حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جعفر بن عون، عن إبراهيم بن إسماعيل، قال: وأخبرني جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله ص بعثه وحده عينًا إلى قريش، قال: فجئت إلى خشبة خبيبٍ وأنا أتخوف العيون فرقيت فيها، فحللت خبيبًا، فوقع إلى الأرض، فانتبذت غير بعيد، ثم التفت فلم أر لخبيب رمة؛ فكأنما الأرض ابتلعته؛ فلم تذكر لخبيب رمة حتى الساعة.
قال أبو جعفر: وأما زيد بن الدثنة، فإن صفوان بن أمية بعث به - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق - مع مولى له يقال له نسطاس إلى التنعيم، وأخرجه من الحرم ليقتله، واجتمع واجتمع إليه رهط من قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدًا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك! قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي. قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت في الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا. ثم قتله نسطاس.
ذكر الخبر عن عمرو بن أمية الضمري إذ وجهه رسول الله ص لقتل أبي سفيان بن حرب
ولما قتل من وجهه النبي ص إلى عضل والقارة من أهل الرجيع، وبلغ خبرهم رسول الله ص بعث عمرو بن أمية الضمري إلى مكة مع رجل من الأنصار، وأمرهما بقتل أبي سفيان بن حرب، فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن جعفر بن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه، عن جده - يعني عمرو بن أمية - قال: قال عمرو بن أمية: بعثني رسول الله ص بعد قتل خبيب وأصحابه، وبعث معي رجلًا من الأنصار، فقال: ائتيا أبا سفيان بن حرب فاقتلاه، قال: فخرجت أنا وصاحبي ومعي بعير لي، وليس مع صاحبي بعير، وبرجله علة. فكنت أحمله على بعيري، حتى جئنا بطن يأجج، فعقلنا بعيرنا في فناء شعب، فأسندنا فيه، فقلت لصاحبي: انطلق بنا إلى دار أبي سفيان، فإني محاول قتله. فانظر، فإن كانت مجاولة أو خشيت شيئًا فالحق ببعيرك فاركبه، والحق بالمدينة فأت رسول الله ص فأخبره الخبر، وخل عني، فإني رجل عالم بالبلد جرئ عليه، نجيب الساق. فلما دخلنا مكة ومعي مثل خافية النسر - يعني خنجره - قد أعددته، إن عانقني إنسان قتلته به، فقال لي صاحبي: هل لك أن نبدأ فنطوف بالبيت أسبوعًا، ونصلي ركعتين؟ فقلت: أنا أعلم بأهل مكة منك، إنهم إذا أظلموا رشوا أفنيتهم، ثم جلسوا بها، وأنا أعرف بها من الفرس الأبلق.
قال: فلم يزل بي حتى أتينا البيت، فطفنا به أسبوعًا، وصلينا ركعتين، ثم خرجنا فمررنا بمجلس من مجالسهم فعرفني رجل منهم، فصرخ بأعلى صوته. هذا عمرو بن أمية! قال: فتبادرتنا أهل مكة وقالوا: تالله ما جاء بعمرو خير! والذي يحلف به ما جاءها قط إلا لشر - وكان عمرو رجلًا فاتكًا متشيطنًا في الجاهلية - قال: فقاموا في طلبي وطلب صاحبي فقلت له: النجاء! هذا والله الذي كنت أحذر، أما الرجل فليس إليه سبيل، فانج بنفسك، فخرجنا نشتد حتى أصعدنا في الجبل، فدخلنا في غار، فبتنا فيه ليلتنا، وأعجزناهم، فرجعوا وقد استترت دونهم بأحجار حين دخلت الغار، وقلت لصاحبي: أمهلني