كتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عن المجالد، عن الشعبي وعطية بإسنادهما، قالا: وجاء عبد الله بن ذي السهمين في أناس من خثعم، فأمره عليهم ووجهه إلى المثنى، فخرج نحوه حتى قدم عليه.
كتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عن محمد وعمرو بإسنادهما، قالا: وجاء ربعي في أناس من بني حنظلة، فأمره عليهم وسرحهم، وخرجوا حتى قدم بهم على المثنى، فرأس بعده ابنة شبث بن ربعى وقدم عليه أناس من بني عمرو، فأمر عليهم ربعي بن عامر بم خالد العنود، وألحقه بالمثنى، وقدم عليه قوم من بني ضبة، فجعلهم فرقتين، فجعل على إحدى الفرقتين ابن الهوبر، وعلى الأخرى المنذر بن حسان، وقدم عليه قرط بن جماح في عبد القيس، فوجهه. وقالوا جميعًا: اجتمع الفيرزان ورستم على أن يبعثا مهران لقتال المثنى واستأذنا بوران - وكانا إذا أرادا شيئًا دنوا من حجابها حتى يكلماها به - فقالا بالذي رأيا وأخبراها بعدد الجيش - وكانت فارس لا تكثر البعوث؛ حتى كان من أمر العرب ما كان - فلما أخبراها بكثرة عدد الجيش، قالت: ما بال أهل فارس لا يخرجون إلى العرب كما كانوا يخرجون قبل اليوم؟ وما لكما لا تبعثان كما لا يخرجون إلى العرب كما كانوا يخرجون قبل اليوم؟ ومالكما لا تبعثان كما كانت الملوك تبعث قبل اليوم قالا: إن الهيبة كانت مع عدونا يومئذ، وإنها فينا اليوم؛ فما لأتهما وعرفت ما جاءاها به، فمضى مهران في جنده حتى نزل من دون الفرات والمثنى وجنده على شاطئ الفرات؛ والفرات بينهما؛ وقدم أنس بن هلال النمري ممدًا للمثنى في أناس من النمر نصارى وجلاب جلبوا خيلًا - وقدم ابن مردى الفهري التغلبي من أناس بن تغلب يصارى وجلاب خيلا - وهو عبد الله بن كليب بن خالد - وقالوا حين رأوا نزول العرب والعجم: نقاتل مع قومنا. وقال مهران: إما أن تعبروا إلينا، وإما أن نعبر إليكم، فقال المسلمون: اعبروا إلينا، فارتحلوا من بسوسيا إلى شوميا، موضع دار الرزق.
كتب إلي السري، عن شعيب بن سيف، عن عبيد الله بن محفز، عن أبيه، أن العجم لما أذن لهم في العبور نزلوا شوميا موضع دار الرزق، فتعبوا هنالك؛ فأقبلوا إلى المسلمين في صفوف ثلاثة مع كل صف فيل، ورجلهم أمام فيلهم، وجاءوا ولهم زجل. فقال المثنى للمسلمين: إن الذي تسمعون فشل، فالزموا الصمت وائتمروا همسًا. فدنوا من المسلمين وجاءوهم من قبل نهر بني سليم نحو موضع نهر بني سليم، فلما دنوا زحفوا، وصف المسلمين فيما بين نهر بني سليم اليوم وما وراءها.
كتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وكان على مجنبتي المثنى بشير وبسرين أبي رهم، وعلى مجردته المعنى، وعلى الرجل مسعود، وعلى الطلائع قبل ذلك اليوم النسير، وعلى الردء مذعور؛ وكان على مجنبتي مهران ابن الآزاذبه مرزبان الحيرة ومردانشاه. ولما خرج المثنى طاف في صفوفه يعهد إليهم عهده، وهو على فرسه الشموس - وكان يدعى الشموس من لين عريكته وطهارته، فكان إذا ركبه قاتل؛ وكان لا يركبه إلالقتال ويدعه ما لم يكن قتال - فوقف على الرايات راية راية يخضضهم، ويأمرهم بأمره، ويهزمهم بأحسن ما فيهم، تحضيضًا لهم، ولكلهم يقول: إني لأرجو ألا تؤتى العرب اليوم من قبلكم؛ والله ما يسرني اليوم لنفسي شئ إلا وهو يسرني لعامتكم؛ فيجيبونه بمثل ذلك. وأنصفهم المثنى في القول والفعل، وخلط الناس في المكروه والمحبوب؛ فلم يستطع أحد منهم أن يعيب له قولًا ولا عملًا. ثم قال: المكروه والمحبوب؛ فلم يستطع أحد منهم أن يعيب له قولا ولا عملا. ثم قال: إني مكبر ثلاثًا فتهيئوا؛ ثم احملوا مع الرابعة، فلما كبر أول تكبير أعجلهم أهل فارس وعاجلوهم فخالطوهم مع أول تكبير؛ وركدت حربهم مليًا، فرأى المثنى خللًا في بعض صفوفه، فأرسل إليهم رجلًا، وقال: إن الأمير يقرأ عليكم السلام، ويقول: لا تفضحوا المسلمين اليوم، فقالوا: نعم، واعتدلوا، وجعلوا قبل ذلك يرونه وهو يمد لحيته لما يرى منهم؛ فاعتنوا بأمر لم يجئ به أحد من المسلمين يومئذ فرمقوه، فرأوه يضحك فرحًا والقوم بنو عجل. فلما طال القتال واشتد، عمد المثنى إلى أنس بن هلال، فقال: يا أنس، إنك امرؤ عربي، وإن لم تكن على ديننا؛ فإذا رأيتني قد حملت على مهران فاحمل معي، وقال لأبن مردي الفهر مثل ذلك فأجابه. فحمل المثنى على مهران؛ فأزاله حتى دخل في ميمنته، ثم خالطوهم، واجتمع القلبان وارتفع الغبار والمجنبات تقتتل، لا يستطيعون أن يفرغوا لنصر أميرهم، لا المشركون ولا المسلمون، وارتث مسعود يومئذ وقواد من قواد المسلمين؛ وقد كان قال لهم: إن رأيتمونا أصبنا فلا تدعوا ما أنتم فيه؛ فإن الجيش ينكشف ثم ينصرف؛ الزموا مصافكم، وأغنوا غناء من يليكم. وأرجع قلب المسلمين في قلب المشركين، وقتل غلام من التغلبيين نصراني مهراني واستوى على فرسه، فجعل المثنى سلبه لصاحبه خيله؛ وكذلك إذا كان المشرك في خيل رجل فقتل وسلب فهو للذي هو أمير على من قتل؛ وكان له قائدان: أحدهما جرير والآخر ابن الهوبر؛ فاقتسما سلاحه.
كتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عن عبيد الله بن محفز، عن أبيه محفز بن ثعلبة؛ قال: جلب فتية من بني تغلب أفراسًا، فلما التقى الزحفان يوم البويب، قالوا: نقاتل العجم مع العرب، فأصاب أحدهم مهران يومئذ، ومهران على فرس له ورد مجفف بتجفاف أصفر، بين عبينيه هلال، وعلى ذنبه أهلة من شبه، فاستوى على فرسه، ثم انتمى: أنا الغلام التغلبي، أنا قتلت المرزبان؟ فأتاه جرير وابن الهوبر في قومهما فأخذ برجله فأنزلاه.
كتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عن سعيد بن المرزبان، أن جريرًا والمنذر اشتركا فيه فاختصما في سلاحه، فتقاضيا إلى المثنى، فجعل سلاحه بينهما والمنطقة والسوارين بينهما، وأفنوا قلب المشركين.
كتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عن أبي روق، قال: والله إن كنا لنأتي البويب، فنرى فيما بين موضع السكون وبني سليم عظامًا بيضًا تلولًا تلوح من هامهم وأوصالهم؛ يعتبر بها. قال: وحدثني بعض من شهدها أنهم كانوا يحزرونها مائة ألف، وما عفى عليها حتى دفنها أدفان البيوت.
كتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة؛ قالا: وقف المثنى عند ارتفاع الغبار؛ حتى أسفر الغبار، وقد فنى قلب المشركين، والمجنبات قد هز بعضها بعضًا، فملا رأوه وقد أزوال القلب، وأفنى أهله، قويت المجنبات - مجنبات المسلمين - على المشركين، وجعلوا يردون الأعاجم على أدبارهم، وجعل المثنى والمسلمون من القلب يدعون لهم بالنصر ويرسل عليهم من يزحرهم، ويقول: إن المثنى يقول: عاداتكم في أمثالهم؛ انصروا الله ينصركم؛ حتى هزموا القوم، فسابقهم المثنى إلى الجسر فسبقهم وأخذ الأعاجم، فافترقوا بشاطئ الفرات مصعدين ومصوبين، واعتورتهم خيول المسلمين حتى قتلوهم، ثم جعلوهم جثًا؛ فما كانت بين العرب والعجم وقعة كانت أبقى رمة منها. ولما ارتث مسعود بن حارثة يومئذ - وكان صرع قبل الهزيمة، فتضعضع من معه، فرأى ذلك وهو دنف - قال: يا معشر بكر بن وائل، ارفعوا رايتكم، رفعكم الله لا يهولنكم مصرعي. وقاتل أنس بن هلال النمري يومئذ حتى ارتث، ارتثه للثنى، وضمه وضم مسعودًا إليه. وقاتل قرط بن جماح العبدي يومئذ حتى دق قنًا، وقطع أسيافًا. وقتل شهر براز من دهاقين فارس صاحب مجردة مهران.
