وبلغ ذلك هرقل، فكتب إلى بطاقته: أن اجتمعوا لهم، وانزلوا بالروم منزلًا واسع العطن، واسع المطرد، ضيق المهرب؛ وعلى الناس التذارق وعلى المقدمة جرجة، وعلى مجنبتيه باهان والد راقص، وعلى الحرب الفيقار؛ وأبشروا فإن باهان في الأثر مدد لكم. ففعلوا فنزلوا الواقوصة وهي على ضفة اليرموك، وصار الوادي خندقًا لهم؛ وهو لهب لا يدرك؛ وإنما أراد باهان وأصحابه أن تستفيق الروم ويأنسوا بالمسلمين؛ وترجع إليهم أفئتهم عن طيرتها.
وانتقل المسلمون عن عسكرهم الذي اجتمعوا به فنزل عليهم بحذائهم على كريقهم؛ وليس للروم طريق إلا عليهم. فقال عمرو: أيها الناس، أبشروا، حصرت والله الروم، وقلما جاء محصور بخير؟ فأقاموا بإزائهم وعلى ريقهم؛ ومخرجهم صفر من سنة ثلاث عشرة وشهري ربيع، لا يقدون من الروم على شئ؛ ولا يخلصون إليهم؛ اللهب - وهو الواقصة - من ورائهم، والخندق من أمامهم، ولا يخرجون خرجه إلا أديل المسلمون منهم؛ حتى إذا سلخوا شهر ربيع الأول؛ وقد استمدوا أبا بكر وأعلموه الشأن في صفر؛ فكتب إلى خالد ليلحق بهم، وأمره أن يخلف على العراق المثنى؛ فوافهاهم في ربيع.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وعمرو والمهلب، قالوا: ولما نزل المسلمون اليرموك، واستمدوا أبا بكر، قال: خالد لها فبعث إليه وهو بالعراق، وعزم عليه واستحثه في السير، فنفذ خالد لذلك فطلع عليهم خالد؛ وطلع باهان على الروم، وقد قدامه الشمامسة والرهبان والقسيسين؛ يغرونهم ويخضضونهم على التقال؛ ووافق قدوم خالد قدوم باهان، فخرج بهم باهان كالمقتدر؛ فولى خالد قتاله، وقاتل الأمراء من بإزائهم؛ فهزم باهان، وتتابع الروم على الهزيمة، فاقتحموا خندقهم؛ وتيمنت الروم بباهان؛ وفرح المسلمون بخالد وحرد المسلمون. وحرب المشركون وهم أربعون ومائتا ألف؛ منهم ثمانون ألف مقيد، وأربعون ألفًا منهم مسلسل للموت، وأربعون ألفًا مربطوزن بالعمائم، وثمانون ألف فارس وثمانون ألف راجل، والمسلمون سبعة وعشرون ألفًا ممن كان مقيمًا؛ إلى أن قدم عليهم خالد في تسعة آلاف؛ فصاروا ستة وثلاثين ألفًا.
ومرض أبو بكر رحمه الله في جمادى الأولى، وتوفي للنصف من جمادى الآخرة، قبل الفتح بعشر ليال.
خبر اليرموك

قال أبو جعفر: وكان أبو بكر قد سمى لكل أمير من أمراء الشأم كورة؛ فسمى لأبي عبيدة بن عبد الله بن الجراح حمص، وليزيد بن أبي سفيان دمشق؛ ولشرحبيل بن حسنة الأردن، ولعمرو بن العاص ولعلقمة بن مجزز فلسطن، فلما فرغا منها نزل علقمة وسار إلى مصر. فلما شارفوا الششأم، دهم كل أمير منهم قوم كثير، فأجمع رأيهم أن يجتمعوا بمكان واحد، وأن يلقوا جمع المشركين بجمع المسلمين.
ولما رأى خالد أن المسلمين يقاتلون متساندين قال لهم: هل لكم يا معشر الرؤساء في أمر يعز الله به الدين، ولا يدخل عليكم معه ولا منه نقيصة ولا مكروه! كتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني، عن خالد وعبادة، قالا: توافى إليها مع الأمراء والجنود الأربعة سبعة وعشرون ألفًا وثلاثة آلاف من فلال خالد بن سعيد، أمر عليهم أبو بكر معاوية وشرحبيل، وعشرة آلف من أمداد أهل العراق مع خالد ابن الوليد سوى ستة آلاف ثبتوا مع عكرمة ردءا بعد خالد بن سعيد؛ فكانوا ستة وأربيعن ألفًا، وكل قتالهم كان على تساند، كل جند وأميره؛ لا يجمعهم أحد؛ حتى قدم عليهم خالد من العراق. وكان عسكر أبي عبيدة باليرموك مجاورًا لعسكر عمرو بن العاص، وعسكر شرجبيل مجاورًا لعسكر يزيد بن أبي سفيان؛ فكان أبو عبيدة ربما صلى مع عمرو، وشرحبيل، وقدم خالد بن الوليد وهم على حالهم تلك؛ فعسكر على حدة؛ فصلى بأهل العراق، ووافق خالد بن الوليدالمسلمين وهم متضايقون بمدد الروم؛ عليهم باهان ووافق الروم وهم نشاط بمددهم، فالتقوا فهزمهم الله حتى ألجأهم وأمدادهم إلى إلى الخنادق - والواقوصة أحد حدوده - فلزموا خندقهم عامة شهر يحضضهم القسيسون والشمامسة والرهبان وينعمون لهم النصرانية؛ حتى استبصروا. فخرجوا للقتال الذي لم يكن بعده قتال مثله، في جمادى الآخر.