حتى يسكن الطلب عنا، فإنهم والله ليطلبنا ليلتهم هذه ويومهم هذا حتى يمسوا. قال: فوالله إني لفيه إذ أقبل عثمان بن مالك بن عبيد الله التيمي يتخيل بفرس له، فلم يزل يدنو ويتخيل بفرسه حتى قام علينا بباب الغار. قال: فقلت لصاحبي: هذا والله ابن مالك، والله لئن رآنا ليعلمن بنا أهل مكة. قال: فخرجت إليه فوجأته بالخنجر تحت الثدي، فصاح صيحة أسمع أهل مكة، فأقبلوا إليه، ورجعت إلى مكاني، فدخلت فيه، وقلت لصاحبي: مكانك! واتبع أهل مكة الصوت يشتدون، فوجدوه به رمق، فقالوا: ويلك من ضربك! قال عمرو بن أمية: ثم مات وما أدركوا ما يستطيع أن يخبرهم بمكاننا، فقالوا: والله لقد علمنا أنه لم يأت لخير، وشغلهم صاحبهم عن طلبنا فاحتملوه، ومكثنا في الغار يومين حتى سكن عنا الطلب. ثم خرجنا إلى التنعيم، فإذا خشبة خبيب، فقال لي صاحبي: هل لك في خبيب تنزله عن خشبته؟ فقلت أين هو؟ قال: هو ذاك حيث ترى. فقلت: نعم، فأمهلني وتنح عني. قال: وحوله حرس يحرسونه، قال عمرو بن أمية: فقلت للأنصاري: إن خشيت شيئًا فخذ الطريق إلى جملك فاركبه والحق برسول الله ص، فأخبره الخبر، فأشتددت إلى خشبته فاحتللته واحتملته على ظهري فوالله ما مشيت إلا نحو أربعين ذراعًا حتى نذروا بي، فطرحته فما أنسى وجبته حين سقط فاشتدوا في أثري، فأخذت طريق الصفراء فأعيوا فرجعوا، وانطلق صاحبي إلى بعيره فركبه ثم أتى النبي ص فأخبره أمرنا وأقبلت أمشي حتى إذا أشرفت على الغليل، غليل ضجنان، دخلت غارًا فيه، ومعي قوسي وأسهمي، فبينا أنا فيه إذ دخل علي رجل من بني الديل بن بكر، أعور طويل يسوق غنمًا له، فقال: من الرجل؟ فقلت: رجل من بني بكر، قال: وأنا من بني بكر، ثم أحد بني الديل. ثم اضطجع معي فيه، فرفع عقيرته يتغنى ويقول:
ولست بمسلمٍ ما دمت حيًا ** ولست أدين دين المسلمينا
فقلت: سوف تعلم! فلم يلبث الأعرابي أن نام وغط، فقمت إليه فقتلته أسوأ قتلة قتلها أحدٌ أحدًا؛ قمت إليه فجعلت سية قوسي في عينه الصحيحة، ثم تحاملت عليها حتى أخرجتها من قفاه.
قال: ثم أخرج مثل السبع، وأخذت المحجة كأني نسر، وكان النجاء حتى أخرج على بلد قد وصفه، ثم على ركوبة، ثم على النقيع، فإذا رجلان من أهل مكة بعثتهما قريش يتحسسان من أمر رسول الله ص، فعرفتهما فقلت: استأسر، فقالا: أنحن نستأسر لك! فأرمي أحدهما بسهم فأقتله، ثم قلت للآخر: استأسر، فاستأسر، فأوثقته، فقدمت به على رسول الله ص.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن سليمان بن وردان، عن أبيه، عن عمرو بن أمية، قال: لما قدمت المدينة، مررت بمشيخةٍ من الأنصار، فقالوا: هذا والله عمرو بن أمية، فسمع الصبيان قولهم، فاشتدوا إلى رسول الله ص يخبرونه، وقد شددت إبهام أسيري بوتر قوسي، فنظر النبي ص إليه فضحك حتى بدت نواجذه، ثم سألني فأخبرته الخبر، فقال لي خيرًا ودعا لي بخير.
وفي هذه السنة تزوج رسول الله ص زينب بنت خزيمة أم المساكين من بني هلال في شهر رمضان، ودخل بها فيه، وكان أصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشًا، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث، فطلقها.
