أطعنا رسول الله ما كان بيننا ** فيا لعباد الله ما لأبي بكر!
أيورثها بكرًا إذا مات بعده ** وتلك لعمر الله قاصمة الظهر
فهلا رددتم وفدنا بزمانه ** وهلا خشيتم حس راغية البكر!
وإن التي سالوكم فمنعتم ** لكالتمر أو أحلى إلى من التمر
فظن القوم القوم بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر؛ فقدموا عليهم اعتمادًا في الذين أخبروهم، وهم لا يشعرون لأمر اله عز وجل الذي أراده، وأحب أن يبلغه فيهم، فبات أبو بكر ليلته يتهيأ، فعبى الناس، ثم خرج على تعبية من أعجاز ليلته يمشي، وعلى ميمنته النعمان بن مقرن، وعلى ميسرته عبد الله بن مقرن، وعلى الساقة سويد بن مقرن معه الركاب؛ فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين همسًا ولا حسًا حتى وضعوا فيهم السيوف، فاقتتلوا أعجاز ليلتهم؛ فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلبوهم على عامة ظهرهم؛ وقتل حبال واتبعهم أبو بكر؛ حتى نزل بذي القصة - وكان أول الفتح - ووضع بها النعمان ابن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة فذل بها المشركون؛ فوثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين؛ فقتلوهم كل قتلة؛ وفعل من وراءهم فعلهم. وعز المسلمون بوقعة أبي بكر، وحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين كل قتلة؛ وليقتلن في كل قبيلة بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، وفي ذلك يقول زياد بن حنظلة التميمي:
غداة سعى أبو بكر إليهم ** كما يسعى لموتته جلال
أراح على نواهقها عليًا ** ومج لهن مهجته حبال
وقال أيضًا:
أقمنا لهم عرض الشمال فكبكبوا ** ككبكبة الغزى أناخوا على الوفر
فما صبروا للحرب عند قيامها ** صبيحة يسمو بالرجال أبو بكر
طرقنا بني عبس بأدنى نباحها ** وذبيان نهنهنا بقاصمة الظهر
ثم لم يصنع إلا ذلك؛ حتى ازداد المسلمون لها ثباتًا على دينهم في كل قبيلة، وازداد لها المشركون انعكاسًا من أمرهم في كل قبيلة؛ وطرقت المدينة صدقات نفر: صفوان، الزبرقان، عدي؛ صفوان، ثم الزبرقان، ثم عدي؛ صفوان في أول الليل، والثاني في وسطه، والثالث في آخره. وكان الذي بشر بصفوان سعد بن أبي وقاص، والذي بشر بالزبرقان عبد الرحمن بن عوف، والذي بشر بعدي عبد الله بن مسعود. وقال غيره: أبو قتادة.
قال: وقال الناس لكلهم حين طلع: نذير، وقال أبو بكر: هذا بشير، هذا حام وليس بوان؛ فإذا نادى بالخير، قالوا: طالما بشرت بالخير! وذلك لتمام ستين يومًا من مخرج أسامة. وقدم أسامة بعد ذلك بأيام لشهرين وأيام، فاستخلفه أبو بكر على المدينة، وقال له ولجنده: أريحوا وأريحوا ظهركم.
ثم خرج في الذين خرجوا إلى ذي القصة والذين كانوا على الأنقاب على ذلك الظهر؛ فقال له المسلمون: ننشدك الله يا خليفة رسول الله أن تعرض نفسك! فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامك أشد على العدو؛ فابعث رجلًا، فإن أصيب أمرت آخر، فقال: لا والله لا أفعل ولأواسينكم بنفسي؛ فخرج في تعبيته إلى ذي حسي وذي القصة، والنعمان وعبد الله وسويد على ما كانوا عليه، حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق؛ فاقتتلوا، فهزم الله الحارث وعوفًا، وأخذ الحطيئة أسيرًا، فطارت عبس وبنو بكر؛ وأقام أبو بكر على الأبرق أيامًا؛ وقد غلب بني ذبيان على البلاد. وقال: حرام على بني ذبيان أن يتملكوا هذه البلاد إذ غنمناها الله! وأجلاها. فلما غلب أهل الردة؛ ودخلوا في الباب الذي خرجوا منه، وسامح الناس جاءت بنو ثعلبة؛ وهي كانت منازلهم لينزلوها، فمنعوا منها فأتوه في المدينة، فقالوا: علام نمنع من نزول بلادنا! فقال: كذبتم، ليست لكم ببلاد؛ ولكنها موهبي ونقذي، ولم يعتبهم، وحمى الأبرق لخيول المسلمين، وأرعى سائر بلاد الربذة الناس على بني ثعلبة، ثم حماها كلها لصدقات المسلمين؛ لقتال كان وقع بين الناس وأصحاب الصدقات، فمنع بذلك بعضهم من بعض.
ولما فضت عبس وذبيان أرزوا إلى طليحة وقد نزل طليحة على بزاخة، وارتحل عن سميراء إليها، فأقام عليها؛ وقال في يوم الأبرق زياد بن حنظلة:
ويوم بالأبارق قد شهدنا ** على ذبيان يلتهب التهابا
أتيناهم بداهية نسوف ** مع الصديق إذ ترك العتابا
حدثني السري، قال: حدثنا شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت بن الجذع وحرام بن عثمان، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: لما قدم أسامة بن زيد خرج أبو بكر واستخلفه على المدينة، ومضى حتى انتهى إلى الربذة يلقي بني عبس وذبيان وجماعة من بني عبد مناة ابن كنانة، فلقيهم بالأبرق، فقاتلهم فهزمهم الله وفلهم. ثم رجع إلى المدينة، فلما جم جند أسامة، وثاب من حول المدينة خرج إلى ذي القصة فنزل بهم - وهو على بريد من المدينة تلقاء نجد - فقطع فيها الجند، وعقد الألوية، عقد أحد عشر لواء على أحد عشر جندًا، وأمر أمير كل جند باستنفار من مر به من المسلمين من أهل القوة، وتخلف بعض أهل القوة لمنع بلادهم.
حدثنا السري، قال: حدثنا شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، قال: لما أراح أسامة وجنده ظهرهم وجموا، وقد جاءت صدقات كثيرة تفضل عنهم، قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء: عقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد؛ فإذا فرغ سار إلى إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له، ولعكرمة ابن أبي جهل وأمره بمسيلمة، وللمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسي ومعونة الأبناء على قيس بن المكشوح ومن أعانه من أهل اليمن عليهم، ثم يمضي إلى كندة بحضرموت، ولخالد بن سعيد بن العاص - وكان قدم على تفيئة ذلك من اليمن وترك عمله - وبعثه إلى الحمقتين من مشارف الشأم، ولعمرو بن العاص إلى جماع قضاعة ووديعة والحارث، ولحذيفة بن محصن الغلفاني وأمره بأهل دبا ولعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة؛ وأمرهما أن يجتمعا وكل واحد منهما في عمله على صاحبه، وبعث شرجبيل بن حسنة في أثر عكرمة ابن أبي جهل، وقال: إذا فرغ من اليمامة فالحق بقضاعة، وأنت على خيلك تقاتل أهل الردة، ولطريفة بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن، ولسويد بن مقرن وأمره بتهامة اليمن، وللعلاء بن الحضرمي وأمره بالبحرين.