص لهم ولا خذلانه.
حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: أن ناسًا من قريش اجتمعوا، فيهم أبو جهل ابن هشام، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث؛ في نفرٍ من مشيخة قريش، فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبي طالب فنكلمه فيه فلينصفنا منه، فيأمره فليكف عن شتم آلهتنا، وندعه وإلهه الذي يعبد؛ فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون منا شيء فتعيرنا العرب؛ يقولون: تركوه، حتى إذا مات عمه تناولوه.
قال: فبعثوا رجلًا منهم يدعى المطلب، فاستأذن لهم على أبي طالب، فقال: هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم، يستأذنون عليك، قال: أدخلهم؛ فلما دخلوا عليه، قالوا: يا أبا طالب، أنت كبيرنا وسيدنا، فأنصفنا من ابن أخيك، فمره فليكف عن شتم آلهتنا، وندعه وإلهه.
قال: فبعث إليه أبو طالب، فلما دخل عليه رسول الله ص قال: يا بن أخي، هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم، وقد سألوك النصف، أن تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك. قال: أي عم، أولا أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها؟ قال: وإلام تدعوهم؟ قال: أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمةٍ تدين لهم العرب، ويملكون بها العرب، ويملكون بها العجم. قال: فقال أبو جهل من بين القوم: ما هي وأبيك؟ لنعطينكها وعشرًا أمثالها. قال: تقول: لا إله إلا الله، قال: فنفروا وتفرقوا وقالوا: سلنا غيره هذه، فقال: لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها! قال: فغضبوا وقاموا من عنده غضابى، وقالوا: والله لنشتمنك وإلهك الذي يأمرك بهذا، " وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيءٌ يراد "، إلى قوله: " إلا اختلاقٌ ".
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 14 (0 من الأعضاء و 14 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)