ذكر خبر بئر معونة
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة - أعني سنة أربع من الهجرة - كان من أمر السرية التي وجهها رسول الله ص، فقتلت ببئر معونة. وكان سبب توجيه النبي ص إياهم لما وجههم له، ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: وحدثني محمد بن إسحاق، قال: فأقام رسول الله ص بالمدينة بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة والمحرم، وولى تلك الحجة المشركون.
ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد، وكان من حديثهم ما حدثني أبي: إسحاق بن يسار، عن المغيرة بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وغيرهما من أهل العلم، قالوا: قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة - وكان سيد بني عامر بن صعصعة - على رسول الله ص المدينة؛ وأهدى إليه هدية، فأبى رسول الله ص أن يقبلها، وقال: يا أبا براء، لا أقبل هدية مشرك، فأسلم إن أردت أن أقبل هديتك. ثم عرض عليه الإسلام، وأخبره بما له فيه، وما وعد الله المؤمنين من الثواب، وقرأ عليه القرآن فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد، إن أمرك هذا الذي تدعو إليه حسنٌ جميل، فلو بعثت رجالًا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك. فقال رسول الله ص: إني أخشى عليهم أهل نجد! فقال أبو براء: أنا لهم جارٌ، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك. فبعث رسول الله ص المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة المعنق ليموت في أربعين رجلًا من أصحابه من خيار المسلمين، منهم الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي، ونافع ابن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، في رجال مسمين من خيار المسلمين.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: بعث رسول الله ص المنذر بن عمرو في سبعين راكبًا، فساروا حتى نزلوا بئر معونة - وهي أرض بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، كلا البلدين منها قريب، وهي إلى حرة بني سليم أقرب - فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله ص إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه، حتى عدا على رجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، فقالوا: لن نخفر أبا براء، قد عقد لهم عقدًا وجوارًا، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم: عصية، ورعلًا، وذكوان، فأجابوه إلى ذلك، فخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا السيوف، ثم قاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم، إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار، فإنهم تركوه وبه رمقٌ، فارتث من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق.
وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري، ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف؛ فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر، فقالا: والله إن لهذه الطير لشأنًا، فأقبلا لينظرا إليه، فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة. فقال الأنصاري لعمرو بن أمية: ماذا ترى؟ قال: أرى أن نلحق برسول الله ص فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لتخبرني عنه الرجال. ثم قاتل القوم حتى قتل، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرًا، فلما أخبرهم أنه من مضر، أطلقه عامر بن الطفيل، وجز ناصيته، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه.
فخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة، أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا معه في ظل هو فيه، وكان مع العامريين عقدٌ من رسول الله ص وجوارٌ لم يعلم به عمرو بن أمية، وقد سألهما حين نزلا: ممن أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر، بما أصابوا من أصحاب رسول الله ص. فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله ص أخبره الخبر، فقال رسول الله ص: لقد قتلت قتيلين لأدينهما. ثم قال رسول الله ص: هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارهًا متخوفًا. فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه، وما أصاب رسول الله ص بسببه وجواره. وكان فيمن أصيب عامر بن فهيرة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عامر بن الطفيل، كان يقول: إن الرجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه. قالوا: هو عامر بن فهيرة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن أحد بني جعفر، رجل من بني جبار بن سلمى بن مالك ابن جعفر، قال: كان جبار فيمن حضرها يومئذ مع عامر، ثم أسلم بعد ذلك.
قال: فكان يقول: مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلًا منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره، فسمعته يقول حين طعنته: فزت والله! قال: فقلت في نفسي: ما فاز! أليس قد قتلت الرجل! حتى سألت بعد ذلك عن قوله، فقالوا: الشهادة، قال: فقلت: فاز لعمر الله! فقال حسان بن ثابت يحرض بني أبي البراء على عامر بن الطفيل:
بني أم البنين ألم يرعكم ** وأنتم من ذوائب أهل نجد
تهكم عامرٍ بأبي براء ** ليخفره، وما خطأ كعمد
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي ** فما أحدثت في الحدثان بعدي
أبوك أبو الحروب أبو براءٍ ** وخالك ماجدٌ حكم بن سعد
وقال كعب بن مالك في ذلك أيضًا:
لقد طارت شعاعًا كل وجهٍ ** خفارة ما أجارأبو براء
فمثل مسهبٍ وبني أبيه ** بجنب الرده من كنفي سواء
بني أم البنين أما سمعتم ** دعاء المستغيث مع المساء!
