حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمى، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، قال: ثم مضى رسول الله لسفره؛ وأستخلف على المدينة أبارهم كلثوم بن حصين بن خلف الغفاري، وخرج لعشر مضين من شهر رمضان، فصام رسول الله ص، وصام الناس معه؛ حتى إذا كان بالكديد ما بين عسفان وأمج، أفطر رسول الله ، ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين، فسبعت سليم؛ وألفت مزينة وفي كل القبائل عدد وإسلام؛ وأوعب مع رسول الله المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف عنه منهم أحد، فلما نزل رسول الله ص مر الظهران، وقد عميت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله؛ ولا يدرون ما هو فاعل؛ فخرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يتحسسون الأخبار؛ هل يجدون خبرًا أو يسمعون به! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: وقد كان فيما حدثني محمد بن إسحاق، عن العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب؛ عن ابن عباس: وقد كان العباس بن عبد المطلب تلقى رسول الله ص ببعض الطريق؛ وقد كان أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله بنيق العقاب؛ فيما بين مكة والمدينة، فألتمس الدخول على رسول الله، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله، ابن عمك وأبن عمتك وصهرك، قال: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمتي فهتك عرضي؛ وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال بمكة ما قال.
فلما خرج الخبر إليهما بذلك؛ ومع أبي سفيان بني له فقال: والله ليأذن لي أو لآخذن بيد بني هذا؛ ثم أتذهبن في الأرض؛ حتى نموت عطشًا وجوعًا. فلما بلغ ذلك رسول الله رق لهما؛ ثم أذن لهما، فدخلا عليه؛ فأسلما وأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره مما كان مضى منه:
لعمري إني يوم أحمل رايةً ** لتغلب خيل الات خيل محمد
لكا لمدلج الخيران أظلم ليله ** فهذا أواني حين أهدى وأهتدى
وهاد هداني غير نفسي ونالني ** مع الله من طردت كل مطرد
أصدو أنأي جاهدًا عن محمد ** وأدعى ولو لم أنتسب من محمد
هم ما هم من لم يقل بهواهم ** وإن كان ذا رأي يلم ويفند
أريد لأرضيهم ولست بلائط ** مع القوم ما لم أهد في كل مقعد
فقل لثقيف لا أريد قتالها ** وقل لثقيف تلك غيري أو عدي
وما كنت في الجيش الذي نال عامرًا ** وما كان عن جري لساني ولا يدي
قبائل جاءت من بلاد بعيدة ** نزائع جاءت من سهام وسردد
قال: فزعموا أنه حين أنشد رسول الله ص قوله: ونالني مع الله من طردت كل مطرد؛ ضرب النبي ص في صدره، ثم قال: أنت طردتني كل مطرد! وقال الواقدي: خرج رسول الله إلى مكة، فقائل يقول: يريد قريشًا، وقائل يقول: يريد هوازن، وقائل يقول: يريد ثقيفًا؛ وبعث إلى القبائل فتخلفت عنه؛ ولم يعقد الألوية ولم ينشر الرايات حتى قدم قديدًا، فلقيته بنو سليم على الخيل والسلاح التام؛ وقد كان عيينة لحق رسول الله بالعرج في نفر من أصحابه، ولحقه الأقرع بن حابس بالسقيا، فقال عيينة: يا رسول الله؛ والله ما أرى آلة الحرب ولا تهيئة الإحرام، فأين تتوجه يا رسول الله؟ فقال رسول الله ص: حيث شاء الله. ثم دعا رسول الله ص أن تعمي عليهم الأخبار؛ فنزل رسول الله ص مر الظهران، ولقيه العباس بالسقيا، ولقيه مخرمة بن نوفل بنيق العقاب.
فلما نزل مر الظهران خرج أبو سفيان بن حرب ومعه حكيم بن حزام.
فحدثنا أبو كريب، قال: أخبرنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لما نزل رسول الله مر الظهران، قال العباس بن عبد المطلب، وقد خرج رسول الله من المدينة: يا صباح قريش! والله لئن بغتها رسول الله في بلادها؛ فدخل مكة عنوة؛ إنه لهلاك قريش آخر الدهر! فجلس على بغلة رسول الله البيضاء، وقال: أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابًا أو صاحب لبن؛ أو داخلًا يدخل مكة؛ فيخبرهم بمكان رسول الله؛ فيأتونه فيستأمنونه. فخرجت؛ فو الله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له؛ إذ سمعت صوت أبي سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، وقد خرجوا يتحسسون الخبر عن رسول الله ص، فسمعت أبا سفيان وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم قط نيرانًا! فقال بديل: هذه والله نيران خزاعة، حمشها الحرب! فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك وأذل! فعرفت صوته، فقلت يا أبا حنظلة! فقال: أبو الفضل! فقلت: نعم، فقال: لبيك فداك أبي وأمي! فما وراءك؟ فقلت: هذا رسول الله ورائي قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين. قال: فما تأمرني؟ فقلت: تركب عجز هذه البغلة، فأستأمن لك رسول الله؛ فو الله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فردفني فخرجت به أركض بغلة رسول الله ص نحو رسول الله ص، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ونظروا إلى، قالوا: عم رسول الله على بغلة رسول الله؛ حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال أبو سفيان! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا