حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن أيوب بن بشير، أن رسول الله ص خرج عاصبًا رأسه؛ حتى جلس على المنبر؛ ثم كان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد، واستغفر لهم؛ وأكثر الصلاة عليهم، ثم قال: إن عبدًا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله. قال: ففهمها أبو بكر، وعلم أن نفسه يريد؛ فبكى، وقال: بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا، فقال: على رسلك يا أبا بكر! انظروا هذه الأبواب الشوارع اللافظة في المسجد فسدوها؛ إلا ما كان من بيت أبي بكر؛ فإني لا أعلم أحدًا كان أفضل عندي في الصحبة يدًا منه.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن بعض آل أبي سعيد بن المعلي، أن رسول الله قال يومئذ في كلامه هذا: فإني لو كنت متخذًا من العباد خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا؛ ولكن صحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده.
وحدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي عبد الله ابن وهب، قال: حدثنا مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ص يومًا على المنبر، فقال: إن عبدًا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عند الله؛ فاختار ما عند الله؛ فبكى أبو بكر ثم قال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله! قال: فتعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله عن عبد يخير، ويقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا! قال: فكان رسول الله هو المخير؛ وكان أبو بكر أعلمنا به؛ فقال رسول الله : إن أمن الناس على في صحبته وماله أبو بكر؛ ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا؛ ولكن أخوة الإسلام؛ لا تبق خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر.
حدثني محمد بن عمر بن الصباح الهمداني، قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا مسلم بن جعفر البجلي، قال: سمعت عبد الملك ابن الأصبهاني عن خلاد الأسدي، قال: قال عبد الله بن مسعود: نعى إلينا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر؛ فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة، فنظر إلينا وشدد، فدمعت عينه، وقال: مرحبًا بكم! رحمكم الله! آواكم الله! حفظكم الله! رفعكم الله! نفعكم الله! وفقكم الله! نصركم الله! سلمكم الله! رحمكم الله! قبلكم الله! أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، وأستخلفه عليكم، وأؤديكم إليه؛ إني لكم نذير وبشير، لا تعلوا على الله في عباده وبلاده؛ فإنه قال لي ولكم: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين ". وقال: " أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ". فقلنا: متى أجلك؟ قال: قد دنا الفراق، والمنقلب إلى الله، وإلى سدرة المنتهى. قلنا: فمن يغسلك يا نبي الله؟ قال: أهلي الأدنى فالأدنى، قلنا: ففيم نكفنك يا نبي الله؟ قال: في ثيابي هذه إن شئتم؛ أو في بياض مصر، أو حلة يمانية، قلنا: فمن يصلي عليك يا نبي الله؟ قال: مهلًا غفر الله لكم، وجزاكم عن نبيكم خيرًا! فبكينا وبكى النبي ص، وقال: إذا غسلموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا، على شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي على جليسي وخليلي جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم ملك الموت مع جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها، ثم ادخلوا على فوجًا فوجًا، فصلوا علي وسلموا تسليمًا، ولا تؤذوني بتزكية ولا برنة ولا صيحة، وليبدأ بالصلاة على رجال أهل بيتي، ثم نساؤهم، ثم أنتم بعد. أفرئوا أنفسكم مني السلام؛ فإني أشهدكم أني قد سلمت على من بايعني على ديني من اليوم إلى يوم القيامة. قلنا: فمن يدخلك في قبرك يا نبي الله؟ قال: أهلي مع ملائكة كثيرين يرونكم من حيث لا ترونهم.
حدثنا أحمد بن حماد الدولابي، قال: حدثنا سفيان، عن سليمان ابن أبي مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يوم الخميس وما يوم الخميس! قال: اشتد برسول الله وجمعه، فقال: ائتوني أكتب كتابًا لا تضلوا بعدي أبدًا. فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبي أن يتنازع - فقالوا: ما شأنه؟ أهجر! استفهموه؛ فذهبوا يعيدون عليه، فقال: دعوني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه؛ وأوصي بثلاث؛ قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم؛ وسكت عن الثالثة عمدًا - أو قال: فنسيتها.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يوم الخميس! ثم ذكر نحو حديث أحمد بن حماد، غير أنه قال: ولا ينبغي عند نبي أن ينازع.
حدثنا أبو كريب وصالح بن سمال، قال: حدثنا وكيع، عن مالك ابن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يوم الخميس وما يوم الخميس! قال: ثم نظرت إلى دموعه تسيل على خديه كأنها نظام اللؤلؤ. قال: قال رسول الله ص: ائتوني باللوح والدواة - أو بالكتف والدواة - أكتب لكم كتابًا لا تضلون بعده. قال: قالوا: إن رسول الله يهجر.
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي عبد الله ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن الزهري، قال: أخبرني عبد الله ابن كعب بن مالك؛ أن ابن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن، كيف أصبح رسول الله؟ قال: أصبح بحمد الله بارئًا، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال: ألا ترى أنك بعد ثلاث عبد العصا! وإني أرى رسول الله سيتوفي في وجعه هذا؛ وإني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت؛ فاذهب إلى رسول الله فسله فيمن يكون هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا أمر به فأوصى بنا. قال علي: والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدًا؛ والله لا أسألها رسول الله أبدًا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن عبد الله بن عباس، قال: خرج يومئذ علي بن أبي طالب على الناس من عند رسول الله ، ثم ذكر نحوه؛ غير أنه قال في حديثه: أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب؛ فانطلق بنا إلى رسول الله؛ فإن كان هذا الأمر فينا علمنا، وإن كان في غيرنا أمرنا فأوصى بنا الناس؛ وزاد فيه أيضًا: فتوفي رسول الله حين اشتد الضحى من ذلك اليوم.