وتنويه الصريخ بلى ولكن ** عرفتم أنه صدق اللقاء
فما صفرت عياب بني كلابٍ ** ولا القرطاء من ذم الوفاء
أعامر عامر السوءات قدمًا ** فلا بالعقل فزت ولا السناء
أأخفرت النبي وكنت قدمًا ** إلى السوءات تجري بالعراء!
فلست كجار جار أبي داودٍ ** ولا الأسدي جار أبي العلاء
ولكن عاركم داءٌ قديمٌ ** وداء الغدر فأعلم شر داء
فلما بلغ ربيعة بن عامر أبي البراء قول حسان وقول كعب، حمل على عامر بن الطفيل فطعنه، فشطب الرمح عن مقتله، فخر عن فرسه. فقال: هذا عمل أبي براء! إن مت فدمي لعمي ولا يتبعن به؛ وإن أعش فسأرى رأيي فيما أتى إلي.
حدثني محمد بن مرزوق، قال: حدثنا عمرو بن يونس، عن عكرمة، قال: حدثنا إسحاق بن أبي طلحة، قال: حدثني أنس بن مالك في أصحاب رسول الله ص الذين أرسلهم رسول الله ص إلى أهل بئر معونة، قال: لا أدري، أربعين أو سبعين! وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري، فخرج أولئك النفر من أصحاب النبي ص الذين بعثوا، حتى أتوا غارًا مشرفًا على الماء قعدوا فيه. ثم قال بعضهم لبعض: أيكم يبلغ رسالة رسول الله ص أهل هذا الماء؟ فقال - أراه ابن ملحان الأنصاري -: أنا أبلغ رسالة رسول الله ص، فخرج حتى أتى حواءً منهم، فاحتبى أما البيوت، ثم قال: يا أهل بئر معونة، إني رسول رسول الله إليكم، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فآمنوا بالله ورسوله.
فخرج إليه من كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر، فقال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة! فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار، فقتلهم أجميعين عامر بن الطفيل.
قال إسحاق: حدثني أنس بن مالك أن الله عز وجل أنزل فيهم قرآنًا: " بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا، فرضى عنا، ورضينا عنه "، ثم نسخت، فرفعت بعد ما قرأناه زمانًا، وأنزل الله عز وجل: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون، فرحين " حدثني العباس بن الوليد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك، قال: بعث رسول الله ص إلى عامر بن الطفيل الكلابي سبعين رجلًا من الأنصار.
قال: فقال أميرهم: مكانكم حتى آتيكم بخبر القوم! فلما جاءهم قال: أتؤمنونني حتى أخبركم برسالة رسول الله ص؟ قالوا: نعم، فبينا هو عندهم؛ إذا وخزه رجلٌ منهم بالسنان. قال: فقال الرجل: فزت ورب الكعبة! فقتل، فقال: عامر: لااحسبه إلا أن له أصحابً، فاقتصوا أثره حتى أتوهم فقتلوهم، فلم يفلت منهم إلا رجلٌ واحدٌ.
قال أنس: فكنا نقرأ فيما نسخ: " بلغوا عنا إخواننا أن قد لقينا ربنا، فرضى عنا ورضينا عنه ".
وفي هذه السنة - أعني السنة الرابعة من الهجرة - أجلى النبي ص بني النضير من ديارهم.
ذكر خبر جلاء بني النضير
قال أبو جعفر: وكان سبب ذلك ما قد ذكرنا قبل من قتل عمرو بن أمية الضمري الرجلين الذين قتلهما في منصرفه من الوجه الذي كان رسول الله ص وجهه إليه مع أصحابه بئر معونة، وكان لهما من رسول الله ص جوارٌ وعهدٌ.
