حدثنا عبيد الله بن سعد، قال: أخبرنا عمي، قال: أخبرنا سيف، قال: أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: حاربهم رسول الله ص بالرسل، قال: فأرسل إلى نفر من الأبناء رسولًا، وكتب إليهم أن يحاولوه، وأمرهم أن يستنجدوا رجالًا - قد سماهم - من بني تميم وقيس؛ وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوهم، ففعلوا ذلك؛ وانقطعت سبل المرتدة، وطعنوا في نقصان وأغلقهم، واشتغلوا في أنفسهم، فأصيب الأسود في حياة رسول الله، وقبل وفاته بيوم أو بليلة، ولظ طليحة ومسيلمة وأشباهم بالرسل؛ ولم يشغله ما كان فيه من الوجع عن أمر الله عز وجل والذب عن دينه، فبعث وبربن يحنس إلى فيروز وجشيش الديلمي وداذويه الإصطخري؛ وبعث جرير بن عبد الله إلى ذي القلاع وذي ظلم، وبعث الأفرع بن عبد الله الحمير إلى ذي زود وذي مران، وبعث فرأت بن حيان اعجلي إلى قمامة بن أسال، وبعث أياد بن حنظل التميمة ثم اعمري إلى قيس بن عاصم والبر قان بن بدر، وبعث سلسل بن شرحبيل إلى سبرة العنبري ووكيع الدارمي وإلى عمرو بن المحجوب العامري، وإلى عمرو بن الخفاجي من بني عامر، وبعث ضرار بن الأزور الأسدي إلى عوف الزرقاني من بني الصيداء وسنان الأسدي ثم الغنمي، وقضاعي الدئلي، وبعث نعيم بن مسعود الأشجعي إلى ابن ذي اللحية وابن مشيمصة الجبيري.
وحدثت عن هشام بن محمد، عن أبي مخنف، قال: حدثنا الصقعب ابن زهير، عن فقهاء أهل الحجاز، أن رسول الله ص وجع وجعه الذي قبض في آخر صفر في أيام بقين منه؛ وهو في بيت زينب بنت جحش.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة وعلي بن مجاهد، عن محمد ابن إسحاق، عن عبد الله بن عمر بن علي، عن عبيد ين جبير، مولي الحكم ابن أبي العاص، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي مويهبة مولى رسول الله ص، قال: بعثني رسول الله ص من جوف الليل، فقال لي: يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع؛ فانطلق معي، فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم، قال: السلام عليكم أهل المقابر؛ ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه! أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى. ثم أقبل علي فقال: يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، خيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة، فاخترت لقاء ربي والجنة. قال: قلت: يأبي أنت وأمي! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة. فقال: لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة، ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف فبدئ رسول الله ص بوجعه الذي قبض فيه.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد ابن إسحاق.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا علي بن مجاهد، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة زوج النبي ، قالت: رجع رسول الله من البقيع، فوجدني وأنا أجد صداعًا في رأسي، وأنا أقول: وارأساه! قال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه! ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك، وصليت عليك، ودفنتك! فقلت: والله لكأني بك لو فعلت ذلك رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك، قالت: فتبسم رسول الله ص، وتتام به وجعه؛ وهو يدور على نسائه حتى استعز به وهو في بيت ميمونة، فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي، فأذن له.
فخرج رسول الله ص بين رجلين من أهله: أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر تخط قدماه الأرض، عاصبًا رأسه حتى دخل بيتي.
قال عبيد الله: فحدثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عباس، فقال: هل تدري من الرجل؟ قلت: لا، قال: علي بن أبي طالب. ولكنها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع.
ثم غمر رسول الله ص واشتد به الوجع؛ فقال: أهريقوا على من سبع قرب من آبار شتى؛ حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم، قالت: فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر، ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول: حسبكم، حسبكم!.
فحدثني حميد بن الربيع الخراز، قال: حدثنا معن بن عيسى، قال: حدثنا الحارث بن عبد الملك بن عبد الله بن إياس الليثي؛ ثم الأشجعي، عن القاسم بن يزيد، عن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل بن عباس، قال: جاءني رسول الله ص، فخرجت إليه فوجدته موعوكًا قد عصب رأسه، فقال: خذ بيدي يا فضل، فأخذت بيده؛ حتى جلس على المنبر، ثم قال: ناد في الناس. فاجتمعوا إليه، فقال: أما بعد أيها الناس، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو؛ وإنه قد دنا منى حقوق من بين أظهركم، فمن كنت جلدت له ظهرًا فهذا ظهري فليستقيد منه، ومن كنت شتمت له عرضًا فهذا عرضي فليستقد منه؛ ألا وإن الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني،؛ ألا وإن أحبكم إلى من أخذ مني حقًا إن كان له، أو حللني فلقيت الله وأنا أطيب النفس؛ وقد أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مرارًا.
قال الفضل: ثم نزل فصلى الظهر، ثم رجع فجلس على المنبر، فعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها، فقام رجل فقال: يا رسول الله؛ إن لي عندك ثلاثة دراهم، قال: أعطه يا فضل، فأمرته فجلس. ثم قال: أيها الناس، من كان عنده شيء فليؤده ولا يقل فضوح الدنيا، ألا وإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة. فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله، قال: ولم غللتها؟ قال: كنت إليها محتاجًا، قال: خذها منه يا فضل. ثم قال: يأيها الناس، من خشى من نفسه شيئًا فليقم أدع له. فقام رجل فقال: يا رسول الله، إني لكذاب، إني لفاحش، وإني لنؤوم؛ فقال: اللهم ارزقه صدقًا وإيمانًا، وأذهب عنه النوم إذا أراد. ثم قام رجل فقال: والله يا رسول الله، إني لكذاب وإني لمنافق، وما شيء - أو إن شيء - إلا قد جنيته. فقام عمر بن الخطاب، فقال: فضحت نفسك أيها الرجل! فقال النبي ص: يا بن الخطاب، فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقًا وإيمانًا وصير أمره إلى خير.
فقال عمر كلمة. فضحك رسول الله، ثم قال: عمر معي وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان.