قال: ولما فرغ رسول الله من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله بأهل خيبر؛ فبعثوا إلى رسول الله يصالحونه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف، وإما بعد ما قدم المدينة. فقبل ذلك منهم؛ فكانت فدك لرسول الله ص خاصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: كان رسول الله ص يبعث إلى أهل خيبر عبد الله بن رواحة خارصًا بين المسلمين ويهود، فيخرص عليهم؛ فإذا قالوا: تعديت علينا، قال: إن شئتم فلكم؛ وإن شئتم فلنا؛ فتقول يهود: بهذا قامت السموات والأرض.
وإنما خرص عليهم عبد الله بن رواحة؛ ثم أصيب بمؤتة، فكان جبار بن صخر بن خنساء، أخو بني سلمة؛ هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة، فأقامت يهود على ذلك لا يرى بهم المسلمون بأسًا في معاملتهم؛ حتى عدوا في عهد رسول الله ص على عبد الله ابن سهل، أخي بني حارثة؛ فقتلوه، فاتهمهم رسول الله والمسلمون عليه.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: سألت ابن شهاب الزهري: كيف كان إعطاء رسول الله ص يهود خيبر نخيلهم حين أعطاهم النخل على خرجها؟ أبت ذلك لهم حتى فبض، أم أعطاهم إياها لضرورة من غير ذلك؟ فأخبرني ابن شهاب أن رسول الله ص افتتح خيبر عنوة بعد القتال؛ وكانت خيبر مما أفاء الله على رسوله؛ خمسها رسول الله وقسمها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الإجلاء بعد القتال؛ فدعاهم رسول الله ص فقال: إن شئتم دفعنا إليكم هذه الأموال على أن تعلموها؛ وتكون ثمارها بيننا وبينكم؛ وأقركم ما أقركم الله. فقبلوا، فكانوا على ذلك يعملونها. وكان رسول الله ص يبعث عبد الله بن رواحة فيقسم ثمرها، ويعدل عليهم في الحرص؛ فلما توفى الله عز وجل نبيه ص أقرها أبو بكر بعد النبي في أيديهم على المعاملة التي كان عاملهم عليها رسول الله حتى توفي، ثم أقرها عمر صدرًا من إمارته؛ ثم بلغ عمر أن رسول الله ص قال في وجعه الذي قبض فيه: لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان، ففحص عمر عن ذلك حتى بلغه الثبت، فأرسل إلى يهود أن الله قد أذن في إجلائكم؛ فقد بلغني أن رسول الله قال: لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان، فمن كان عنده عهد من رسول الله فليأتني به أنفذه له؛ ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله من اليهود فليتجهز للجلاء؛ فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله منهم.
قال أبو جعفر: ثم رجع رسول الله ص إلى المدينة.
حوادث متفرقة
قال الواقدي: في هذه السنة رد رسول الله ص زينب ابنته على أبي العاص بن الربيع؛ وذلك في المحرم.
قال: وفيها قدم حاطب بن أبي بلتعة من عند المقوقس بمارية وأختها سيرين وبغلته دلدل وحماره يعفور وكسًا؛ وبعث معهما بخصي فكان معهما، وكان حاطب قد دعاهما إلى الإسلام قبل أن يقدم بهما؛ فأسلمت هي وأختها، فأنزلهما رسول الله ص على أم سليم بنت ملحان - وكانت مارية وضيئة - قال: فبعث النبي ص بأختها سيرين إلى حسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان.
قال: وفي هذه السنة أتخذ النبي ص منبره الذي كان يخطب الناس عليه، وأتخذ درجتين ومقعده.
قال: ويقال إنه عمل في سنة ثمان. قال: وهو الثبت عندنا.
قال: وفيها بعث رسول الله ص عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلًا إلى عجز هوازن بتربة، فخرج بدليل له من بني هلال؛ وكانوا يسيرون الليل، ويكمنون النهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا؛ فلم يلق كيدًا، ورجع.
قال: وفيها سرية أبي بكر بن أبي قحافة في شعبان إلى نجد؛ قال سلمة ابن الأكوع: غزونا مع أبي بكر في تلك السنة.
قال أبو جعفر: قد مضى خبرها قبل.
قال الواقدي: وفيها سرية بشير بن سعد إلى بني مرة بفدك في شعبان في ثلاثين رجلًا، فأصيب أصحابه وأرتث في القتلي، ثم رجع إلى المدينة.
قال أبو جعفر: وفيها سرية غالب بن عبد الله في شهر رمضان إلى الميفعة؛ فحدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: بعث رسول الله غالب ابن عبد الله الكلبي إلى أرض بني مرة، فأصاب بها مرداس بن نهيك حليفًا لهم من الحرقة من جهينة؛ قتله أسامة بن زيد ورجل من الأنصار.
قال أسامة: لما غشيناه، قال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فلم ننزع عنه حتى قتلناه؛ فلما قدمنا على رسول الله أخبرناه الخبر؛ فقال: يا أسامة، من لك بلا إله إلا الله! قال الواقدي: وفيها سرية غالب بن عبد الله إلى بني عبد بن ثعلبة؛ ذكر أن عبد الله بن جعفر حدثه عن ابن أبي عون، عن يعقوب بن عتبة، قال: قال يسار مولى رسول الله : يا رسول الله؛ إني أعلم غرة من بني عبد بن ثعلبة، فأرسل معه غالب بن عبد الله في مائة وثلاثين رجلًا؛ حتى أغاروا على بني عبد، فأستاقوا النعم والشاء، وحدروها إلى المدينة.
قال: وفيها سرية بشير بن سعد إلى يمن وجناب، في شوال من سنة سبع، ذكر أن يحيى بن عبد العزيز بن سعيد حدثه عن سعد بن عبادة، عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد، قال: الذي أهاج هذه السرية أن حسيل بن نويرة الأشجعي - وكان دليل رسول الله صص إلى خيبر - قدم على النبي ص، فقال: ما وراءك؟ قال: تركت جمعًا من غطفان بالجناب قد بعث إليهم عيينة بن حصن ليسيروا إليكم، فدعا رسول الله بشير بن سعد، وخرج معه الدليل حسيل بن نويرة، فأصابوا نعمًا وشاءً؛ ولقيهم عبد لعيينة بن حصن فقتلوه، ثم لقوا جمع عيينة؛ فأنهزم، فلقيه الحارث بن عوف منهزمًا، فقال: قد آن لك يا عيينة أن تقصر عما ترى.