فلما أحس المسلمون خروجهم، وأرادوا الخروج متساندة، سار فيهم خالد بن الوليد؛ فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي. أخلصوا جهادكم، وأريدوا الله بعملهم؛ فإن هذا يوم له ما بعده؛ ولا تقاتلوا قومًا على نظام وتعبية؛ على تساند وانتشار؛ فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي. وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا؛ فاعلموا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته، قالوا: فهات، فما الرأي؟ قال: إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يلاى أنا سنتياير، ولو علم بالذي كان ويكون؛ لقد جمعطم. إن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين مما قد غشيهم، وأنفع للمشركين من أمدادهم؛ ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم، فالله الله، فقد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان لا ينتقصه منه أن دان لأحد من أمراء الجنود، ولا يزيده عليه آن دانوا له. إن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله ولا عند خليفة رسول الله . هلموا فإن هؤلاء تهيئوا، وهذا يوم له ما بعده، إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم، وإن هزمونا لم نفلح بعدها. فهلموا فلنتعاور الإمارة، فليكن عليها بعضنا اليوم، والآخر غدًا، والآخر بعد غد؛ حتى يتأمر كلكم، ودعونني أليكم اليوم.
فأمروه، وهم يرون أنها كخرجاتهم، وأن المر أطول مما صاروا إليه؛ فخرجت الروم في تعبية لم ير الرءون مثلها قط، وخرج خالد في تعبية لم تعبها العرب قبل ذلك؛ فخرج في ستة وثلاثين كردوسًا إلى الأربعين، وقال: إن عدوكم قد كثر وطغى، وليس من التعبية تعبية أكثر في رأي العين من الكراديس. فجعل القلب كراديس، وأقام فيه أبا عبيدة، وجعل الميمنة كراديس وعليها عمرو بن العاص وفيها شرحبيل بن حسنة. وجعل المسيرة كراديس وعليها يزيد بن أبي سفيان. وكان على كردوس من كراديس أهل العراق القعقاع بن عمرو، وعلى كردوس مذعور بن عدي، وعياض بن غنم على كردوس، وهاشم بن عتبة على كردوي، وزياد بن حنظلة على كردوس، وخالدفي كردوس؛ وعلى فالة خالد بن سعيد دحية بن خلفية على كردوس، وخالد في كردوس؛ وعلى فالة خالد بن سعيد دححية بن خليفة على كردوس، وأبو عبيدة على كردوس، وعكرمة على كردوس، وسهيل على كرودس وعبد الحمن بن خالد على كردوس - وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة - وحبيب بن مسلمة على كردس، وصفوان بن أمية على كردوس، وسعيد بن خالد على كردوس، وأبو الأعور بن سفيان على كردوس، وابن ذي خالد على كردوس؛ وفي الميمنة عمارة بن مخشي ابن خويلد على كردوس؛ وشرحبيل على كردوس ومعه خالد بن سعيد، وعبد الله بن قيس على كردوس؛ وعمرو بن عبسة على كردوس، والسمط ب الأسود على كردوس، وذو الكلاع على كردوس، ومعاوية بن حديج على آخر؛ وجندب بن عمرو بن حممة على كردوس، وعمرو بن فلان على كردوس، وفي المسيرة يزيد بن أبي سفيان على كردوس، والزبير على كردوس، وحوشب ذو ظليم على كردوس، وقيس ين عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن مازن بن صعصعة من هوازن - حليف لبنى النجار - على كردوس، وعصمة بن عبد الله - حليف لبني النجار من بني أسد - على كردوس، وضرار بن الأزور على كردوس، ومسروق بن فلان على كردوس وعتبة بن ربيعة بن بهز - حليف لبني عصمة - على كردوس، وجارية بن عبد الله الأشجعي - حليف لبني سلمة - على كردوس، وقباث على كردوس.