دفعني أحمد ـ ولن أطيل عليكِ ـ للدخول شيئاً فشيئاً في جوقة المغتربين الفنية
وبدأنا نقيم الحفلات الموسيقا للجاليات العربية
كنا خمسة شباب وثلاث فتيات سوريان ولبنانيتان وتونسية مصري وفلسطيني وعراقي أنشأنا فرقة الموحدين العرب الجديدة
بدأنا نحصد بعض النجاح بل وصار لنا حضورٌ مهم في كثير ٍ من المناسبات الهامة
لكني لم أدخل بمشروع صداقةٍ حقيقية إلا مع أحمد الذي سررت له ببعض ذكرياتي
تدافعت الأيام اليوم إثر اليوم والشهر بعد الشهر وجاءني خطاب هادي يطلب من العودة للشام لحضور حفل زفافه على هاله
طرت إلى دمشق مع أول فرصة يحملني الشوق لأهلي والحنين لوطني الحبيب وفيما كنت أطالع ذكرياتي وأستذكر بل أستحضر الأماكن والملامح التي ما غيبها النسيان عن عقلي أبداً قمت باتصالٍ هاتفي مع وليد أدعوه للحفل وأحسه على القدوم إلى دمشق لنرتب هناك لقاءً عزّ علينا من زمن ٍ
استقبلت استقبالاٍ حاراً وحميميّ ً في المطار ولكني سرعان ما انغمست في متاهات الإعداد لليلة السعيدة
حدثت في غيابي الكثير من التغيرات التي فاجأتني ـ وإن كانت متوقعة ـ ها هو شقيقي الأكبر وقد أصبح طبيباً وجراحاً معروفاً
وها أنا أرى في بريق عينيه جمال الدنيا يلمع لما يعانق السعادة على بساط الفرح الطائر فيمضي بخطى واثقة نحو المستقبل الزاهر بالأمل يداً بيد مع من قاسمها ضربات القلب حباً
ما إن زفّ العروسين حتى انسحبت هائماً على وجهي أقلب شوارع دمشق معبراً لها عن شوقي الحنين , ساعاتٍ وساعات لم أدرك عديدها إلا عندما وصلت إلى الجامع الأموي فخلعت نعلي ودخلت لأصلي ركعتين لله كي يلهم الشام أن تسامحني على هجرها
وفي اليوم التالي أيقظني رنين الهاتف في الساعة الواحدة والنصف تقريباً لأفاجئ بوليد يحدثني من الشام لقد وصل ليلة أمس وحاول الاتصال بي لكنه لم يجدني ضرب لي موعداً مشتاقاً قرب تمثال صلاح الدين بعد ساعتين
عناقٌ طويل وعتاب حب ثم قصدنا مقهى نشرب فيه النرجيلة ونحتسي القهوة كعادة أيام ٍ خلت بيننا ,حدثني وحدثته عن كل ما جرى معنا مذ افترقنا
لكنه ودون سابق إنذار ضرب بيده على الطاولة بكل ما أوتي من قوة وصرخ
ألست خجلاً من نبرة اليأس وكلمات الاستسلام التي تتفوه بها تبدو يا صاح كطفل ٍ أضاع ثمن خبز إخوته ويخشى أن يعود دون خبز كي لا يؤنبه والده
قد يكون قلبك قد تحطم أو قد تقول لي أنه فطر لكنه لم يمت وأنت لم تموت
فإن نبع التفاؤل فينا قد قرر أن يموت
" أمسكني من لحيتي بعنف " تريد أن تموت ..حسناً..!
أرمي نفسك في هذا الوادي فلن يضيره أن يبتلع شبه إنسان هد شموخه الضعف
امضي لأنسى أنا أني عرفت ..أني عرفتك
هزتني كلمات وليد من العمق فقد عزف على الوتر الأكثر ألماً الأكثر