ثم دخلت سنة عشر

سرية خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب وإسلامهم

قال أبو جعفر: فبعث فيها رسول الله ص خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر - وقيل في شهر ربيع الأول، وقيل في جمادى الأولى - سرية في أربعمائة إلى بني الحارث بن كعب.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: بعث رسول الله خالد ابن الوليد في شهر ربيع الآخر - أو في جمادى الأولى - من سنة عشر، إلى بلحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثًا، فإن استجابوا لك فاقبل منهم، وأقم فيهم، وعلمهم كتاب الله وسنة نبيه، ومعالم الإسلام، فإن لم يفعلوا فقاتلهم.
فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه، ويدعون الناس إلى الإسلام، ويقولون: يأيها الناس أسلموا تسلموا. فأسلم الناس، ودخلوا فيما دعاهم إليه، فأقام خالد فيهم؛ يعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه.
ثم كتب خالد إلى رسول الله ص: بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد النبي رسول الله ص من خالد بن الوليد، السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك؛ بعثني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام، وأن أدعوهم إلى الإسلام؛ فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم. وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله ص وبعثت فيهم ركبانًا قالوا: يا بني الحارث، أسلموا تسلموا، فأسلموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم بين أظهرهم وآمرهم بما أمرهم الله به، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه؛ وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي ص حتى يكتب إلي رسول الله، والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
فكتب إليه رسول الله ص: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد. سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فإن كتابك جاءني مع رسلك بخبر أن بني الحارث قد أسلموا قبل أن يقاتلوا، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه؛ فبشرهم وأنذرهم، وأقبل وليقبل معك وفدهم؛ والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فأقبل خالد بن الوليد إلى رسول الله ص، وأقبل معه وفد بلحارث بن كعب؛ فيهم قيس بن الحصين بن يزيد بن قنان ذي الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل، وعبد الله بن قريظ الزيادى؛ وشداد بن عبد الله القناني، وعمرو بن عبد الله الضبابي.
فلما قدموا على رسول الله ، فرآهم قال: من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند؟ قيل: يا رسول الله، هؤلاء بنو الحارث بن كعب؛ فلما وقفوا عند رسول الله سلموا عليه، فقالوا: نشهد أنك رسول الله، وأن لا إله إلا الله، فقال رسول الله: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. ثم قال رسول الله : أنتم الذين إذا زجروا استقدموا! فسكتوا، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها رسول الله ص الثانية، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها رسول الله الثالثة فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها رسول الله الرابعة، فقال يزيد بن عبد المدان: نعم يا رسول الله، نحن الذين إذا زجرنا استقدمنا، فقالها أربع مرات، فقال رسول الله ص: لو أن خالد بن الوليد لم يكتب إلى فيكم أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رءوسكم تحت أقدامكم. فقال يزيد بن عبد المدان: أما والله يا رسول الله، ما حمدناك ولا حمدنا خالدًا، فقال رسول الله: فمن حمدتم؟ قالوا: حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله؛ قال: صدقتم؛ ثم قال رسول الله ص: بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟ قالوا: لم نكن نغلب أحدًا، فقال رسول الله: بلى قد كنتم تغلبون من قاتلكم، قالوا: يا رسول الله، كنا نغلب من قاتلنا، أنا كنا بني عبيد، وكنا نجتمع ولا نتفرق، ولا نبدأ أحدًا بظلم، قال: صدقتم. ثم أمر رسول الله علي بلحارث بن كعب قيس بن الحصين. فرجع وفد بلحارث ابن كعب إلى قومهم في بقية شوال أو في صدر ذي القعدة، فلم يمكثوا بعد أن قدموا إلى قومهم إلا أربعة أشهر، حتى توفي رسول الله ص.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر، قال: وكان رسول الله ص بعث إلى بني الحارث بن كعب بعد أن ولي وفدهم عمرو بن حزم الأنصاري، ثم أحد بني النجار، ليفقههم في الدين ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم، وكتب له كتابًا عهد إلي فيه، وأمره فيه بأمره: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا بيان من الله ورسوله: " يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود "؛ عقد من محمد النبي لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ بالحق كما أمر به الله وأن يبشر الناس بالخير، ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم في الدين، وينهى الناس ولا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم؛ وبالذي عليهم؛ ويلين للناس في الحق، ويشتد عليهم في الظلم؛ فإن الله عز وجل كره الظلم ونهى عنه وقال: " ألا لعنة الله على الظالمين "، ويبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر بالنار وبعملها، ويستألف الناس حتى ينفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج وسنته وفريضته، وما أمر الله به في الحج الأكبر والحج الأصغر؛ وهو العمرة، وينهي الناس أن يصلي أحد في ثوب واحد صغير؛ إلا أن يكون ثوبًا واحدًا يثني طرفه على عاتقه، وينهي أن يحتبي أحد في ثوب واحد يفضي بفرجه إلى السماء، وينهي ألا يعقص أحد شعر رأسه إذا عفا في قفاه، وينهى إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل والعشائر؛ وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له؛ فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطعوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوهم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين، ويمسحون برءوسهم كما أمرهم الله عز وجل، وأمره بالصلاة لوقتها، وإتمام الركوع والخشوع، ويغلس بالفجر، ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل الليل؛ لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل. ويأمر بالسعي إلى الجمعة إذا نودى لها، والغسل عند الرواح إليها، وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وما سقت السماء ومما سقى الغرب نصف العشر، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل عشرين من الإبل أربع شياه، وفي كل أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين من الغنم سائمة شاة؛ فإنها فريضة الله التي افترض الله عز وجل على المؤمنين في الصدقة؛ فمن زاد خيرًا فهو خير له، وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلامًا خالصًا من نفسه، ودان دين الإسلام فإنه من المؤمنين؛ له مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم؛ ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يفتن عنها، وعلى كل حالم ذكر أو أنثى، حر أو عبد، دينار واف أو عرضه ثيابًا؛ فمن أدى ذلك؛ فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعًا.
قال الواقدي: توفي رسول الله ص وعمرو بن حزم عامله بنجران.