ثم اختلفوا في اليوم الذي فيه كانت الحرب بينه وبينهم، فقال بعضهم: كانت وقعة بدر يوم تسعة عشر من شهر رمضان.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود، قال: التمسوا ليلة القدر في تسع عشرة ليلةً من رمضان؛ فإنها ليلة بدر.
حدثنا محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حجير الثعلبي، عن الأسود عن عبد الله، قال: التمسوا ليلة القدر في تسع عشرة من رمضان، فإن صبيحتها كانت صبيحة بدر.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبيد بن محمد المحاربي، قال: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن زيد، أنه كان لا يحيي ليلةً من شهر رمضان كما يحيى ليلة تسع عشرة وثلاث وعشرين، ويصبح وجهه مصفرًا من أثر السهر، فقيل له، فقال: إن الله عز وجل فرق في صبحيتها بين الحق والباطل.
وقال آخرون: كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن حجير، عن الأسود وعلقمة، أن عبد الله بن مسعود، قال: التمسوها في سبع عشرة. وتلا هذه الآية: " يوم التقى الجمعان "، يوم بدر، ثم قال: أو تسع عشرة، أو إحدى وعشرين.
حدثنا الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قل: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا الثوري، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، قال: كانت بدر صبيحة تسع عشرة من رمضان.
حدثنا الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثنا الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبدالله مثله.
قال الحارث: قال ابن سعد، قال الواقدي: فذكرت ذلك لمحمد بن صالح، فقال: هذا أعجب الأشياء؛ ما ظننت أن أحدًا من أهل الدنيا شك في هذا؛ إنها صبيحة سبع عشرة من رمضان، يوم الجمعة.
قال محمد بن صالح: وسمعت عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان؛ يقولان ذلك. قال لي محمد بن صالح: يا بن أخي، وما تحتاج إلى تسمية الرجال في هذا! هذا أبين من ذلك؛ ما يجهل هذا النساء في بيوتهن.
قال الواقدي: فذكرته لعبد الرحمن بن أبي الزناد، فقال: أخبرني أبي، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت، أنه كان يحيى ليلة سبع عشرة من شهر رمضان؛ وإنن كان ليصبح وعلى وجهه أثر السهر، ويقول: فرق الله في صبحيتها بين الحق والباطل، وأعز في صبحها الإسلام، وأنزل فيها القرآن، وأذل فيها أئمة الكفر.
وكانت وقعة بدر يوم الجمعة. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى ابن واضح، قال: حدثني يحيى بن يعقوب أبو طالب، عن أبي عون محمد ابن عبيد الله الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب، قال: قال قال الحسن بن علي بن أبي طالب: كانت ليلة الفرقان يوم التقى، الجمعان، لسبع عشرة من رمضان.
وكان الذي هاج وقعة بدر وسائر الحروب التي كانت بين رسول الله ص وبين مشركي قريش - فيما قال عروزة بن الزبير - ما كان من قتل واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي.
ذكر وقعة بدر الكبرى
حدثنا علي بن نصر بن علي، وعبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث - قال علي: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، وقال عبد الوارث: حدثني أبي - قال: حدثنا أبان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن وعروة، أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: أما بعد، فإنك كتبت إلى في أبي سفيان ومخرجه، تسألني كيف كان شأنه؟ كان من شأنه أن أبا سفيان بن حرب أقبل من الشام في قريب من سبعين راكبًا من قبائل قريش كلها، كانوا تجارًا بالشام، فأقبلوا جميعًا معهم أموالهم وتجارتهم، فذكروا لرسول الله ص وأصحابة؛ وقد كانت الحرب بينهم قبل ذلك، فقتلت قتلى، وقتل ابن الحضرمي في ناس بنخلة، وأسرت أسارى من قريش؛ فيهم بعض بني المغيرة، وفيهم ابن كيسان مولاهم، أصابهم عبد الله بن جحش وواقد حليف بني عدي بن كعب، في ناسٍ من أصحاب رسول الله ص بعثهم مع عبد الله بن جحش، وكانت تلك الوقعة هاجت الحرب بين رسول الله ص وبين قريش، وأول ما أصاب به بعضهم بعضًا من الحرب، وذلك قبل مخرج أبي سفيان وأصحابه إلى الشأم.
ثم إن أبا سفيان أقبل بعد ذلك ومن معه من ركبان قريش مقبلين من الشأم، فسلكوا طريق الساحل، فلما سمع بهم رسول اللهندب أصحابه وحدثهم بما معهم من الأموال، وبقلة عددهم، فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان والركب معه؛ لا يرونها إلا غنيمة لهم؛ لا يظنون أن يكون كبير قتال إذا لقوهم، وهي التي أنزل الله عز وجل فيها: " وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ".
