أوصيك يا هادي بشام خيراً ربها كأنها ابنتك كأنها ابنتك اعتني بها وبنفسك وعندما تكبر انقل لها عني الاعتذار
اسمع يا شقيقي عني وأنا الشاب الذي غزا الشيب رأسه وهد الزمن قواه وبعد لم أقطف زهرة الشباب
إنما الدنيا سيدة تابعها ومعبودة من تعفف عنها ثق بالله رب العالمين وأعلم أنه يعلم ما لا تدركه عقولنا الصغيرة
فحتى الموت يكون أحياناً رحمة
" هنا دخلت جدتك تطلب من ولديها الدخول إلى الغرفة وإغلاق الباب درأ ً لبرد الخريف
حملتك إلى السرير فانحنى والدك يقبل يدها ويطلب منها أن ترضى عليه وتدعو له الله
قبلته من بين عينيه وأخذت تدعو له ثم همت بالخروج مع تعالي صوت صراخك
قابلت جدك عند باب الغرفة ـ جدك الذي لم يحس شادي بقدومه ـ"
نظر شادي إلى السماء ثم نطق الشهادتين وقال وهو يضع رأسه على صدر عمك الباكي :
كم حلمت أن أموت واقفاً كما الفرسان في المعارك ولكن أبداً لم يتوهج معي الحلم بأن أريح رأسي آخر ما أريحه على صدر أخي ...
" قالها وأنهار على الأرض مع ارتفاع صوت نعيكِ لأبيكِ وقبل أن يصل إلى الأرض أدركه الجد والسماء ترعد وتبرق ولا مطر
الخامس عشر من أيلول منتصف الليل
إنها النهاية ....
نظرت إلى الباب لأجد عمي هادي واقفاً هناك ,نظرة أخرى إلى الأوراق
في مثل هذا اليوم والساعة منذ عشرين عاماً نبض هنا في هذه الغرفة أخر نبضاته قلب أبي
حملت الأوراق وانطلقت أصارع حبات المطر الغزير وتبعني عمي , وصلت إلى قبر أبي لأجد هناك سيدة ً تضع إكليل وردٍ على القبر وتقف بردائها الأسود بوقار
لم أره في امرأة من قبل كانت كجبل يأبى أن ينهار
تقدمت نحو أبي وأمي عجز لسان عن الكلام لكنني أحسست أنهما أدركا كل ما كنت أريد قوله
حفرت حفرة ً صغيرة بينهم زرعت فيها المذكرات لتستمد الحياة من الأرض أرض الشام التي عشقاها
ضمني عمي وحماني من المطر بمعطفه ومضينا تاركين خلفنا السيدة على حالة تواصله الروحي
تمت بحمد الله
محمد فتوح دمشق 1 نيسان 2002