حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر - يعني ابن أبي المغيرة - عن ابن أبزى، قال: لما خرج النبي ص بالهدى، وانتهى إلى ذي الحليفة، قال له عمر: يا رسول الله، تدخل على قوم هم لك حربٌ بغير سلاح ولا كراع! قال: فبعث النبي ص إلى المدينة، فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا حمله، فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل، فسار حتى أتى منى، فنزل بمنى، فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة، فقال رسول الله ص لخالد بن الوليد: يا خالد، هذا ابن عمك، قد أتاك في الخيل، فقال خالد: أنا سيف الله وسيف رسوله - فيومئذ سمي سيف الله -: يا رسول الله ارم بي حيث شئت. فبعثه على خيل، فلقى عكرمة في الشعب، فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثانية، فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، فأنزل الله تعالى فيه: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم " - إلى قوله: " عذابًا أليمًا " قال: وكف الله النبي ص عنهم بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها من بعد أن أظفره عليهم كراهية أن تطأهم الخيل بغير علم.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: فقال رسول الله ص: يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب؛ فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين؛ وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة. فما تظن قريش! فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة.
ثم قال: من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟ فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أن رجلًا من أسلم قال: أنا يا رسول الله، قال: فسلك بهم على طريق وعر حزن بين شعاب، فلما أن خرجوا منه - وقد شق ذلك على المسلمين، وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي - قال رسول الله ص للناس: قولوا: نستغفر الله ونتوب إليه. ففعلوا. فقال رسول الله : والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها.
قال ابن شهاب: ثم أمر رسول الله ص الناس فقال: اسلكوا ذات اليمين، بين ظهري الحمض في طريق تخرجه على ثنية المرار؛ على مهبط الحديبية من أسفل مكة. قال: فسلك الجيش ذلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش، وأن رسول الله ص قد خالفهم عن طريقهم، ركضوا راجعين إلى قريش، وخرج رسول الله ص، حتى إذا سلك في ثنية المرار، بركت ناقته، فقال الناس: خلأت! فقال: ما خلأت، وما هو لها بخلقٍ؛ ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة؛ لا تدعوني قريش اليوم إلى خطةٍ يسألوني صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها. ثم قال للناس: انزلوا، فقيل: يا رسول الله ما بالوادي ما ننزل عليه! فأخرج سهمًا من كنانته فأعطاه رجلًا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه، فجاش الماء بالري حتى ضرب الناس عليه بعطن.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، أن رجلًا من أسلم حدثه، أن الذي نزل في القليب بسهم رسول الله ص ناجية بن جندب بن عمير ابن يعمر بن دارم، وهو سائق بدن رسول الله ص. قال: وقد زعم لي بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول: أنا الذي نزلت بسهم رسول الله ص. قال وأنشدت أسلم أبياتًا من شعر قالها ناجية، قد ظننا أنه هو الذي نزل بسهم رسول الله ص فزعمت أسلم أن جاريةً من الأنصار أقبلت بدلوها، وناجية في القليب يميح على الناس، فقالت:
يأيها المائح دلوي دونكا ** إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيرًا ويمجدونكا
وقال ناجية، وهو في القليب يميح الناس:
قد علمت جاريةٌ يمانيه ** أني أنا المائح واسمى ناجيه
وطعنةٍ ذات رشاش واهيه ** طعنتها تحت صدور العاديه
حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة. وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: نزل رسول الله ص بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء؛ إنما يتبرضه الناس تبرضًا فلم يلبثه الناس أن نزحوه، فشكي إلى رسول الله ص العطش، فنزع سهمًا من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه؛ فبيناهم كذلك جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة - وكانوا عيبة نصح رسول الله ص من أهل تهامة - فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد نزلوا أعداد مياه الحديبية؛ معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك لؤي وصادوك عن البيت. فقال النبي ص: إنا لم نأت لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشًا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددناهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا؛ وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره. فقال بديل: سنبلغهم ما تقول.
فانطلق حتى أتى قريشًا فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولًا؛ فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء، وقال ذو الراي منهم: هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي ص. فقام عروة بن مسعود الثقفي: فقال: أي قوم؛ ألستم بالوالد! قالوا: بلى، قال: أو لست بالولد! قالوا: بلى، قال: فهل تتهمونني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ؛ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني! قالوا: بلى.