كان السماء ترسل علينا رسلها غيثاً كريماً وأنا أجلس في غرفتي منزوياً عن العالم عندما دخل علي هادي يحكي لي كعادة أيام زمان مشاكله ويفرغ في جعبتي همومه
فهناك ضغوط كبيرة تمارس عليه من الآهل ليتزوج على هاله لأنها عاقر لا تنجب الأولاد وهو يحاول الصمود أمام بل تحت هذه الضغوط لأنه يرى الحياة نبع من خصلات شعر هاله ـ حسب تعبيره ـ
وراح يحثني على الإسراع بعقد القران لأريح كاهله من ذاك الضغط فهم يريدون حفيداً وهذا ما سأحققه أنا لهم فيما لو تزوجت وأكرمني الله بالخلف
هدأت من روعه وبشرته خيراً إن شاء الله تعالى ومضى راضياً عن ما سمع مني
يا إلهي أ كنت بحاجةٍ لضغط جديد ارتديت معطفي ورحت أصارع حبات المطر في ظلمة الليل الحالكة على شوارع ٍضاعت معالمها
هدني التعب وسحقت رأسي الأفكار فاستندت على حائط قديم أدخن آخر سيجارةٍ في علبتي وقبل أن أغفو أيقظني المؤذن يرفع صوته لصلاة الصبح
دخلت المسجد وصليت وبعد الصلاة جلس الإمام يحدثنا في الدين والفقه إلى أن طلعت الشمس فأذن لنا بالذهاب مأجورين غير مأمورين
لكني لم أذهب بل جلست أحدث نفسي أن هذا هو الرجل المناسب لتحدثه وتخرج ما بصدرك من هموم أمامه ثم تستشيره وتستفتيه في أمرك
فهو من جهة وكما يبدو عليه ويظهر من حديثه رجلٌ حكيم عارك الدنيا أكثر من نصف قرن ومن جهةٍ أخرى فهو لا يعرفني وقد لا أراه أو يراني غير هذه المرة وهذا ما سيبعد نظرات الشفقة ويمنعها من أن تطاردني بعد اليوم
حكيت له بصدق قصة مرضي وحكاية حبي ثم سألته المشورة فقال لي : يا ولدي
" لا تدري نفسٌ ما تكسب غداً ولا تدري نفسٌ بأي أرض ٍ تموت " صدق الله العظيم
الأعمار بيد الله تعالى يا ولدي ولا يعرف أحد متى يتوفى إلى ربه فما أدراك أنك ستعيش حتى الغد لتخشى موتاً قد يأتي بعد عام ٍ كامل
قد تقول لي أن العلم أفتى بهذا الأمر وعلينا التعاطي بالأسباب وهذا صحيح ولكني ولو فرضت جدلاً أن الصور والتحاليل والتشخيص لا تدنو للغلط فإني أسألك ألا يمكن لهذا العلم أن يأتي بعد أحد عشرة شهراً بدواءٍ وعلاج لمرضك هذا
ثم إنك يا ولدي قد جئت بخطيبتك من بلاد بعيدة وهي الحب الذي وصفته لي واعداً إياها بأن تظلها تحت جناحك بمنزل الزوجية فكيف تسمح لنفسك بكسر قلبها وتركها كطائر مجروح لا تملك القدرة على الطيران
اتقي الله في قلوب العذارى وسيدنا محمد توفي وهو يوصينا بالنساء خيراً
هيا قم يا ولدي وتوكل على الله سبحانه وتعالى شأنه وأتم ما بدأت فإن خير الأعمال في خواتمها ولا تنسى أن تدعوني للعرس والله ولي التوفيق
أراحتني كلمات الشيخ الحكيم وأثلجت قلبي , لعل وأعترف لكِ أنه قال ما كنت أريد سماعه وأني كنت أريد مبرراً أريح فيه ضميري وأقنع نفسي أن زواجي من بيسان لن يكون بدافع الأنانية بقدر ما هو مدفوعٌ من الحب والإيثار