حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ومن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، كل قد حدث في غزوة ذي قرد بعض الحديث، أنه أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي، غدا يريد الغابة متوشحًا قوسه ونبله، ومعه غلام لطلحة بن عبد الله.
وأما الرواية عن سلمة بن الأكوع بهذه الغزوة من رسول الله ص بعد مقدمة المدينة، منصرفًا من مكة عام الحديبية، فإن كان ذلك صحيحًا، فينبغي أن يكون ما روى عن سلمة بن الأكوع كان إما في ذي الحجة من سنة ست من الهجرة، وإما في أول سنة سبع، وذلك أن انصراف رسول الله ص من مكة إلى المدينة عام الحديبية كان في ذي الحجة في سنة ست من الهجرة، وبين الوقت الذي وقته ابن إسحاق لغزوة ذي قرد والوقت الذي روى عن سلمة بن الأكوع قريب من ستة أشهر. حدثنا حديث سلمة بن الأكوع الحسن بن يحيى، قال: حدثنا أبو عامر العقدي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: أقبلنا مع رسول الله ص إلى المدينة - يعني بعد صلح الحديبية - فبعث رسول الله ص بظهره مع رباح غلام رسول الله، وخرجت معه بفرس لطلحة بن عبيد الله. فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن بن عيينة قد أغار على ظهر رسول الله ص، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه. قلت: يا رباح؛ خذ هذا الفرس وأبلغه طلحة. وأخبر رسول الله أن المشركين قد أغاروا على سرحه. ثم قمت على أكمة فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثة أصوات: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل، وارتجز وأقول: " أنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع ".
قال: فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إلى فارس منهم أتيت شجرةً وقعدت في أصلها، فرميته فعقرت به؛ وإذا تضايق الجبل فدخلوا في متضايقٍ علوت الجبل، ثم أرديهم بالحجارة؛ فوالله ما زلت كذلك حتى ما خلق الله بعيرًا من ظهر رسول الله ص إلا جعلته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه وحتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحًا وثلاثين بردةً، يستخفون بها لا يقلون شيئًا إلا جعلت عليه آرما حتى يعرفه رسول الله ص وأصحابه، حتى إذا انتهوا إلى متضايق من ثنية وإذا هم قد أتاهم عيينة عن حصن بن بدر ممدًا، فقعدوا يتضحون، وقعدت على قرن فوقهم، فنظر عيينة، فقال: مت الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح، لا والله ما فارقنا هذا منذ غلس، يرمينا حتى استنقذ كل شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه منكم أربعة. فعمد إلى أربعة منهم. فلما أمكنوني من الكلام، قلت: أتعرفوني؟ قالوا: من أنت؟ قلت: سلمة بن الأكوع؛ والذي كرم وجه محمد لا أطلب أحدًا منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني.
قال أحدهم: أنا أظن، قال: فرجعوا فما برحت مكاني ذاك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله ص يتخللون الشجر؛ أولهم الأخرم الأسدي، وعلى إثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي، فأخذت بعنان فرس الأخرم، فولوا مدبرين، فقلت: يا أخرم؛ إن القوم قليل، فاحذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق بنا رسول الله وأصحابه. فقال: يا سلمة، إن كنت تؤمن باللله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق وأن النار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فحليته، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة، فعقر الأخرم بعبد الرحمن فرسه، فطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول عبد الرحمن على فرسه، ولحق أبو قتادة عبد الرحمن فطعنه وقتله، وعقر عبد الرحمن بأبي قتادة فرسه، وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم؛ فانطلقوا هاربين. قال سلمة: فوالذي كرم وجه محمد، لتبعتهم أعدو على رجلي؛ حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد ولا غبارهم شيئًا.
قال: ويعدلون قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد يشربون منه وهم عطاش؛ فنظروا إلى أعدو في آثارهم؛ فحليتهم فما ذاقوا منه قطرة.