وقيل إن عامر بن الطفيل كتب إلى رسول الله ص: إنك قتلت رجلين لهما منك جوارٌ وعهدٌ؛ فابعث بديتهما. فانطلق رسول الله ص إلى قباء، ثم مال إلى بني النضير مستعينًا بهم في ديتهما، ومعه نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر وعلي وأسيد بن حضير.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: خرج رسول الله ص إلى بني النضير، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري، للجوار الذي كان رسول الله ص عقده لهما؛ - كما حدثني يزيد بن رومان - وكان بين بني النضير وبين بني عامر حلف وعقد؛ فلما أتاهم رسول الله ص يستعينهم في دية ذنيك القتيلين؛ قالوا: نعم أبا القاسم، نعنيك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه. ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا هذا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله ص إلى جنب جدار من بيوتهم، قاعد - فقالوا: من رجل يعلو على هذا البيت، فيلقى عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم؛ فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه الصخرة - كما قال - ورسول الله ص في نفر من أصحابه؛ فيهم أبو بكر وعمر وعلي؛ فأتى رسول الله ص الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وقال لأصحابه: لا تبرحوا حتى آتيكم، وخرج راجعًا إلى المدينة، فلما استلبث رسول الله ص أصحابه، قاموا في طلبه، فلقوا رجلًا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلًا المدينة، فأقبل أصحاب رسول الله ص حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود قد أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله ص بالتهيؤ لحربهم، والسير إليهم.
ثم سار بالناس إليهم؛ حتى نزل بهم، فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله ص بقطع النخل والتحريق فيها، فنادوه: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها! قال أبو جعفر: وأما الواقدي، فإنه ذكر ان بني النضير لما تآمروا بما تآمروا به من إدلاء الصخرة على رسول الله ص، نهاهم عن ذلك سلام من مشكم وخوفهم الحرب وقال: هو يعلم ما تريدون، فعصوه، فصعد عمرو بن جحاش ليدحرج الصخرة، وجاء النبي ص الخبر من السماء، فقام كأنه يريد حاجة، وانتظره أصحابه، فأبطأ عليهم، وجعلت يهود تقول: ما حبس أبا القاسم، وانصرف أصحابه؟ فقال كنانة بن صوريًا: جاءه الخبر بما هممتم به، قال: ولما رجع أصحاب رسول الله ص انتهوا إليه وهو جالس في المسجد، فقالوا: يا رسول الله، انتظرناك ومضيت، فقال: همت يهود بقتلي، وأخبرنيه الله عز وجل، ادعوا لي محمد بن مسلمة، قال: فأتى محمد بن مسلمة، فقال: اذهب إلى يهود فقل لهم: اخرجوا من بلادي فلا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به من الغدر.
قال: فجاءهم محمد بن مسلمة، فقال لهم: إن رسول الله ص يأمركم أن تظعنوا من بلاده، فقالوا: يا محمد، ما كنا نظن أن يجيئنا بهذا رجل من الأوس! فقال محمد: تغيرت القلوب، ومحا الإسلام العهود؛ فقالوا: نتحمل. قال: فأرسل إليهم عبد الله بن أبي يقول: لا تخرجوا، فإن معي من العرب وممن انضوى إلى من قومي ألفين، فأقيموا فيهم يدخلون معكم، وقريظة تدخل معكم. فبلغ كعب بن أسد صاحب عهد بني قريظ فقال: لا ينقض العهد رجل من بني قريظة وأنا حيٌ، فقال سلام بن مشكم لحيي بن أخطب: يا حيي اقبل هذا الذي قال محمد، فإنما شرفنا على قومنا بأموالنا قبل أن تقبل ما هو شر منه. قال: وما هو شرٌ منه؟ قال: أخذ الأموال وسبى الذرية وقتل المقاتلة، فأبى حيي، فأرسل جدي ابن أخطب إلى رسول الله صص: إنا لا نريم دارنا فاصنع ما بدا لك! قال: فكبر رسول الله ص، وكبر المسلمون معه، وقال: حاربت يهود، وانطلق جدى إلى ابن أبي يستمده. قال: فوجدته جالسًا في نفر من أصحابه، ومنادى النبي ص ينادي بالسلاح، فدخل ابنه عبد الله بن عبد الله ابن أبي، وأنا عنده، فأخذ السلاح، ثم خرج يعدو، قال: فأيست من معونته. قال: فأخبرت بذلك كله حييًا، فقال: هذه مكيدة من محمد، فزحف إليهم رسول الله ص، فحاصرهم رسول الله ص خمسة عشر يومًا؛ حتى صالحوه على أن يحقن دماءهم، وله الأموال والحلقة.
فحدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثنتي أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: حاصرهم رسول الله ص - يعني بني النضير - خمسة عشر يومًا حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، ويسيرهم إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرًا وسقاءً.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: قاتلهم النبي حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، على أن لهم ما أقلت الإبل من شيء إلا الحلقة - والحلقة: السلاح.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم عبد الله بن أبي بن سلول ووديعة ومالك بن أبي قوقل، وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتمنعوا؛ فإنا لن نسلمكم؛ وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا فلم يفعلوا؛ وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا: رسول الله ص أن يجليهم، ويكف عن دمائهم؛ على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم؛ إلا الحلقة. ففعل. فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره، فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، فكان أشرافهم ممن سار منهم إلى خيبر سلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وحيى بن أخطب، فلما نزلوها دان لهم أهلها.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث أنهم استقلوا بالنساء والأبناء والأموال، معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم، وأن فيهم يومئذ لأم عمرو، صاحبة عروة بن الورد العبسي؛ التي ابتاعوا منه، وكانت إحدى نساء بني غفار بزهاء وفخر، وما رئى مثله من حي من الناس في زمانهم؛ وخلوا الأموال لرسول الله ص، فكانت لرسول الله ص خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله ص على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأباد جانة سماك بن خرشة، ذكرا فقرًا فأعطاهما رسول الله ص. ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: يامين بن عمير بن كعب ابن عم عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب، أسلما على أموالهما فأحرازها.
قال أبو جعفر: واستخلف رسول الله ص إذ خرج لحرب بني النضير - فيما قيل - ابن أم مكتوم، وكانت رايته يومئذ مع علي بن أبي طالب عليه السلام.
وفي هذه السنة مات عبد الله بن عثمان بن عفان، في جمادى الأولى منها، وهو ابن ست سنين، وصلى عليه رسول الله ص، ونزل في حفرته عثمان بن عفان.
وفيها ولد الحسين بن علي عليه السلام، لليالٍ خلون من شعبان.
غزوة ذات الرقاع
واختلف في التي كانت بعد غزوة النبي ص بني النضير من غزواته، فقال ابن إسحاق في ذلك، ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: ثم أقام رسول الله ص بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهري ربيع، وبعض شهر جمادى. ثم غزا نجدًا - يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان - حتى نزل نخلًا، وهي غزوة ذات الرقاع؛ فلقى بها جمعًا من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب؛ وقد خاف الناس بعضهم بعضًا، حتى صلى رسول الله ص بالمسلمين صلاة الخوف، ثم انصرف بالمسلمين.
وأما الواقدي؛ فإنه زعم أن غزوة رسول الله ص ذات الرقاع، كانت في المحرم سنة خمس من الهجرة. قال: وإنما سميت ذات الرقاع؛ لأن الجبل الذي سميت به ذات الرقاع جبل به سواد وبياض وحمرة؛ فسميت الغزوة بذلك الجبل. قال: واستخلف رسول الله ص في هذه الغزوة على المدينة عثمان بن عفان.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد - يعني ابن عبد الرحمن - عن عروة بن الزبير، عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله ص إلى نجد، حتى إذا كنا بذات الرقاع من نخل، لقى جمعًا من غطفان؛ فلم يكن بيننا قتال؛ إلا أن الناس قد خاوفهم، ونزلت صلاة الخوف، فصدع أصحابه صدعين، فقامت طائفة مواجهة العدو، وقامت طائفة خلف رسول الله ص، فكبر رسول الله ص، فكبروا جميعًا، ثم ركع بمن خلفه، وسجد بهم، فلما قاموا مشوا القهقري إلى مصاف اصحابهم، ورجع الآخرون، فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم قاموا فصلى بهم رسول الله ص ركعة وجلسوا، ورجع الذين كانوا مواجهين العدو، فصلوا الركعة الثانية، فجلسوا جميعًا، فجمعهم رسول الله ص بالسلام، فسلم عليهم.
