وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما، وهربت الأخرى حتى أستؤمن لها رسول الله ص بعد، فأمنها. وأما سارة، فأستؤمن لها فأمنها، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرسًا له في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح، فقتلها. وأما الحويرث بن نقيذ، فقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال الواقدي: أمر رسول الله ص بقتل ستة نفر وأربع نسوة، فذكر من الرجال من سماه ابن إسحاق، ومن النساء هند بنت عتبة ابن ربيعة، فأسلمت وبايعت، وسارة مولاة عمرو بن هاشم بن عبد المطلب ابن عبد مناف، قتلت يومئذ، وقريبة؛ قتلت يومئذ، وفرتني عاشت إلى خلافة عثمان.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمر بن موسى ابن الوجيه، عن قتادة السدوسي؛ أن رسول الله ص قام قائمًا حين وقف على باب الكعبة، ثم قال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ألا كل مأثرة، أو دم، أو مال يدعي؛ فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج. ألا وقتيل الخطإ مثل العمد؛ السوط والعصا، فيهما الدية مغلظة مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها.
يا معشر قريش؛ إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم؛ وآدم خلق من تراب. ثم تلا رسول الله ص: " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " الآية.
يا معشر قريش، ويا أهل مكة؛ ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم وأبن أخ كريم. ثم قال: أذهبوا فأنتم الطلقاء.
فأعتقهم رسول الله ، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة، وكانوا له فيئًا، فبذلك يسمى أهل مكة الطلقاء. ثم أجتمع الناس بمكة لبيعة رسول الله ص على الإسلام، فجلس لهم - فيما بلغني - على الصفا وعمر بن الخطاب تحت رسول الله أسفل من مجلسه يأخذ على الناس. فبايع رسول الله ص على السمع والطاعة لله ولرسوله - فيما أستطاعوا - وكذلك كانت بيعته لمن بايع رسول الله من الناس على الإسلام. فلما فرغ رسول الله من بيعة الرجال بايع النساء، وأجتمع إليه نساء من نساء قريش؛ فيهن هند بنت عتبة، متنقبة متنكرة لحدثها وما كان من صنيعها بحمزة، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله بحدثها ذلك، فلما دنون منه ليبايعنه قال، رسول الله - فيما بلغني -: تبايعنني على ألا تشركن بالله شيئًا! فقالت هند: والله إنك لتأخذ علينا أمرًا ما تأخذه على الرجال وسنؤتيكه، قال: ولا تسرقن، قالت: والله إن كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة والهنة، وما أدري أكان ذلك حلالي أم لا! فقال أبو سفيان - وكان شاهدًا لما تقول: أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل، فقال رسول الله ص: وإنك لهند بنت عتبة! فقالت: أنا هند بنت عتبة، فأعف عما سلف عفا الله عنك! قال: ولا تزنين، قالت: يا رسول الله، هل تزني الحرة! قال: ولا تقتلن أولادكن، قالت: قد ربيناهم صغارًا، وقتلتهم يوم بدر كبارًا، فأنت وهم أعلم! فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى أستغرب. قال: ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، قالت: والله إن إتيان البهتان لقبيح؛ ولبعض التجاوز أمثل. قال: ولا تعصينني في معروف، قال: ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك في معروف، فقال رسول الله ص لعمر: بايعهن وأستغفر لهن رسول الله، فبايعهن عمر، وكان رسول الله ص لا يصافح النساء، ولا يمس أمرأة ولا تمسه إلا أمرأة أحلها الله له، أو ذات محرم منه.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن أبان ابن صالح، أن بيعة النساء قد كانت على نحوين - فيما أخبره بعض أهل العلم - كان يوضع بين يدي رسول الله ص إناء فيه ماء، فإذا أخذ عليهن وأعطينه غمس يده في الإناء، ثم أخرجها، فغمس النساء أيديهن فيه. ثم كان بعد ذلك يأخذ عليهن، فإذا أعطينه ما شرط عليهن، قال: أذهبن فقد بايعتكن، لا يزيد على ذلك.
قال الواقدي: فيها قتل خراش بن أمية الكعبي جنيدب بن الأدلع الهذلي - وقال ابن إسحاق: ابن الأثوع الهذلي - وإنما قتله بذحل، وكان في الجاهلية، فقال النبي ص: إن خراشًا قتال؛ إن خراشًا قتال! يعيبه بذلك، فأمر النبي صص خزاعة أن يدوه.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير - قال محمد بن إسحاق: ولا أعلمه إلا وقد حدثني عن عروة بن الزبير - قال: خرج صفوان بن أمية يريد جدة، ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب، يا نبي الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربًا منك ليقذف نفسه في البحر؛ فأمنه صلى الله عليك! قال: هو آمن، قال: يا رسول الله، أعطني شيئًا يعرف به أمانك؛ فأعطاه عمامته التي دخل فيها مكة؛ فخرج بها عمير حتى أدركه بجدة، وهو يريد أن يركب البحر، فقال: يا صفوان، فداك أبي وأمي! أذكرك الله في نفسك أن تهلكها! فهذا أمان من رسول الله قد جئتك به، قال: ويلك! أغرب عني فلا تكلمني! قال: أي صفوان! فداك أبي وأمي! أفضل الناس وأبر الناس، وأحلم الناس، وخير الناس، ابن عمتك، عزه عزك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك! قال: إني أخافه على نفسي، قال: هو أحلم من ذلك وأكرم؛ فرجع به معه، حتى قدم به على رسول الله ص. فقال صفوان: إن هذا زعم أنك قد أمنتني، قال: صدق، قال: فأجعلني في أمري بالخيار شهرين، قال: أنت فيه بالخيار أربعة أشهر.