قال: ولما فرغوا جلس المثنى للناس من بعد الفراغ يحدثونه، وكلما جاء رجل فتحدث قال له: أخبرني عنك؛ فقال له قرط بن جماح: قتلت رجلًا فوجدت منه رائحة المسك، فقلت: مهران، ورجوت أن يكون إياه، فإذا هو صاحب الخيل شهر براز، فوالله ما رأيته إذ لم يكن مهران شيئًا.
فقال: المثنى: قد قاتلت العرب والعجم في الجاهلية والإسلام؛ والله لمائة من العجم في الجاهلية كانوا أشد على من ألف من العرب، ولمائة اليوم من العرب أشد على من ألف من العجم؛ إن الله أذهب مصدوقتهم، ووهن كيدهم؛ فلا يروعنكم زهاء ترونه، ولا سواد ولا قسي فج، ولا نبال طوال، فإنهم إذا أعجلوا عنها أو فقدوها، كالبهائم أينما وجهتموها اتجهت.
وقال ربعي وهو يحدث المثنى: لما رأيت ركود الحرب واحتدامها، قلت: تترسوا بالمجان، فإنهم شادون عليكم؛ فاصبروا لشدتين وأنا زعيم لكم بالظفر في الثالثة؛ فأجابوني والله؛ فوفى الله كفالتي.
وقال ابن ذي السهمين محدثًا: قلت لأصحابي: إني سمعت الأمير يقرأ ويذكر في قراءته الرعب؛ فما ذكره إلا لفضل عنده؛ اقتدوا برايتكم، وليحم راجلكم خيلكم، ثم احملوا فما لقول الله من خلف؛ فأنجز الله لهم وعده، وكان كما رجوت.
وقال عرفجة محدثًا: حزنا كتبة منهم إلى الفرات، ورجوت أن يكون الله تعالى قد أذن في غرقهم وسلى عنا بها مصيبة الجسر، فلما دخلوا في حد الإحراج، كروا علينا، فقاتلناهم قتالًا شديدًا حتى قال بعض قومي: لو أخرت رايتك؟ فقلت: على إقدامها، وحملت بها على حاميتهم فقتلته، فولوا نحو الفرات، فما بلغه منهم أحد فيه الروح.
وقال ربعي بن عامر بن خالد: كنت مع أبي يوم البويب - قال وسمى البويب يومي الأعشار - أحصى مائة رجل، قتل كل رجل منهم عشرة في المعركة يومئذ، وكان عروة بن زيد الخيل من أصحاب التسعة، وغالب في بني كنانة من أصحاب التسعة، وعرفجة في الأزاد من أصحاب التسعة.
وقتل المشركون فيما بين السكون اليوم إلى شاطئ الفرات، ضفة البويب الشرقية؛ وذلك أن المثنى بادرهم عند الهزيمة الجسر، فأخذه عليهم، فأخذوا يمنة ويسرة، وتبعهم المسلمون إلى الليل، ومن الغد إلى الليل، وندم المثنى على أخذه بالجسر، وقال: لقد عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر وقطعة؛ حتى أحرجتهم؛ فإني غير عائد؛ فلا تعودوا ولا تقتدوا بي أيها الناس، فإنها كانت منى زلة لا ينبغي إحراج أحد إلا من لا يقوى على امتناع. ومات أناس من الجرحى من أعلام المثنى، المسلمين منهم خالد بن هلال ومسعود بن حارثة فصلى عليهم المثنى وقدمهم على الأسنان والقرآن؛ وقال: والله إنه ليهون على وجدى أن شهدوا البويب، أقدموا وصبروا، ولم يجرعوا ولم ينكلوا، وإن كان في الشهادة كفارة لتجوز الذنوب.