حدثنا عبيد الله، قال: أخبرنا عمي، قال: أخبرنا سيف، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: قدم الجارود بن المعلى على النبي مرتادًا، فقال: أسلم يا جارود، فقال: إن لي دينًا، قال له النبي : إن دينك يا جارود ليس بشئ، وليس بدين؛ فقال له الجارود: فإن أنا أسلمت فما كان من تبعة في الإسلام فعليك؟ قال: نعم. فأسلم ومكث بالمدينة حتى فقه فلما أراد الخروج، قال: يا رسول الله، هل نجد عند أحد منكم ظهرًا نتبلغ عليه؟ قال: ما أصبح عندنا ظهر، قال: يا رسول الله؛ إنا نجد بالطريق ضوال من هذه الضوال، قال: تلك حرق النار، فإياك وإياها. فلما قدم على قومه دعاهم إلى الإسلام فأجابوه كلهم، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى مات النبي . فقالت عبد القيس: لو كان محمد نبيًا لما مات؛ وارتدوا، وبلغه ذلك فبعث فيهم فجمعهم، ثم قام فخطبهم، فقال: يا معشر عبد القيس؛ إني سائلكم عن أمر فأخبروني به إن علمتموه ولا تجيبوني إن لم تعلموا. قالوا: سل عما بدا لك، قال: تعلمون أنه كان لله أنبياء فيما مضى؟ قالوا: نعم، قال: تعلمونه أو ترونه؟ قالوا: لا بل نعلمه، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمدًا مات كما ماتوا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، قالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله؛ وأنك سيدنا وأفضلنا. وثبتوا على إسلامهم، ولم يبسطوا ولم يبسط إليهم وخلوا بين سائر ربيعة وبين المنذر والمسلمين، فكان المنذر مشتغلًا بهم حياته، فلما مات المنذر حصر أصحاب المنذر في مكانين حتى تنقذهم العلاء.
قال أبو جعفر: وأما ابن إسحاق فإنه قال في ذلك ما حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عنه، قال: لما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة بعث أبو بكر رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي. وكان العلاء هو الذي كان رسول الله ص بعثه إلى المنذر بن ساوى العبدي، فأسلم المنذر، فأقام بها العلاء أميرًا لرسول الله ، فمات المنذر بن ساوى بالبحرين بعد متوفى رسول الله ، وكان عمرو بن العاص بعمان، فتوفي رسول الله ص وعمرو بها فأقبل عمرو، فمر بالمنذر بن ساوى وهو بالموت فدخل عليه فقال المنذر له: كم كان رسول الله ص يجعل للميت من المسلمين من ماله عند وفاته؟ قال عمرو: فقلت له: كان يجعل له الثلث؛ قال: فما ترى لي أن أصنع في ثلث مالي؟ قال عمرو: فقلت له: إن شئت قسمته في أهل قرابتك، وجعلته في سبيل الخير؛ وإن شئت تصدقت به فجعلته صدقة محرمة تجري من بعدك على من تصدقت به عليه. قال: ما أحب أن أجعل من مالي شيئًا محرمًا كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ولكن أقسمه، فأنفذه على من أوصيت به له يصنع به ما يشاء.
