إن الذوائب من فهر وإخوتهم ** قد بينوا سنة للناس تتبع
يرضى بها كل من كانت سريرته ** تقوى الإله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ** أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة ** إن الخلائق فأعلم شرها البدع
إن كان في الناس سباقون بعدهم ** فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم ** عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا
إن سابقوا الناس يومًا فاز سبقهم ** أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا
أعفة ذكرت في الوحي عفتهم ** لا يطبعون ولا يرديهم طمع
لا يبخلون على جار بفضلهم ** ولا يمسهم من مطمع طبع
إذا نصبنا لحي لم ندب لهم ** كما يدب إلى الوحشية الذرع
نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها ** إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
لا فخر إن هم أصابوا من عدوهم ** وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
كأنهم في الوغى والموت مكتنع ** أسد بحلية في أرساغها فدع
خذ منهم ما أتوا عفوًا إذا غضبوا ** ولا يكن همك الأمر الذي منعوا
فإن في حربهم فاترك عداوتهمشرًا يخاض عليه السم والسلع
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ** إذا تفرقت الأهواء والشيع
أهدى لهم مدحتى قلب يوازره ** فيما أحب لسان حائك صنع
فإنهم أفضل الأحياء كلهم ** إن جد بالناس جد القول أو شمعوا
فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله، قال الأقرع بن حابس: وأبي إن هذا الرجل لمؤتى له،! لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، وأصواتهم أعلى من أصواتنا. فلما فرغ القوم أسلموا، وجوزهم رسول الله فأحسن جوائزهم - وكان عمرو بن الأهتم قد خلفه القوم في ظهرهم - فقال قيس بن عاصم - وكان يبغض عمرو بن الأهتم: يا رسول الله؛ إنه قد كان منا رجل في رحالنا وهو غلام حدث، وأزرى به، فأعطاه رسول الله مثل ما أعطي القوم؛ فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه ذلك من قول قيس بن عاصم، وهو يهجوه:
ظللت مفترشًا هلباك تشتمني ** عند الرسول فلم تصدق ولم تصب
إن تبغضونا فإن الروم أصلكم ** والروم لا تملك البغضاء للعرب
سدنا فسوددنا عود وسوددكم ** مؤخر عند أصل العجب والذنب
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان، قال: فأنزل الله فيهم القرآن: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات " - من بني تميم - " أكثرهم لا يعقلون "؛ قال: وهي القراءة الأولى.
قال الواقدي: وفيها مات عبد الله بن أبي بن سلول، مرض في ليال بقين من شوال، ومات في ذي القعدة، وكان مرضه عشرين ليلة.
قدوم رسول ملوك حمير على رسول الله بكتابهم

قال: وفيها قدم على رسول الله كتاب ملوك حمير في شهر رمضان مقرين بالإسلام؛ مع رسولهم الحارث بن عبد كلال ونعيم ابن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك ورسولهم إليه بإسلامهم: الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين، وهمدان ومعافر؛ وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامه، ومفارقتهم الشرك وأهله، فكتب إليهم رسول الله : بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي رسول الله إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين وهمدان ومعافر؛ أما بعد ذلكم؛ فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد؛ فإنه قد وقع بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلغ ما أرسلتم، وخبر ما قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين؛ وإن الله قد هداكم بهدايته، إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة؛ وأعطيتم من المغانم خمس الله، وسهم نبيه وصفيه؛ وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وما سقت السماء، وكل ما سقى بالغرب نصف العشر، وفي الإبل في الأربعين ابنة لبون، وفي ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر، وفي كل خمس من الإبل شاة، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع؛ جذع أو جذعة، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها، شاة. وإنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة؛ فمن زاد خيرًا فهو خير له، ومن أدى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين؛ فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم؛ وله ذمة الله وذمة رسوله. وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإن له مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يفتن عنها، وعليه الجزية؛ على كل حالم ذكر أو أنثى، حر أو عبد؛ دينار واف أو قيمته من المعافر أو عرضه ثيابًا؛ فمن أدى ذلك إلى رسول الله؛ فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله.