التي سأثبت بها قوتي على الزمن أو تثبت الأيام لي أنها قد هزمتني ودهست قامتي بجياد تقدمها
خير وسيلة للدفاع هي الهجوم هكذا كان يقول لي جدي رحمه الله
كلمتها واستطعت بإعجاز تمالك أعصابي رغم أني أحسست بالبراكين تثور في صدري فتحرق جنبات قلبي عندما سمعت صوتها للمرة الأولى مذ افترقنا آخر مرة ولا أنكر أن الشوق مزق المسافات بيننا مما دفعني أميل إلى الاستسلام
لكنني ولما كنت عازماً على وضع النقاط على الحروف راسماً معالم الطريق الذي سأسلكه انطلاقاً من هذه اللحظة قررت المضي في التحدي
حدثتها وسألتها عن أخبارها فطالت المكالمة وهدأت معها ثورة البراكين شيئاً فشيء وفتر الشوق إلى أن استودعتها الله وأنا اسمع صراخ رضيع ٍ إلى جوارها
أدركت بعد تلك المكالمة أنه صار لمها حياتها الخاصة مترفعة عن الماضي ورافعة ً ذكرياتها إلى رف الوحدة والتأمل للحظاتٍ كانت جميلة ولا يزال طعمه حلواً في قلوبنا
وأنه يجب أن يكون لي حياتية الخاصة أيضاً حسبي ما أضعته من سني عمري باكياً على الأطلال
كانت تجربة قاسية ً ومهمة في آن لكني خلصت في نهايتها للخلاص من جل العقد التي قيدتني زمناً طويلاً
إذاً أنا أحب بيسان لأنها بيسان جسداً وروحاً وفكر وقد لاحظت ـ ولا يحتاج ذاك للكثير من الحذق ـ أنها تبادلني نفس الشعور
لم أذهب إلى المقهى ذاك المساء لا وبل تركت منزلي وانزويت في فندق ٍ هادئ على ضفاف المتوسط ثلاثة أيام دون أن أخبر أحداً متعمداً أن استفز مشاعر المرآة في بيسان وأعدها لمواجهةٍ كبيرة
يجب أن أجج نار الشوق في قلبها وأرفع منسوب الحب في دمها وعلى طريقة الفاتحين العرب سآتيها فارساً نبيلاً يقتحم أخر المحميات الغربية فيها لأرمي سهم الهوى وأمضي على درب النوى
رصداً ردة الفعل الأولى كما أتيتها أول مرة غامضاً سأمد لها يدي لتمضي معي
دخلت المقهى متأخراً عن موعدي المعتاد نصف ساعة وأربعة أيام بعد أن تأكدت أنها قد ملت الصبر وهي تنتظر وصولي بين لحظةٍ وتلواها
بلهفة وشوق قالت لي :
أين كنت لقد أنشغل بالي عليك
وبثقة وهدوء أجبتها وأنا أجلس طالباً من النادل فنجاني قهوة :
ستعلمين لاحقاً بكل شيء ولكنك الآن يجب أن تطلعي على شيءٍ مهم
ـ وما هو يا ترى الذي دفع للانقطاع عنا أربعة أيام دون أن تكلف نفسك عناء اتصال ٍ هاتفي سريع
ـ قلت لكِ ستعلمين كل شيء في وقته المناسب والآن اسمعي وعي ما سأقول
كان ذاك من عدة سنين عندما كنت شاباً لم يقطف الزهرة الثانية والعشرين من عمره بعد أملك الكثير من الأحلام الوردية مفعماً بالاندفاع نحو المستقبل المشرق