حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، أن أمية بن خلف كان قد أجمع القعود، وكان شيخًا جليلًا ثقيلًا، فأتاه عقبة بن أبي معيط، وهو جالس في المسجد بين ظهري قومه بمجمرة يحملها، فيها نار ومجمر، حتى وضعها بين يديه، ثم قال: يا أبا علي، استجمر، فإنما أنت من النساء، قال: قبحك الله وقبح ما جئت به! قال: ثم تجهز مع الناس، فلما فرغوا من جهازهم، وأجمعوا السير؛ ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب، فقالوا: إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق، وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، قال: لما أجمعت قريش المسير، ذكرت الذي بينها وبين بني بكر؛ فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعثم المدلجي - وكان من أشراف كنانة - فقال: أنا جارٌ لكم من أن يأتيكم كنانة بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعًا.
قال أبو جعفر: وخرج رسول الله ص - فيما بلغني عن غير ابن إسحاق - لثلاث ليال خلون من شهر رمضان في ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا من أصحابه؛ فاختلف في مبلغ الزيادة على العشرة.
فقال بعضهم، كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلًا.
ذكر من قال ذلك
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن أصحاب بدر يوم بدر كعدة أصحاب طالوت، ثلثمائة رجل وثلاثة عشر رجلًا؛ الذين جاوزوا النهر؛ فسكت.
حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا أبو مالك الجنبي، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلًا؛ وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلًا، وكان صاحب راية رسول الله ص علي بن أبي طالب عليه السلام، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة.
وقال آخرون: كانوا ثلثمائة رجل وأربعة عشر، من شهد منهم، ومن ضرب بسهمه وأجره؛ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق.
وقال بعضهم: كانوا ثلثمائة وثمانية عشر.
وقال آخرون: كانوا ثلثمائة وسبعة.
وأما عامة السلف، فإنهم قالوا: كانوا ثلثمائة رجل وبضعة عشر رجلًا.
ذكر من قال ذلك
حدثنا هارون بن إسحاق، قال: حدثنا مصعب بن المقدام، وحدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قالا: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر - ولم يجز معه إلا مؤمن - ثلثمائة وبضعة عشر.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن أصحاب النبي ص كانوا يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا، على عدة أصحاب طالوت؛ من جاز معه النهر؛ وما جاز معه إلا مؤمنٌ.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي؛ عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، بنحوه.
حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد ابن المغيرة، عن مسعر، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: عدة أهل بدر عدة أصحاب طالوت.
حدثني أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مسعر، عن أبي إسحاق، عن البراء، مثله.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبي الله ص قال لأصحابه يوم بدر: أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت، وكان أصحاب نبي الله ص يوم بدر ثلثمائةً وبضعة عشر رجلًا.
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: خلص طالوت في ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا؛ عدة أصحاب بدر.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كان مع النبي ص يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: وخرج رسول الله ص في أصحابه، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة أخا بني مازن بن النجار، في ليالٍ مضت من شهر رمضان؛ فسار حتى إذا كان قريبًا من الصفراء، بعث بسبس بن عمرو الجهني، حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر، يتحسسان له الأخبار عن أبي سفيان بن حرب وعيره، ثم ارتحل رسول الله ص، وقد قدمهما؛ فلما استقبل الصفراء - وهي قرية بين جبلين - سأل عن جبليهما: ما أسماءهما؟ فقالوا لأحدهما: هذا مسلح؛ وقالوا للآخر: هذا مخرىء، وسأل عن أهلهما، فقالوا: بنو النار وبنو حراق بطنان من بني غفار، فكرههما رسول الله ص والمرور بينهما، وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهاليهما؛ فتركهما والصفراء بيسار، وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران؛ فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل.
وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار النبي ص الناس، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر رضي الله عنه، فقال فأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو، فقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله، فنحن معك؛ والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون "؛ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله ص خيرًا، ودعا له بخير.
حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى، قال: حدثنا المخارق، عن طارق، عن عبد الله بن مسعود، قال: لقد شهدت من المقداد مشهدًا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الأرض من شيء؛ كان رجلًا فارسًا، وكان رسول الله ص إذا غضب احمارت وجنتاه، فأتاه المقداد على تلك الحال، فقال، أبشر يا رسول الله، فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اذهب أن وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون "، ولكن والذي بعثك بالحق لنكونن من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، أو يفتح الله لك.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. ثم قال رسول الله ص: أشيروا علي أيها الناس - وإنما يريد الأنصار؛ وذلك أنهم كانوا عدد الناس؛ وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله؛ إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا؛ نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا؛ فكان رسول الله ص يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصرته؛ إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم - فلما قال ذلك رسول الله ص، قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله! قال: أجل، قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا؛ على السمع والطاعة، فامضي يا رسول الله لما أردت؛ فوالذي بعثك بالحق إن اسعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك؛ ما تخلف منا رجلٌ واحد؛ وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا! إن لصبرٌ عند الحرب؛ صدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك؛ فسر بنا على بركة الله.
فسر رسول الله ص بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: سيروا على بركة الله، وأبشروا؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين؛ والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.
ثم ارتحل رسول الله ص من ذفران، فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر، ثم انحط منها على بلد يقال لها الدبة، وترك الحنان بيمين؛ - وهو كثيب عظيم كالجبل - ثم نزل قريبًا من بدر، فركب هو ورجلٌ من أصحابه - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان - حتى وقف على شيخ من العرب؛ فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه، وما بلغه عنهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما! فقال له رسول الله ص: إذا أخبرتنا أخبرناك؛ فقال: وذاك بذاك! قال: نعم، قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدقني الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به رسول الله ص - وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا؛ فإن كان الذي حدثني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به قريش - فلما فرغ من خبره، قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله ص: نحن من ماء، ثم انصرف عنه. قال: يقول الشيخ: ما من ماءٍ، أمن ماء العراق! ثم رجع رسول الله ص إلى أصحابه؛ فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص، في نفرٍ من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون له الخبر عليه - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال، حدثنا محمد بن إسحاق، كما حدثني يزيد بن رومان، عن عرورة بن الزبير - فأصابوا راويةً لقريش فيها أسلم؛ غلام بني الحجاج، وعريض أبو يسار، غلام بني العاص بني سعيد؛ فأتوا بهما رسول الله ص، ورسول الله ص قائم يصلي؛ فسألوهما، فقالا: نحن سقاة قريش؛ بعثونا لنسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما، فلما أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما، وركع رسول الله ص، وسجد سجدتين، ثم سلم، فقال: إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما! صدقا والله! إنهما لقريش؛ أخبراني: أين قريش؟ قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب: العقنقل - فقال رسول الله ص لهما: كم القوم؟ قالا: كثيرٌ، قال: ما عدتهم؟ قالا: لا ندري، قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، قال رسول الله ص: القوم ما بين التسعمائة والألف.
ثم قال لهما رسول الله ص: فمن فيهم من أشراف قريش؟ قال: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنضر بن الحارث بن كلدة، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل ابن هشام، وأمية بن خلف ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود. فأقبل رسول الله ص على الناس، فقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
قالوا: وقد كان بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء مضيا حتى نزلا بدرًا، فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شنًا يستقيان فيه - ومجدى بن عمرو الجهنى على الماء - فسمع عدى وبسبس جاريتين من جواري الحاضر؛ وهما تتلازمان على الماء؛ والملزومة تقول لصاحبتها: إنما تأتي العير غدًا أو بعد غد، فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك. قال: مجدى: صدقت، ثم خلص بينهما؛ وسمع ذلك عدى وبسبس، فجلسا على بعيرهما، ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله ص، فأخبراه بما سمعا.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)