جزى الله شخريتًا وأفناء هيثم ** وفرضم إذ سارت إلينا الحلائب
جزاء مسئ لم يراقب لذمة ** ولم يرجها فيما يرجى الأقارب
أعكرمة لولا قومي وفعلهم ** لضاقت عليك بالفضاء المذاهب
وكنا كمن اقتاد كفًا بأخنها ** وحلت علينا في الدهور النوائب
ذكر خبر المرتدين باليمن

قال أبو جعفر: كتب إلى السري بن يحيى، عن شعيب، عن سيف عن طلحة، عن عكرمة وسهل عن القاسم بن محمد، قال: توفي رسول الله وعلى مكة وأرضها عتاب بن أسيد والطاهر بن أبي هالة؛ عتاب على بني كنانة، والطاهر على عك؛ وذلك أن النبي قال: اجعلوا عمالة عك في بني أبيها معد بن عدنان وعلى الطائف وأرضها عثمان بن أبي العاص ومالك بن عوف النصري؛ عثمان على أهل المدر ومالك على أهل الوبر أعجاز هوازن، وعلى نجران وأرضها عمرو بن حزم وأبو سيفان بن حرب؛ عمرو بن حزم على الصلاة وأبو سفيان بن حرب على الصدقات، وعلى ما بين رمع وزبيد إلى حد نجران خالد بن سعيد بن العاص، وعلى همدان كلها عامر بن شهر، وعلى صنعاء فيروز الديلمي يسانده داذواية وقيس بن المكشوف، وعلى الجند يعلى بن أمية، وعلى مأرب أبو موسى الأشعري وعلى الأشعريين مع عك الطاهرين أببي هالة ومعاذ بن جبل يعلم القوم، وينتقل في عمل كل عامل، فنزابهم الأسود في حياة النبي فحاربه النبي عليه السلام بالرسل والكتب حتى قتله الله وعاد أم رالنبي عليه السلام كما كان قبل وفاة النبي عليه السلام بليلة؛ إلا أن مجيئهم لم يحرك الناس، والناس مستعدون له.
فلما بلغهم موت النبي انتقضت اليمن والبلدان؛ وقد كانت تذبذبت خيول العنسي - فيما بين نجران إلى صنعاء في عرض ذلك البحر - لا تأوى إلى أحد، ولا يأوى إليها أحد؛ فعمرو بن معد يكرب بحيال فروة بن مسك، ومعاوية بن أس في فالة العيني يتردد؛ ولم يرجع من عمال النبي بعد وفاة النبي إلا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد، ولجأ سائر العمال إلى المسلمين؛ واعترض عمرو بن معد يكرب خالد بن سعيد فسلبه الصماصمة. ورجعت الرسل مع من رجع بالخبر، فرجع جرير بن عبد الله والأقراع بن عبد الله ووبر بن يحنس، فحارب أبو بكر المرتدة جميعًا بالرسل والكتب، كما كان رسول حاربهم؛ إلى أن رجع أسامة بن زيد من الشأم، وحزر ذلك ثلاثة أشهر، إلا ما كان من أهل ذي حسي وذي القصة. ثم كان أول مصادم عند رجوع أسامة هم. فخرج إلى الأبرق فلم يصمد لقوم فيفلهم إلا استنفر من لم يرتد منهم إلى آخرين، فيفل بجطائفة من المهاجرين والأنصار والمستنفرة ممن لم يرتد إلى التي تليهم؛ حتى فرغ من آخر أمور الناس، ولا يستعين بالمرتدين.
