حديث يوم المقر وفم فرات بادقلي

قال أبو جعفر: كتب إلى السري، عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة، عن المغيرة: أن الآزاذبه كان مرزبان الحيرة أزمان كسرى إلى ذلك اليوم؛ فكانوا لا يمد بعضهم بعضًا إلا بإذن الملك، وكان قد بلغ نصف الشرف، وكان قيمة قلنسوته خمسين ألفًا؛ فلما أخرب خالد أمغشيًا، وعاد أهلها سكرات لدهاقين القرى علم الآزاذيه أنه غير متروكط، فأخذ في أمره وتهيأ لحرب خالد، وقدم ابنه ثم خرج في أثره حتى عسكر خارجًا من الحيرة؛ وأمر ابنه بسد الفرات، ولما استقل خالد من أمغيشًا وحمل الرجل في السفن مع الأنفال والأثقال، لم يفجأ خالد إلا فسلك الماء غير طريقه؛ فلا يأتينا الماء إلا بسد الأنهار، فتعجل خالد في خيل نحو ابن الآزاذيه، فتلقاه على فم العتيق خيل من خيله؛ فجأهم وهم آمنوا لغارة خالد في تلك الساعة، فأنامهم بالمقر، ثم سار من فوره وسبق الأخبار إلى ابن الآزاذبة حتى يلقاه وحنده على فم فرات بادقلي؛ فاقتتلوا فأنامهم؛ وفجر الفرات وسد الأنهار وسلك الماء سبيله.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة، وبحر عن أبيه، قالوا. وحدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، قال حدثنا سيف عن محمد عن أبي عثمان، قال حدثني عمي، قال حدثنا سيف، عن محمد عن أبي عثمان، وطلحة عن المغير، قالا: لما أصاب خالد ابن الآزاذبه على فم فرات بادقلي، قصد للحيرة، واستلحق أصحابه، وسار حتى ينول بين الخورنق والنجف، فقدم خالد الخورنق، وقد قطع الآزاذبه الفرات هاربًا من غير قتال؛ وإنما حداه على الهرب أن الخبر وقع إليه بموت أردشير ومصاب ابنه، وكان عسكره بين الغريين والقصر الأبيض. ولما تتام أصحاب خالد إليه بالخوانق خرج من العسكر حتى يعسكر بموضع عسكر الآزاذبه بين الغريين والقصر الأبيض، وأهل الحيرة متحصنون، فأدخل خالد الحيرة الخيل من عسكره، وأمر بكل قصر رجلًا من قواده يحاصر أهله ويقاتلهم، فكان ضرار بن الخطاب محاصرًا القصر الأبيض، وفيه إياس بن قبيصة الطائي، المقتول، وكان ضرار بن مقرن المزني عاشر عشرة إخوة له محاصرًا قصر بني ابن عبد المسيح؛ فدعوهم جميعًا، وأجلوهم يومًا، فأبى أهل الحيرة ولجوا، فناوشهم المسلمون.
حدثني عبيد الله بن سعد، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن الغصن بن القاسم، رجل من بني كنانة - قال أبو جعفر: هكذا قال عبيد الله. وقال السري فيما كتب به إلى: حدثنا شعيب، عن سيف، عن الغصن بن القاسم، عن رجل من بني كنانة - قال عهد خالد إلى أمرائه أن يبدءوا بالدعاء، فإن قبلوا قبلوا منهم وإن أبوا أن يؤجلوهم يومًا، وقال: لا تمكنوا عدوكم من آذنكن، فيتربصوا بكم الدوائر؛ ولكن ناجزوهم ولا ترددوا المسلمين عن قتال عدوهم. فكان أول القواد أنشب القتال بعد يوم أجلوهم فيه ضرار بن الأزور، وكان على قتال أهل القصر الأبيض، فأصبحوا وهم مشرفون؛ فدعاهم إلى إحدى ثلاث: الإسلام، أو الجزاء، او المنابذة، فاختاروا المنابذة وتنادوا: عليكم الخزازيف، فقال ضرار: تنجوا لا ينالكم الرمى؛ حتى ننظر في الذي هتفوا به. فلم يلبث أن امتلأ رأس القصر من رجال متعلق المخالي، يرمون المسلمين بالخزازيف - وهي المداحي من الخزف - فقال ضرار: ارشفوهم، فدنوا منهم فرشقوهم بالنبل، فأعروا رءوس الحيطان، ثم بثوا غارتهم فيمن يليهم، وصبح أمير كل قوم أصحابه بمثل ذلك، فافتتحوا الدور والديرات، وأكثروا القتل، فنادى القسيسون والرهبان: يا أهل القصور، ما يقتلنا غيركم. فنادى أهل القصور: يا معشر العرب، قد قبلنا واحدة من ثلاث؛ فاعوا بنا وكفوا عنا حتى تبلغونا خالدًا. فخرج إياس بن قبيضة وأخوه إلى ضرار بن الأزور، وخرج عدى بن عدي وزيد بن عدي إلى ضرار بن الخطاب - وعدي الأوسط الذي رئته أمه وقتل يوم ذي قار - وخرج عمرو بن عبد المسيح وأبن أكال، هذا إلى ضرار بن مقرن، وهذا إلى المثنى بن حارثة، فأرسلوهم إلى خالد وهم على مواقفهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد عن أبي عثمان، وطلحة عن المغيرة، قالا: كان أول من طلب الصلح عمرو بن عبد المسيح ابن قيس بن حيان بن الحارث وهو بقيلة - وإنما سمى بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين، فقالوا: يا حار ما أنت إلا بقيلة خضراء - وتتابعوا على ذلك، فأرسلهم الرؤساء إلى خالد، مع كل رجل منهم دون الآخرين، وبدأ بأصحاب عدي، وقال: ويحكم! ماأنتم! أعرب؟ فما تنقمون من العرب! أو عجم؟ فما تنقمون من الأنصاف والعدل! فقال له عدي: بل عرب عاربة وأخرى متعربة، فقال: لو كنتم كما تقول لم تحادونا وتكرهوا أمرنا، فقال له عدي: ليدلك على ما تقولون أنه ليس لنا لسان إلا العربية، فقال: صدقت. وقال: اختاروا واحدة من ثلاث: أن تدخلوا في ديننا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا إن نهضتم وهاجرتم وإن أقمتم في دياركم، أو الجزية، أو المنابذة والمناجرة؛ فقد والله أتيتكم بقوم هم على الموت أحرص منكم على الحياة. فقال: بل تعطيك الجزية، فقال خالد: تبًا لكم، ويحكم! إن الكفر فلاة مضلة، فأحمق العرب من سلكها فلقيه دليلان: أحدهما عربي فتركه واستدل العجمي. فصالحوه على مائة ألف وتسعين ألفًا؛ وتتابعوا على ذلك، وأهدوا له هدايا، وبعث بالفتح والهدايا إلى أبي بكر رحمه الله مع الهذيل الكاهلي، فقبلها أبو بكر من الجزاء، وكتب إلى خالد أن احسب لهم هديتهم من الجزاء، إلا أن تكون من الجزاء، وخذ بقية ما عليهم فقو بها أصحابك: وقال ابن بقيلة:
أبعد المنذرين أرى سوامًا ** تروح بالخوانق والسدير!
وبعد فوارس النعمان أرعى ** قلوصًا بين مرة والحفير
فصرنا بعد هلك أبي قبيس ** كجرب المعز في اليوم المطير
تقسمنا القبائل من معد علانية كأيسار الجزور
وكنا لا يرام لنا حريم ** فنحن كضرة الضرع الفخور
نؤدي الخرج بعد خراج كسرى ** وخرج من قريظة والنضير
كذاك الدهر دولته سجال ** فيوم من مساءة أو سرور
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الغصن بن القاسم عن رجل من بني كنانة، ويونس بن أبي إسحاق بنحو منه، وقالا: فكانوا يختلفون إليه ويقدمون في جوائجهم عمرو بن عبد المسيح فقال له خالد: كم أتت عليك من السنين قال: مئو سنين، قال: فما أعجب ما رأيت؟ قال: رأيت القرى منظومة ما بين دمشق والحيرة، تخرج المرأة من الحيرة فلا تزود إلا رغيفًا. فتبسم خالد، وقال: هل لك م شيخك إلا عمله خرقت والله يا عمرو! ثم أقبل على أهل الحيرة فقال: ألم يبلغني أنكم خبثة خدعه مكرة! فما لكم تتناولون حوائجكم بخرف لا يدري من أين جاء! فتجاهل له عمرو وأحب أن يريه من نفسه ما يعرف بع عقله، ويستدل به على صحة ما حدثة به، فقال: وحقك أيها الأمير، إني لأعرف من أين ج - ئت؟ قال: فمن أين جئت؟ قال: أقرب أم أبعد؟ قال: ما شئت، قال: من بطن أمي، قال: فأين تريد؟ قال: أمامي، قال: وما هو؟ قال: الآخرة. قال فمن أين أقصى أثرك؟ قال: من صلب أبي، قال فوجده حين جاهلها، وقتل أرضًا عالمها؛ والقوم أعلم بما فيهم. فقال عمرو: أيها الأمير. النملة أعلم بما في بيتها من الجمل بما في بيت النملة. وشاركهم في هذا الحديث من هذا المكان محمد بن أبي السفر، عن ذي الجوشن الضبابي، وأما الزهري فإنه حدثنا به، فقال شاركهم في هذا الحديث رجل من الضباب.