رجع الحديث إلى حديث سيف، عن محمد بن نويرة، عن حنظلة بن زياد، قال: وخرج المثنى حتى انتهى إلى نهر المرأة، فانتهى إلى الحصن الذي فيه المرأة، فخلف المعنى بن حارثة عليه، فحاصرها في قصرها، ومضى المثنى إلى الرجل فحاصره ثم استنزلهم عنوة؛ فقتلهم واستفاء أموالهم؛ ولما بلغ ذلك المرأة صالحت المثنى وأسلمت، فتزوجها المعنى، ولم يحرك خالد وأمراؤه الفلاحين في شئ من فتوحهم لتقدم أبي بكر إليه فيهم، وسبى أولاد المقاتلة الذين كانوا يقومون بأمور الأعاجم، وأقر من لم ينهض من الفلاحين؛ وجعل لهم الذمة؛ وبلغ سهم الفارس في يوم ذات السلاسل والثنى ألف درهم، والراجل على الثلث من ذلك.
ذكر وقعة المذار

قال: وكانت وقعة المذار في صفر سنة اثنتي عشرة، ويومئذ قال الناس: صفر الأصفار، فيه يقتل كل جبار، على مجمع الأنهار. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن زياد والمهلب، عن عبد الرحمن بن سياه الأحمري.
وأما فيما كتب به إلى السري، عن شعيب، عن سيف، فإنه عن سيف، عن المهلب بن عقبة وزياد بن سرجس الأحمري وعبد الرحمن بن سياه الأحمري وسفيان الأحمري، قالوا: وقد كان هرمز كتب إلى أردشير وشيرى بالخبر بكتاب خالد إليه بمسيره من اليمامة نحوه، فأمده بقارن بن قريانس، فخرج قارن من المدائن ممدًا لهرمز؛ حتى إذا انتهى إلى المذار بلغته الهزيمة؛ وانتهت إليه الفلال السواد والجبل: إن افترقتم لم تجتمعوا بعدها أبدًا؛ فاجتمعوا على العود مرة واحدو، فهذا مدد الملك وهذا قارن، لعل الله يديلنا ويشفينا من عدونا وندرك بعض ما أصابوا منا ففعلوا وعسكروا بالمذار، واستعمل قارن على مجنبته قباذ وأنوشجان، وأرز المثنى والمعنى إلى خالد بالخبر؛ ولما انتهى الخبر إلى خالد عن قارن قسم الفئ على من أفاءه الله عليه، ونفل من الخمس ما شاء الله، وبعث ببقيته وبالفتح إلى أبى ابن عقبة - والعرب تسمى كل نهر الثنى - وخرج خالد سائرًا حتى ينزل المذار على قارن في جموعه، فالتقوا وخالد على تعبيته، فاقتتلوا على حنق وحفيظة، وخرج قارن يدعو للبراز، فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى بن النباش، فابتدراه، فسبقه إليه معقل، فقتله وقتل عاصم الأنوشجان، وقتل عدي قباذ. وكان شرف قارن قد النتهى؛ ثم لم يقاتل المسلمون بعده أحدًا انتهى شرفه في الأعاجم، وقتلت فارس مقتله عظيمة؛ فضموا السفن، ومنعت المياه المسلمين من طلبهم، وأقام خالد بالمذار، وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت، وقسم الفئ ونفل من الأخماس أهل البلاء، وبعث ببقية الأخماس، ووفد وفدًا مع سعيد بن النعمان أخي بني عدي بن كعب.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن أبي عثمان، قال: قتل ليلة المذار ثلاثون ألفًا سوى من غرق ولولا المياه لأتى على آخرهم؛ ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة.
قال سيف، عن عمرو والمجالد، عن الشعبي، قال: كان أول من لقي خالد مهبطه العراق هرمز بالكواظم، ثم نزل الفرات بشاطئ دجلة؛ فلم يلق كيدًا، وتبحبح بشاطئ دجلة، ثم الثنى، ولم يلق بعد هرمز أحدًا إلا كانت الوقعة الآخرة أعظم من التي قبلها، حتى أتى دومة الجندل، وزاد سهم الفارس في يوم الثنى على سهمه في ذات السلاسل. فأقام خالد بالثنى يسبي عيالات النقاتلة ومن أعانهم، وأقر الفلاحين ومن أجاب إلى الخراج من جميع الناس بعد ما دعوزا، وكل ذلك أخذ عنوة ولكن دعوا إلى الجزاء، فأجابوا وتراجعوا، وصاروا ذمة وصارت أرضهم لهم كذلك جرى ما لم يقسم فإذا اقتسم فلا.
وكان في السبي حبيب أبو الحسن - يعني أبا الحسن البصري - وكان نصرانيًا، وما فنة مولى عثمان، وأبو زياد مولى المغيرة بن شعبة.
وأمر على الجند سعيد بن النعمان، وعلى الجزاء سويد بن مقرن المزني، وأمره بنزول الحفير، وأمرهي ببث عماله ووضع يده في الجباية، وأقام لعدوه يتحسس الأخبار.
ذكر وقعة الولجة

ثم كان أمرًا الولجة في صفر من سنة اثنتي عشرة؛ والولجة مما يلي كسكر من البر.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، قال " حدثني سيف، عن عمرو والمجالد عن الشعبي قال لما فرغ خالد من الثنى وأتى الخبر أردشير، بعث الأندر زغر؛ وكان فارسيًا من مولدي السواد.
حدثنا عبيد الله قال: حدثني عمي، قال: حدثني سيف، عن زياد بن سرجس، عن عبد الرحمن بن سياده، قال - وفيما كتب به إلى السري، قال حدثنا شعيب؛ قال حدثنا سيف، عن المهلب بن عقبة وزياد بن سرجيس وعبد الرحمن بن سياده - قالوا: لما وقع الخبر بأرد شير بمصاب قارن وأهل المذار، أرسل الأنذار زغر؛ - وكان فارسيًا من مولدي السواد وتنائهم؛ ولم يكن ممن ولد في المدائن ولا نشأ بها - وأرسل بهمن جاذويه في أثره في جيش، وأمره أن يعبر طريق الأنذرزعر؛ وكان الأنذازعر قبل ذلك على فرج خراسان؛ فخرج الأنذرزغر سائرًا من المدائن حتى أتى كسكر، ثم جازها إلى الولجة، وخرج بهمن جاذويه في أثر كسكر، من عرب الضاحية والد هاقين فعسكروا إلى جنب عسكره بالولجة؛ فلما اجتمع له ما أراد واستم أعجبه ما هو فيه، وأجمع السير إلى خالد؛ ولما بلغ خالدًا وهو بالثنى خبر الأنذرزعر ونزوله الولجة، نادى بالرحيل، وخلف سويد بن وأمرهم بالحذر وقلة الغفلة، وترك الإغترار، وخرج سائرًا في الجنود نحو الولجة، حتى ينزل على الأندرزغر وجنوده ومن تأشب إليه، فاقتتلوا قتالًا شديدًا؛ هو أعظم من قتال الثنى.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمتي، عن سيف، عن محمد بن أبي عثمان، قال: نزل خالد على الأندرزعر بالولجة في صفر، فاقتتلوا بها قتالًا شديًا، حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ، واستبطأ خالد كمينه؛ وكان قد وضع لهم كمينًا في ناحيتين، عليهم بسرين أبي رهم وسعيد بن مرة العجلي، فخرج الكمين في وجهين، فانهزمت صفوف الأعاجم وولوا، فأخذهم خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم، فلم ير رجل منهم مقتل صاحبه؛ ومضى الأندرزعر في هزيمته، فمات عطشًا. وقام خالد في الناس خطيبًا يرغبهم في بلاد العجم، ويزهدهم في بلاد العرب، وقال: ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله والدعاء إلى الله عز وجل ولم يكن إلا المعاش، لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به، ونولى الجوع والإقلاع من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليه. وسار خالد في الفلاحين بسيرته فلم يقتلهم، وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم، ودعا أهل الأرض إلى الجزاء والذمة، فتراجعوا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن شيف - وحدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمتي، عن سيف - عن عمرو، عن الشعبي، قال: بارز خالد يوم الولجة رجلًا من أهل فارس يعدل بألف رجل فقتله، فلما فرغ اتكأ عليه، ودعا بغدائه. وأصاب في أناس من بكر بن وائل ابنًا لجابر بن بجير وابنًا لعبد الأسو.