فلما سمع أبو سفيان أن أصحاب رسول الله ص معترضون له، بعث إلى قريش: إن محمدا وأصحابه معترضون لكم، فأجيروا تجارتكم. فلما أتى قريشًا الخبر - وفي عير أبي سفيان؛ من بطون كعب ابن لؤي كلها - نفر لها أهل مكة؛ وهي نفرة بني كعب بن لؤي، ليس فيها من بني عامر أحدٌ إلا من كان من بني مالك بن حسل؛ ولم يسمع بنفرة قريش رسول الله ص ولا أصحابه؛ حتى قدم النبي ص بدرًا - وكان طريق ركبان قريش، من أخذ منهم طريق الساحل إلى الشأم - فخفض أبو سفيان عن بدر ولزم طريق الساحل، وخاف الرصد على بدر وسار النبي ص، حتى عرس قريبًا من بدر، وبعث النبي ص الزبير بن العوام في عصابة من أصحابه إلى ماء بدر، وليسوا يحسبون أن قريشًا خرجت لهم، فبينا النبي ص قائم يصلي؛ إذا ورد بعد روايا قريش ماء بدر وفيمن ورد من الروايا غلام لبني الحجاج أسود؛ فأخذه النفر الذي بعثهم النبي ص مع الزبير إلى الماء، وأفلت بعض أصحاب العبد نحو قريش، فأقبلوا به حتى أتوا به رسول الله ص وهو في معرسه، فسألوه عن أبي سفيان وأصحابه؛ لا يحسبون إلا أنه معهم، فطفق العبد يحدثهم عن قريش ومن خرج منها، وعن رءوسهم، ويصدقهم الخبر، وهو أكره شيء إليهم الخبر الذي يخبرهم؛ وإنما يطلبون حينئذ بالركب أبا سفيان وأصحابه، والنبي ص يصلي؛ يركع ويسجد ويرى ويسمع ما يصنع بالعبد، فطفقوا إذا ذكر لهم أنها قريش جاءتهم ضربوه وكذبوه وقالوا: إنما تكتمنا أبا سفيان وأصحابه؛ فجعل العبد إذا أذلقوه بالضرب وسألوه عن أبي سفيان وأصحابه - وليس لهم بهم علم؛ إنما هو من روايا قريش - قال: نعم، هذا أبو سفيان والركب حينئذ أسفل منهم؛ قال الله عز وجل: " إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم " - حتى بلغ - " أمرًا كان مفعولًا "، فطفقوا إذا قال لهم العبد: هذه قريش قد أتتكم ضربوه، وإذا قال لهم: هذا أبو سفيان تركوه.
فلما رأى صنيعهم النبي ص انصرف من صلاته وقد سمع الذي أخبرهم فزعموا أن رسول الله ص، قال: والذي نفسي بيده، إنكم لتضربونه إذا صدق وتتركونه إذا كذب! قالوا: فإنه يحدثنا أن قريشًا قد جاءت، قال: فإنه قد صدق؛ قد خرجت قريش تجير ركابها، فدعا الغلام فسأله فأخبره بقريش، وقال: لا علم لي بأبي سفيان، فسأله: كم القوم؟ فقال: لا أدري؛ والله هم كثير عددهم. فزعموا أن النبي ص، قال: من أطعمهم أول من أمس؟ فسمى رجلًا أطعمهم، فقال: كم جزائر نحر لهم؟ قال: تسع جزائر، قال فمن أطعمهم أمس؟ فسمى رجلًا، فقال كم نحر لهم؟ قال: عشر جزائر؛ فزعموا أن النبي ص قال: القوم ما بين التسعمائة إلى الألف. فكان نفرة قريش يومئذ خمسين وتسعمائة.
فانطلق النبي ص فنزل الماء وملأ الحياض، وصف عليها أصحابه، حتى قدم عليه القوم، فلما ورد رسول الله ص بدرًا قال: هذه مصارعهم؛ فوجدوا النبي ص قد سبقهم إليه ونزل عليه. فلما طلعوا عليه زعموا أن النبي ص قال: هذه قريش قد جاءت بجلبتها وفخرها؛ تحادك وتكذب رسولك! اللهم إني أسألك ما وعدتني.
فلما أقبلوا استقبلهم، فحثا في وجوههم التراب؛ فهزمهم الله. وكانوا قبل أن يلقاهم النبي ص قد جاءهم راكب من أبي سفيان والركب الذين معه: أن ارجعوا - والركب الذين يأمرون قريشًا بالرجعة بالجحفة - فقالوا: والله لا نرجع حتى ننزل بدرًا، فنقيم فيه ثلاث ليال، ويرانا من غشينا من أهل الحجاز؛ فإنه لن يرانا أحد من العرب وما جمعنا فيقاتلنا. وهم الذين قال الله عز وجل: " الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس "؛ فالتقوا هم والنبي ص، ففتح الله على رسوله، وأخزى أئمة الكفر وشفى صدور المسلمين منهم.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 7 (0 من الأعضاء و 7 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)