قال: ويسندون في ثنية ذي أثير، ويعطف علي واحدٌ فأرشقه بسهم فيقع في نغض كتفه، فقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ** واليوم يوم الرضع
فقال أكوعي غدوةً! قلت: نعم يا عدو نفسه؛ وإذا فرسان على الثنية، فجئت بهما أقودهما إلى رسول الله، ولحقني عامر عمي بعدما أظلمت بسطيحة فيها مذقة من لبن، وسطيحة فيها ماء، فتوضأت وصليت وشربت، ثم جئت إلى رسول الله ص وهو على الماء الذي حليتهم عنه، عند ذي قرد، وإذا رسول الله قد أخذ تلك ألإبل التي استنقذت من العدو، وكل رمح، وكل بردة؛ وإذا بلال قد نحر ناقة من الإبل التي استنقذت العدو، فهو يشوى لرسول الله ص من كبدها وسنامها، فقلت: يا رسول الله؛ خلني فلأنتخب مائة رجل من القوم، فأتبع القوم فلا يبقى منهم عين. فضحك رسول الله ص حتى بدا - وقد بانت - نواجذه. في ضوء النار. ثم قال: أكنت فاعلًا! فقلت: إي والذي أكرمك! فلما أصبحنا قال رسول الله إنهم ليقرون بارض غطفان. قال: فجاء رجلٌ من غطفان، فقال: نحر لهم فلان جزورا، فلما كشطوا عنها جلدها رأوا غبارًا؛ فقالوا: أتيتم! فخرجوا هاربين، فلما أصبحنا قال رسول الله ص: خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع.
ثم أعطاني رسول الله ص سهمين سهم الفارس، وسهم الراجل؛ فجمعهما لي جميعًا، ثم أردفني رسول الله وراءه على العضباء؛ راجعين إلى المدينة. فبينما نحن نسير؛ وكان رجلٌ من الأنصار لا يسبق شدًا فجعل يقول: ألا من مسابق! فقال ذاك مرارًا؛ فلما سمعته قلت: أما تكرم كريمًا ولا تهاب شريفًا! فقال: لا، إلا أن يكون رسول الله، فقلت: يا رسول الله، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي! ائذن لي فلأسابق الرجل! قال: إن شئت، قال: فطفرت فع***، فربطت شرفًا أو شرفين فألحقه وأصكه بين كتفيه، فقلت: سبقتك والله! فقال: إني أظن، فسبقته إلى المدينة، فلم نمكث بها ثلاثًا حتى خرجنا إلى خيبر.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله - يعني مع سلمة بن الأكوع - معه فرس له يقوده، حتى إذا علا على ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم، فأشرف في ناحية سلع، ثم صرخ: واصباحاه! ثم خرج يشتد في آثار القوم - وكان مثل السبع - حتى لحق بالقوم، فجعل يردهم بالنبل، ويقول إذا رمى: " خذها منى وأنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع ".
فإذا وجهت الخيل نحوه، انطلق هاربًا، ثم عارضهم؛ فإذا أمكنه الرمي رمى، ثم قال:
خذها وأنا ابن الأكوع ** واليوم يوم الرضع
قال: فيقول قائلهم: أويكعنا هو أول النهار.
قال: وبلغ رسول الله ص صياح ابن الأكوع؛ فصرخ بالمدينة: الفزع الفزع! فتتامت الخيول إلى رسول الله ص؛ فكان أول من انتهى إليه من الفرسان المقداد بن عمرو.
ثم كان أول فارس وقف على رسول الله ص بعد المقداد من الأنصار، عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعورا، وأخو بني عبد الأشهل، وسعد بن زيد، أحد بني كعب بن عبد الأشهل، وأسيد بن ظهير أخو بني حارثة بن الحارث - يشك فيه - وعكاشة بن محصن، أخو بني أسد بن خزيمة، ومحرز بن نضلة، أخو بني أسد بن خزيمة، وأبو قتادة الحارث ربعي، أخو بني سلمة، وأبو عياش؛ وهو عبيد بن زيد بن صامت، أخو بني زريق.
فلما اجتمعوا إلى رسول الله ص أمر عليهم سعد بن زيد. ثم قال: اخرج في طلب القوم حتى ألحقك في الناس.
وقد قال رسول الله ص - فيما بلغني عن رجال من بني زريق - لأبي عياش: با أبا عياش، لو أعطيت هذا الفرس رجلًا هو أفرس منك فلحق بالقوم! قال أبو عياش: فقلت: يا رسول الله، أنا أفرسٌ الناس، ثم ضربت الفرس، فزالله ما جرى خمسين ذراعًا حتى طرحني؛ فعجبت أن رسول الله ص يقول: لو أعطيه أفرس منك! وأقول: أنا أفرس الناس. فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله ص أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص - أو عائذ بن ما عص - ابن قيس بن خلدة - وكان ثامنًا - وبعض الناس يعد سلمة بن عمرو بن الأكوع أحد الثمانية، ويطرح أسيد بن ظهير أخا بني حارثة، ولم يكن سلمة يومئذ فارسًا، وكان أول من لحق بالقوم على رجليه؛ فخرج الفرسان في طلب القوم، حتى تلاحقوا.