كيف؟
أنا عندما أتأمل في هذه المزايا التي أتمتع بها لابد أن أسأل نفسي أأنا فاعل لها أم أنا منفعل بها؟
هل أنا فاعل لها؟ أنا الذي مَتَّعْتُ نفسي بهذه المزايا وأنا الذي أحرسها كي لا تشرد عني وكي تبقى رفيقي إلى الممات أو إلى الأبد؟
أم أنا لست فاعلاً لها وإنما أنا منفعل بها أي أنني استقبلتها من حيث لا أدري ثم توضَّعَتْ هذه المزايا في كياني كما لا أعلم ثم إني أصبحت أتمتع بها دون أن أدري المصدر الذي جاءت إليَّ هذه المزايا منه؟
إنك إن تأملت في هذا علمتَ – يا ابن آدم – أنك منفعل بهذه المزايا ولست فاعلاً لها.
فتحتَ عينيك على هذه الدنيا وإذا أنت تتمتع بالسمع والبصر، تتمتع بالذاكرة وبالعقل، ونظرتَ فإذا بالقوة تسري في كيانك من حيث لا تعلم وتأملت وإذا بالعافية تسري في كيانك من فرقك إلى قدمك من حيث لا تعلم، وتنظر وإذا بغدٍ قريبٍ يأتي وقد ودَّعَتْكَ هذه المزايا كلها، ستجهل بعد علم ولسوف تنسى بعد تذكر وذكرى، ولسوف تتحول القوة الكامنة في كيانك إلى ضعف ولتنظر إلى الشباب الذي تتباهى به وإذا هو يتقلص عنك رويداً رويدا وإذا به يودعك ليحل محله المشيب وأنت لا تملك استبقاء هذه المزايا في كيانك قط بل أنت لا تعلم كيف وجدت في كيانك.
إذاً أنت منفعل بهذه الصفات يا ابن آدم.
أي إنك بالعبارة العلمية الدقيقة شاشة استقبال، أنت جهاز استقبال يستقبل الصور والألوان المتعددة ويستقبل التحركات المتنوعة الهادفة وغير الهادفة. أنت هكذا، أنت جهاز استقبال لا أكثر.
فإذا علمت أنك كذلك أنك جهاز استقبال أفلا يحملك عقلك على أن تسأل عن جهاز الإرسال الذي يتم الإرسال منه إلى شاشة كيانك فتتمتع بهذه المزايا من حيث لا تدري؟
تأمل في جهاز الإرسال وفكر تجد أن مصدر الإرسال هو ذاك الخالق الذي قال:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56].