قال: فكان عمرو يعجب لها من قوله. وارتدت ربيعة بالبحرين فيمن ارتد من العرب، إلا الجارود بن عمرو بن حنش بن معلى؛ فإنه ثبت على الإسلام ومن معه من قومه، وقام حين بلغته وفاة رسول الله وارتداد العرب، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأكفر من لا يشهد. واجتمعت ربيعة بالبحرين وارتدت، فقالوا: نرد الملك في آل المنذر، فملكوا المنذر بن النعمان بن المنذر، وكان يسمى الغرور، وكان يقول حين أسلم وأسلم الناس وغلبهم السيف: لست بالغرور؛ ولكنى المغرور
حدثنا عبيد الله بن سعد، قال: أخبرنا عمي، قال: أخبرنا سيف، عن إسماعيل بن مسلم، عن عمير بن فلان العبدي، قال: لما مات النبي خرج الحطم بن ضبيعة أخو بني قيس بن ثعلبة فيمن اتبعه من بكر بن وائل على الردة، ومن تأشب إليه من غير المرتدين ممن لم بزل كافرًا، حتى نزل القطيف وهجر، واستغوى الخط ومن فيها من الزط والسيابجة، وبعث بعثًا إلى دارين، فأقاموا له ليجعل عبد القيس بينه وبينهم، وكانوا مخالفين لهم، يمدون المنذر والمسلمين؛ وأرسل إلى الغرور بن سويد، أخي النعمان بن المنذر؛ فبعثه إلى جؤاثي، وقال: اثبت، فإني إن ظفرت ملكتك بالبحرين حتى تكون كالنعمان بالحيرة. وبعث إلى جؤاثي، فحصرهم وألحوا عليهم فاشتد على المحصورين الحصر، وفي المسلمين المحصورين رجل من صالح المسلمين يقال له عبد الله بن حذف؛ أحد بني أبي بكر بن كلاب، وقد اشتد عليه وعليهم الجوع حتى كادوا أن يهلكوا. وقال في ذلك عبد الله بن حذف:
ألا أبلغ أبا بكر رسولًا ** وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكم إلى قوم كرام ** قعود في جؤائي محصرينا!
كأن دماءهم في كل فج ** شعاع الشمس يغشى الناظرينا
توكلنا على الرحمن إنا ** وجدنا الصبر للمتوكلينا
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن عطية ابن بلال، عن سهم بن منجاب، عن منجاب بن راشد، قال: بعث أبو بكر العلاء بن الحضرمي على قتال أهل الردة بالبحرين؛ فلما أقبل إليها؛ فكان بحيال اليمامة، لحق به ثمامة بن أثال في مسلمة بني حنيفة من بني سحيم ومن أهل القرى من سائر بني حنيفه، وكان متلددًا؛ وقد ألحق عكرمة بعمان ثم مهرة، وأمر شرحبيل بالمقام حيث انتهى إلى أن يأتيه أمر أبي بكر، ثم يغاور هو وعمرو بن العاص أهل الردة من قضاعة. فأما عمرو بن العاص فكان يغاور سعدًا وبليًا وأمر هذا بكلب ولفها، فلما دنا منا ونحن في عليا البلاد لم يكن أحد له فرس من الرباب وعمرو بن تميم إلا جنبه، ثم استقبله؛ فأما بنو حنظلة فإنهم قدموا رجلا وأخروا أخرى. وكان مالك بن نويرة في البطاح ومعه جموع يساجلنا ونساجله. وكان وكيع بن مالك في القرعاء معه جموع يساجل عمرا وعمرو يساجله، وأما سعد بن زيد مناة فإنهم كانوا فرقتين؛ فأما عوف والأبناء فإنهم أطاعوا الزبرقان بن بدر، فثبتوا على إسلامهم وتموا وذبوا عنه؛ وأما المقاعس والبطون فإنهما أصاخا ولم يتابعا؛ إلا ما كان من قيس بن عاصم؛ فإنه قسم الصدقات التي كانت اجتمعت إليه في المتقاعس والبطون حين شخص الزبرقان بصدقات عوف والأبناء؛ فكانت عوف والأبناء مشاغيل بالمقاعس والبطون. فلما رأى قيس بن عاصم ما صنعت الرباب وعمرو ومن تلقى العلاء ندم على ما كان فرط منه، فتلقى العلاء بإعداد ما كان قسم من الصدقات، ونزع عن أمره الذي كان هم به، واستاق حتى أبلغها إياه، وخرج معه إلى قتال أهل البحرين؛ وقال في ذلك شعرًا كما قال الزبرقان في صدقته حين أبلغها أبا بكر؛ وكان الذي قال الزبرقان في ذلك:
وفيت بأذواد الرسول وقد أبت ** سعاة فلم يردد بعيرًا مجيرها
معًا ومنعناها من الناس كلهم ** ترامى الأعادي عندنا ما يضيرها
فأديتها كي لا أخون بذمتى ** محانيق لم تدرس لراكب ظهورها
أردت بها النقوى ومجد حديثها ** إذا عصبة سامى قبيلي فخورها
وإني لمن حي إذا عد سعيهم ** يرى الفخر منها حيها وقبورها