قال أبو جعفر: وقد اختلفت الرواية في صفة صلاة رسول الله ص هذه الصلاة ببطن نخل اختلافًا متفاوتًا، كرهت ذكره في هذا الموضع خشية إطالة الكتاب، وسأذكره إن شاء الله في كتابنا المسمى " بسيط القول في أحكام شرائع الإسلام " في كتاب صلاة الخوف منه.
وقد حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قنادة، عن سليمان اليشكري، أنه سأل جابر بن عبد الله عن إقصار الصلاة: أي يوم أنزل، أو في أي يوم هو؟ فقال جابر: انطلقنا نتلقى عير قريش آتية من الشام؛ حتى إذا كنا بنخل جاء رجلٌ من القوم إلى رسول الله ص، فقال: يا محمد، قال: نعم، قال: هل تخافني؟ قال لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: الله يمنعني منك، قال: فسل السيف ثم تهدده وأوعده. ثم نادى بالرحيل وأخذ السلاح. ثم نودي بالصلاة، فصلى نبي الله ص بطائفة من القوم، وطائفة أخرى تحرسهم، فصلى بالذين يلونه ركعتين، ثم تأخر الذين يلونه على أعقابهم، فقاموا في مصاف أصحابهم، ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين، والآخرون يحرسونهم. ثم سلم، فكانت للنبي ص أربع ركعات، وللقوم ركعتين ركعتين؛ فيومئذ أنزل الله عز وجل في إقصار الصلاة، وأمر المؤمنين بأخذ السلاح.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال حدثني محمد بن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن البصري، عن جابر بن عبد الله الأنصاري؛ أن رجلًا من بنى محارب يقال له فلان بن الحارث، قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدًا؟ قالوا: نعم، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به. فأقبل إلى رسول الله ص وهو جالسٌ، وسيف رسول الله ص في حجره، فقال: يا محمد، انظر إلى سيفك هذا! قال:، فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه ويهم به، فيكبته الله عز وجل.
ثم قال: يا محمد، أما تخافني؟ قال: لا، وما أخاف منك؟ قال: أما تخافني وفي يدى السيف؟ قال: لا، يمنعني الله منك! قال: ثم غمد السيف، فرده إلى رسول الله ص، فأنزل الله عز وجل: " يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم ".
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر، عن جابر ابن عبد الله الأنصاري، قال: خرجنا مع رسول الله ص في غزوة ذات الرقاع من نخل، فأصاب رجل من المسلمين امرأة من المشركين، فلما انصرف رسول الله ص قافلًا أتى زوجها وكان غائبًا، فلما أخبر الخبر، حلف ألا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد دمًا، فخرج يتبع أثر رسول الله ص، فنزل رسول الله ص منزلًا، فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه؟ فانتدب رجلٌ من المهاجرين ورجلٌ من الأنصار، فقالا: نحن يا رسول الله، قال: فكونا بفم الشعب - وكان رسول الله ص وأصحابه قد نزلوا الشعب، من بطن الوادي - فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال الأنصاري: للمهاجري؛ أي الليل تحب أن أكفيكه؟ أوله أو آخره؟ قال: بلى اكفني أوله؛ فاضجع المهاجري فنام، وقام الأنصاري يصلي، وأتى زوج المرأة، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم، فرمى بسهم فوضعه فيه فنزعه، فوضعه وثبت قائمًا يصلي. ثم رماه بسهم آخر، فوضعه فيه، فنزعه، فوضعه وثبت قائمًا يصلي، ثم عاد له بالثالث فوضعه فيه، فنزعه فوضعه ثم ركع وسجد، ثم أهب صاحبه، فقال: اجلس، فقد أتيت. قال: فوثب المهاجري، فلما رآهما الرجل، عرف أنهم قد نذروا به؛ ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله! أفلا، أهببتني أول ما رماك! قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها؛ فلما تتابع على الرمي ركعت فآذنتك، وايم الله لولا أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها.