فكان أول من كتب إليه عتاب بن أسيد، كتب إليه بركوب من ارتد من أهل عمله بمن ثبت على الإسلام، وعثمان بن أبي العاص بركوب من ابن أسيد إلى أهل عمله بمن ثبت على الإسلام فأا عتاب فإنه بعث خالد ابن أسيد إلى أهل تهامة، وقد تجمعت بها جماع من مدلج، وتأشش إليهم شذاذ من خزاعة وأفناء كنانة، عليهم جندب بن سلمى، أحد بني شنوق، من بني مدلج، ولم يكن في عمل عتاب جمع غيره، فالتقوا بالأبارق، ففرقهم وقتلهمم، واستحر القتل في نبي شنوق، فما زالوا أذلاء قليلًا، وبرت عمالة عتاب، وأفلت جندب، فقال جندب في ذلك:
ندمت وأيقنت الغداة بأنني ** أتيت التي يبقى على المرء عارها
شهدت بأن الله لا شئ غيره ** بنى مدلج فالله ربى وجارها
وبعث عثمان بن أبي العاص بعثا إلى شنوءة، وقد تجمعت بها جماع من الأزد وبجيلة وخثعم؛ عليهم حميضة بن النعمان، وعلى أهل الطائف عثمان بن ربيعة، فالتقوا بشنوءة، فهزموا تلك الجماع، وتفقوا عن حمضية وهرب حمضية في البلاد، فقال في ذلك عثمان بن ربيعة:
فضضنا جمعهم والنقع كاب ** وقد تعدى على الغدر الفتوح
وأبرق بارق لما إلتقينا ** فعاد خلبًا تلك البروق
خبر الأخابث من عك

قال أبو تجعفر: وكان أول منتفض بعد النبي ص بتهامة عك والأشعرون، وذلك أنهم حين بلغهم موت النبي ص تجمع منهم طخارير، فأقبل إليهم طخارير من الأشعرين وخضهم فانضموا إليهم، فأقاموا على الأعلاب طريق الساحل، وتأشب إليهم أوزاع على غيري رئيس؛ فكتب بذلك الطاهر بن أبي هالة إلى أبي بكر؛ وسار إليهم وكتب أيضًا بمسيرة إليهم، ومعه مسروق العكي حتى انتهى إلى تلك الأوزاع، على الأعلاب، فالتقوا فاقتتلوا، فهزمهم الله، وقتلوهم كل قتلة؛ وأنتنت السبل لقتلهم؛ وكان مقتلهم فتحًا عظيمًا. وأجاب أبو بكر الطاهر قبل أن يأتيه كتابه بالفتح: بلغني كتابك نخبرني فيه مسيرك واستنفارك مسروقًا وقومه إلى الأخابث وباعلاب، فقد أصبت، فعاجلوا هذا الضرب ولا ترفهوا عنهم، وأقيموا بالأعلاب حتى يأمن طريق الأخابث، ويأتيكم أنري. فسميت تلك الجوع من عك ومن تأشب إليهم إلى اليوم الأخابث، وسمى ذلك الطريق طريق الأخابث؛ وقال في ذلك الطاهرين أبي هالة:
ووالله لولا الله لا شئ غيره ** لما فض بالأجراع جمع العثاعث
فلم تر عيني مثل يوم رأيته ** بجنب صحار في جموع الأخابث
قتلناهم ما بين قنة خامر ** إلى القيمة الحمراء ذات النبائث
وفئنا بأموال الأخابث عنوة ** جهارًا ولم نحفل بتلك الهثاهث
وعسكر طاهر على طريق الأخابث، ومعه مسروق في عك ينتظر أمر أبي بكر رحمه الله قال أبو جعفر: ولما بلغ أهل نجران وفاة رسول الله وهم يومئذ أربعون ألف مقاتل، من بني الأفعى؛ الأمة التي كانوا بها قبل بني الحارث؛ بعثوا وفدًا ليجددوا عهدًا، فقدموا إليه فكتب لهم كتابًا: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا الكتاب من عبد الله أبي بكر خليفة رسول الله ص لأهل نجران، أجارهم من جنده ونفسه وأجاز لهم ذمة محمد ص إلا ما رجع عنه محمد رسول الله صص بأمر الله عز وجل في أرضهم وأرض العرب؛ ألا يسكن بها دينان؛ أجارهم على أنفسهم بعد ذلك وملتهم وسائر أموالهم وحاشيتهم وعاديتهم، وغائبهم وشاهدهم، وأسقفهم ورهبانهم وبيعهم حيثما وقعت؛ وعلى ما ملكت أيديهم من قليل أو كثير؛ عليهم ما عليهم، فإذا أدوه فلا يحشرون ولا يعشرون. ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيه؛ ووفى لهم بكل ما كتب يحشرون ولا يعشرون. ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته؛ ووفى لهم بكل ما كتب لهم رسول الله ص وعلى ما في الكتاب من ذمة محمد رسول الله ص وجوار المسلين. وعليهم النصح والإصلاح فيما عليهم من الحق. شهد المسور بن عمرو، وعمرو مولى أبي بكر.