حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله ص، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري، ثم أخو بنى سالم بن عوف: يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس؛ فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة؛ وأشرافكم قتلا أسلمتموه؛ فمن الآن فهو والله خزي الدنيا والآخرة إن فعلتم، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، على نهكة الأموال، وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة. قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف؛ فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال: الجنة، قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه.
وأما عاصم بن عمر بن قتادة، فقال: والله ما قال العباس ذلك إلا ليشد العقد لرسول الله ص في أعناقهم. وأما عبد الله بن أبي بكر، فقال: والله ما قال العباس ذلك إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي سلول، فيكون أقوى لأمر القوم. والله أعلم أي ذلك كان؛ فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يديه، وبنو عبد الأشهل يقولون: بل أبو الهيثم ابن التيهان.
قال ابن حميد، قال: سلمة، قال محمد: وأما معبد بن كعب بن مالك فحدثني - قال أبو جعفر: وحدثني سعيد بن يحيى بن سعيد - قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن معبد بن كعب، قال: فحدثني في حديثه عن أخيه عبد الله بن كعب عن أبيه كعب بن مالك، قال: كان أول من ضرب على يد رسول اللهالبراء بن معرور؛ ثم تتابع القوم؛ فلما بايعنا رسول الله
صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم والصباة معه، قد اجتمعوا على حربكم! فقال رسول الله
: ما يقول عدو الله؟ هذا أزب العقبة، هذا ابن أزيب؛ اسمع عدو الله؛ أما والله لأفرغن لك. ثم قال رسول الله ص: ارفضوا إلى رحالكم. فقال له العباس ابن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غدا على أهل منى بأسيافنا، فقال رسول الله ص: لم نؤمر بذلك؛ ولكن ارجعوا إلى رحالكم، قال: فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا عليها؛ حتى أصبحنا؛ فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاءونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج؛ إنا قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا؛ وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم؛ قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون لهم بالله: ما كان من هذا شيء وما علمناه.
قال: وصدقوا لم يعلموا. قال: وبعضنا ينظر إلى بعض؛ وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وعليه نعلان جديدان.
قال: فقلت كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: يا أبا جابر؛ أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟ قال: فسمعها الحارث، فخلعهما من رجليه، ثم رمى بهما إلي، وقال: والله لتنتعلنهما. قال: يقول أبو جابر: مه أحفظت والله الفتى! فاردد عليه نعليه، قال: قلت: والله لا أردهما؛ فأل والله صالح؛ والله لئن صدق الفأل لأسلبنه.
فهذا حديث كعب بن مالك عن العقبة وما حضر منها.
قال أبو جعفر: وقال غير ابن إسحاق: كان مقدم من قدم على النبي ص للبيعة من الأنصار في ذي الحجة، وأقام رسول الله ص بعدهم بمكة بقية ذي الحجة من تلك السنة، والمحرم وصفر؛ وخرج مهاجرًا إلى المدينة في شهر ربيع الأول؛ وقدمها يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت منه.
وحدثني علي بن نصر بن علي، وعبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث - قال علي بن نصر: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، وقال عبد الوارث: حدثني أبي - قال: حدثنا أبان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة؛ أنه قال: لما رجع من أرض الحبشة من رجع منها ممن كان هاجر إليها قبل هجرة النبي ص إلى المدينة، جهل أهل الإسلام يزدادون ويكثرون، وإنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناسٌ كثير، وفشا بالمدينة الإسلام؛ فطفق أهل المدينة يأتون رسول الله ص بمكة، فلما رأت ذلك قريش تذامرت على أن يفتنوهم، ويشتدوا عليهم، فأخذوهم وحرصوا على أن يفتنوهم، فأصابهم جهد شديد، وكانت الفتنة الآخرة، وكانت فتنتين: فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة، حين أمرهم بها، وأذن لهم في الخروج إليها، وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة.
ثم إنه جاء رسول الله ص من المدينة سبعون نقيبًا، رءوس الذين أسلموا، فوافوه بالحج فبايعوه بالعقبة، وأعطوه عهودهم؛ على أنا منك وأنت منا، وعلى أنه من جاء من أصحابك أو جئتنا فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا. فاشتدت عليهم قريش عند ذلك، فأمر رسول الله ص أصحابه بالخروج إلى المدينة؛ وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله ص أصحابه وخرج، وهي التي أنزل الله عز وجل فيها: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين كله لله ".
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنهم أتوا عبد الله بن أبي بن سلول - يعني قريشًا - فقالوا مثل ما ذكر كعب بن مالك من القول لهم، فقال لهم: إن هذا لأمرٌ جسيم؛ ما كان قومي ليفوتوا علي بمثل هذا وما علمته كان. فانصرفوا عنه، وتفرق الناس من منىً، فتنطس القوم الخبر فوجدوه قد كان، وخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة بالحاجر، والمنذر بن عمرو أخا بني ساعدة ابن كعب بن الخزرج؛ وكلاهما كان نقيبًا؛ فأما المنذر فأعجز القوم، وأنا سعد فأخذوه، وربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة، يضربونه ويجبذونه بجمته - وكان ذا شعر كثير - فقال سعد: فوالله إني لفي أيديهم؛ إذ طلع علي نفر من قريش؛ فيهم رجلٌ أبيض وضىءٌ شعشاع حلو من الرجال. قال: قلت: إن يكن عند أحدٍ من القوم خير فعند هذا. فلما دنا ما عندهم مني رفع يديه فلطمني لطمة شديدة.
قال: قلت في نفسي: والله ما عندهم بعد هذا خير. قال: فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني؛ إذ أوى إلي رجل منهم ممن معهم، فقال: ويحك! أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهدٌ! قال: قلت: بلى والله، لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجاره، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحارث بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. قال: ويحك! فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما. قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما، فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: إن رجلًا من الخزج الآن يضرب بالأبطح، وإنه ليهتف بكما، ويذكر أن بينه وبينكما جوارًا، قالا: ومن هو؟ قال: سعد بن عبادة، قالا: صدق والله إن كان ليجير تجارنا، ويمنعهم أن يظلموا ببلده. قال: فجاءا فخلصا سعدًا من أيديهم وانطلق. وكان الذي لكم سعدًا سهيل ابن عمرو، أخو بني عامر بن لؤي.
قال أبو جعفر: فلما قدموا المدينة، أظهروا الإسلام بها، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من أهل الشرك، منهم عمرو بن الجموح ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة، وكان ابنه معاذ بن عمرو قد شهد العقبة، وبايع رسول الله ص في فتيان منهم، وبايع رسول الله ص من بايع من الأوس والخزرج في العقبة الآخرة؛ وهي بيعة الحرب حين أذن الله عز وجل في القتال بشروط غير الشروط في العقبة الأولى، وأما الأولى فإنما كانت على بيعة النساء؛ على ما ذكرت الخبر به عن عبادة بن الصامت قبل؛ وكانت بيعة العقبة الثانية على حرب الأحمر والأسود على ما قد ذكرت قبل؛ عن عروة بن الزبير.
وقد حدثنا ابن حميد - قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه الوليد، عن عبادة بن الصامت - وكان أحد النقباء - قال: بايعنا رسول الله ص على بيعة
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 9 (0 من الأعضاء و 9 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)