ذكر جهاز رسول الله ص ودفنه

قال أبو جعفر: فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله ص، فقال بعضهم: كان ذلك من فعلهم يوم الثلاثاء؛ وذلك الغد من وفاته ص.
وقال بعضهم: إنما دفن بعد وفاته بثلاثة أيام، وقد مضى ذكر بعض قائلي ذلك.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر وكثير بن عبد الله وغيرهما من أصحابه، عمن يحدثه؛ عن عبد الله بن عباس، أن علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل ابن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله ص هم الذين ولوا غسله، وإن أوس بن خولي أحد بني عوف ابن الخزرج؛ قال لعلي بن أبي طالب: أنشدك الله يا علي؛ وحظنا من رسول الله! وكان أوس من أصحاب بدر؛ وقال: ادخل؛ فدخل فحضر غسل رسول الله ص؛ فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره، وكان العباس والفضل وقثم هم الذين يقبلونه معه؛ وكان أسامة بن زيد وشقران مولياه هما اللذان يصبان الماء، وعلي يغسله قد أسنده إلى صدره، وعليه قميصه يدلكه من ورائه، لا يفضى بيده إلى رسول الله ص وعلي يقول: بأبي أنت وأمي! ما أطيبك حيًا وميتًا! ولم ير من رسول الله شيء مما يرى من الميت.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يحيى ابن عباد، عن أبيه عباد، عن عائشة، قالت: لما أرادوا أن يغسلوا النبي ص اختلفوا فيه، فقالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه! فلما اختلفوا ألقي عليهم السنة حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدري من هو: أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه؛ قالت: فقاموا إلى رسول الله ص فغسلوه وعليه قميصه يصبون عليه الماء فوق القميص، ويدلكونه والقميص دون أيديهم.
قال: فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن جعفر ابن محمد بن علي بن حسين، عن أبيه، عن جده علي بن حسين. قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري، عن علي بن حسين، قال: فلما فرغ من غسل رسول الله ص كفن في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين وبرد حبرة؛ أدرج فيها إدراجا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس، قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله - وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة، وكان أبو طلحة زيد ابن سهل هو الذي يحفر لأهل المدينة، وكان يلحد - فدعا العباس رجلين، فقال لأحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة، وللآخر: اذهب إلى أبي طلحة؛ اللهم خر لرسولك؛ قال: فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله ص. فلما فرغ من جهاز رسول الله يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته؛ وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه؛ فقال قائل: ندفنه في مسجده، وقال قائل: يدفن مع أصحابه؛ فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله ص يقول: ((ما قبض نبي إلا يدفن حيث قبض))؛ فرفع فراش رسول الله الذي توفي عليه؛ فحفر له تحته؛ ودخل الناس على رسول الله يصلون عليه أرسالا؛ حتى إذا فرغ الرجال أدخل النساء، حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان؛ ثم أدخل العبيد؛ ولم يؤم الناس على رسول الله أحد، ثم دفن رسول الله ص من وسط الليل ليلة الأربعاء.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن فاطمة بنت محمد بن عمارة، امرأة عبد الله - يعني ابن أبي بكر - عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: ما علمنا بدفن رسول الله ص حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء.
قال ابن إسحاق: وكان الذي نزل قبر رسول الله ص علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وشقران مولى رسول الله ص؛ وقد قال أوس بن خولي: أنشدك الله يا علي وحظنا من رسول الله! فقال له: انزل فنزل مع القوم؛ وقد كان شقران مولى رسول الله ص حين وضع رسول الله ص في حفرته، وبني عليه؛ قد أخذ قطيفة كان رسول الله يلبسها ويفترشها؛ فقذفها في القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك أبدًا. قال: فدفنت مع رسول الله ص.
قال ابن إسحاق: وكان المغيرة بن شعبة يدعى أنه أحدث الناس عهدًا برسول الله ص، ويقول: أخذت خاتمي فألقيته في القبر، وقلت: إن خاتمي قد سقط، وإنما طرحته عمدًا لأمس رسول الله، فأكون آخر الناس به عهدًا.
حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه إسحاق بن يسار، عن مقسم أبي القاسم، مولى عبد الله بن الحارث ابن نوفل، عن مولاه عبد الله بن الحارث، قال: اعتمرت مع علي بن أبي طالب في زمان عمر - أو زمان عثمان - فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب، فلما فرغ من عمرته رجع وسكبت له غسلا فاغتسل؛ فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق؛ فقالوا، يا أبا الحسن؛ جئنا نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا به! فقال: أظن المغيرة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدًا برسول الله ص! قالوا: أجل، عن ذا جئنا نسألك! قال: كذب؛ كان أحدث الناس عهدًا برسول الله قثم بن العباس.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن صالح ابن كيسان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة، قالت: كان على رسول الله ص خميصة سوداء حين اشند به وجعه، قالت: فهو يضعها مرة على وجهه، ومرة يكشفها عنه، ويقول: قاتل الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد! يحذر ذلك على أمته.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن صالح ابن كيسان، عن الزهري، عن عبيد اله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، قالت: كان آخر ما عهد رسول الله ص أنه قال: لا يترك بجزيرة العرب دينان.
قالت: وتوفي رسول الله ص لاثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرًا فاستكمل في هجرته عشر سنين كوامل.
واختلف في مبلغ سنه يوم توفي ص، فقال بعضهم: كان له يومئذ ثلاث وستون سنة.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن أبي جمرة، عن ابن عباس، قال: أقام رسول الله ص بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، وبالمدينة عشرًا؛ ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد، عن أبي جمرة، عن أبيه، قال: عاش رسول الله ص ثلاثًا وستين سنة.