ذكر الخبر عن غزوة السويق
وهي غزوة النبي ص بدرًا الثانية لميعاد أبي سفيان.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قدم رسول الله ص المدينة من غزوة ذات الرقاع، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجب، ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان حتى نزله، فأقام عليه ثماني ليالٍ ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة، حتى نزل مجنة من ناحية مر الظهران - وبعض الناس يقول: قد قطع عسفان - ثم بدا له الرجوع، فقال: يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عامٌ خصب ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن؛ وإن عامكم هذا عام جدب؛ وإني راجع فارجعوا. فرجع ورجع الناس، فسماهم أهل مكة جيش السويق. يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق.
فأقام رسول الله ص على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده، فأتاه مخشي بن عمرو الضمري، وهو الذي وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان، فقال: يا محمد، أجئت للقاء قريش على هذا الماء؟ قال: نعم يا أخا بني ضمرة؛ وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك، ثم جالدناك. حتى يحكم الله بيننا وبينك. فقال: لا والله يا محمد، مالنا بذلك منك من حاجة، وأقام رسول الله ص ينتظر أبا سفيان؛ فمر به معبد بن أبي معبد الخزاعي، وقد رأى مكان رسول الله ص وناقته تهوى به فقال:
قد نفرت من رفقتى محمد ** وعجوةٍ من يثربٍ كالعنجد
تهوي على دين أبيها الأتلد ** قد جعلت ماء قديدٍ موعدي
وماء ضجنان لها ضحى الغد
وأما الواقدي؛ فإنه ذكر أن رسول الله ص ندب أصحابه لغزوة بدر لموعد أبي سفيان الذي كان وعده الالتقاء فيه يوم أحد رأس الحول للقتال في ذي القعدة. قال: وكان نعيم بن مسعود الأشجعي قد اعتمر، فقدم على قريش، فقالوا: يا نعيم، من أين كان وجهك؟ قال: من يثرب، قال: وهل رأيت لمحمد حركة؟ قال: تركته على تعبئة لغزوكم، - وذلك قبل أن يسلم نعيم - قال: فقال أبو سفيان: يا نعيم، إن هذا عام جدبٌ، ولا يصلحنا إلا عامٌ ترعى فيه الإبل الشجر، ونشرب فيه اللبن، وقد جاء أوان موعد محمد، فالحق بالمدينة فثبطهم وأعلمهم أنا في جمع كثير، ولا طاعة لهم بنا؛ فيأتي الخلف منهم أحب إلى من أن يأتي من قبلنا، ولك عشر فرائض أضعها لك في يد سهيل بن عمرو يضمنها. فجاء سهيل بن عمرو إليهم، فقال نعيم لسهيل: يا أبا يزيد، أتضمن هذه الفرائض وأنطلق إلى محمد فأثبطه؟ فقال: نعم، فخرج نعيم حتى قدم المدينة، فوجد الناس يتجهزون، فتدسس لهم، وقال: ليس هذا برأي، ألم يجرج محمد في نفسه! ألم يقتل أصحابه! قال: فثبط الناس؛ حتى بلغ رسول الله ص، فتكلم، فقال: والذي نفسي بيده، لو لم يخرج معي أحد لخرجت وحدي.
ثم أنهج الله عز وجل للمسلمين بصائرهم؛ فخرجوا بتجارات، فأصابوا الدرهم درهمين؛ ولم يلقوا عدوًا؛ وهي بدر الموعد؛ وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية، يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام.
قال أبو جعفر: واستخلف رسول الله ص على المدينة عبد الله بن رواحة.
قال الواقدي: وفي هذه السنة تزوج رسول الله ص أم سلمة بنت أبي أمية في شوال؛ ودخل بها.
قال: وفيها أمر رسول الله ص زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود؛ وقال: إني لا آمن أن يبدلوا كتابي.
وولى الحج في هذه السنة المشركون.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)