صبرت لهم نفسي وعرجت مهرتي ** على الطعن حتى صار وردًا كميتها
إذا هي صدت عن كمي أريده ** عدلت إليه صدرها فهديتها
فقال أبو شجرة حين ارتد عن الإسلام:
صحا القلب عن مي هواه وأقصرا ** وطاوع فيها العاذلين فأبصرا
وأصبح أدنى رائد الجهل والصبا ** كما ودها عنا كذاك تغيرا
وأصبح أدنى رائد الوصل منهم ** كما حبلها من حبلنا قد تبترا
ألا أيها المدلي بكثرة قومه ** وحظك منهم أن تضام وتقهرا
سل الناس عنا كل يوم كريهة ** إذا ما التقينا: دار عين وحسرا
ألسنا نعاطى ذا الطماح لجامه ** ونطعن في الهيجا إذا الموت أقفرا!
وعاضرة شهباء تخطر بالقنا ** ترى البلق في حافاتها والسنورا
فرويت رمحي من كتيبة خالد ** وإني لأرجو بعدها أن أعمرا
ثم إن أبا شجرة أسلم، ودخل فيما دخل فيه الناس؛ فلما كان زمن عمر بن الخطاب قدم المدينة. فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أنس السلمي، عن رجال من قومه. وحدثنا السري قال: حدثنا شعيب، عن سيف، عن سهل وأبي يعقوب ومحمد بن مرزوق، وعن هشام، عن أبي مخنف، عن عبد الرحمن بن قيس السلمي، قالوا: فأناح ناقته بصعيد بني قريظة. قال: ثم أتى عمر وهو يعطي المساكين من الصدقة ويقسمها بين فقراء العرب، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطني فإني ذو حاجة، قال: ومن أنت؟ قال: أبو شجرة بن عبد العزي السلمي، قال: أبو شجرة! أي عدو الله، ألست الذي تقول:
فرويت رمحي من كتيبة خالد ** وإني لأرجو بعدها أن أعمرا
قال: ثم جعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى سبقه عدوًا، فرجع إلى ناقته فارتحلها، ثم أسندها في حرة شوران راجعًا إلى أرض بني سليم، فقال:
صن علينا أبو حفص بنائله ** وكل مختبط يومًا له ورق
ما زال يرهقني حتى خذيت له ** وحال من دون بعض الرغبة الشفق
لما رهبت أبا حفص وشرطته ** والشيخ يفزع أحيانًا فينحمق
ثم ارعويت إليها وهي جانحة ** مثل الطريدة لم ينبت لها ورق
أوردتها الخل من شوران صادرة ** إني لأزرى عليها وهي تنطلق
تطير مرو أبان عن مناسمها ** كما تنوقد عند الجهبذ الورق
إذا يعارضها خرق تعارضه ** ورهاء فيها إذا استعجلتها خرق
ينوء آخرها منها بأولها ** سرح اليدين بها نهاضة العنق
ذكر خبر بني تميم وأمر سجاج بنت الحارث بن سويد

وكان من أمر بني تميم، أن رسول الله توفي وقد فرق فيهم عماله؛ فكان الزبرقان بن بدر على الرباب وعوف والأبناء - فيما ذكر السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن عطية بن بلال، عن أبيه وسهم بن منجاب - وقيس بن عاصم على مقاعس والبطون، وصفوان ابن صفوان وسبرة بن عمرو على بني عمرو؛ هذا على بهدى وهذا على خضم - قبيلتين من بني تميم - ووكيع بن مالك ومالك بن نويرة على بني حنظلة؛ هذا على بني مالك، وهذا على بني يربوع. فضرب صفوان إلى أبي بكر حين وقع إليه الخبر بموت النبي بصدقات بني عمرو، وما ولى منها وبما ولى سبرة، وأقام سبرة في قومه لحدث إن ناب القوم، وقد أطرق قيس ينظر ما الزبرقان صانع. وكان الزبرقان متعتبًا عليه، وقلما جامله إلا مزقه الزبرقان بحظوته وجده. وقد قال قيس وهو ينتظر لينظر ما يصنع ليخالفه حين أبطأ عليه: واو يلنا من من ابن العكلية! والله لقد مزقني فما أدري ما أصنع! لئن أنا تابعت أبا بكر وأتيته بالصدقة لينحرنها في بني سعد فليسودني فيهم، ولئن نحرتها في بني سعد ليأتين أبا بكر فليسودني عنده. فعزم قيس على قسمها في المقاعس والبطون، ففعل. وعزم الزبرقان على الوفاء، فاتبع صفوان بصدقات الرباب وعوف والأبناء حتى قدم بها المدينة، وهو يقول ويعرض بقيس:
وفيت بأذواد الرسول وقد أبت ** سعاة فلم يردد بعيرًا مجيرها
وتحلل الأحياء ونشب الشر، وتشاغلوا وشغل بعضهم بعضًا. ثم ندم قيس بعد ذلك، فلما أظله العلاء بن الحضرمي أخرج صدقتها؛ فتلقاه بها؛ ثم خرج معه، وقال في ذلك:
ألا أبلغا عني قريشًا رسالةً ** إذا ما أتتها بينات الودائع