رمضان وتربية الأمة الإسلامية
لم يكن من قبيل المصادفة أن يقترن شهر رمضان (من أول مرة صامه فيها المسلمون) بالجهاد في سبيل الله، ورفع راية الإسلام. كما أنه ليس من المصادفة كذلك أن يبدأ هذا الاقتران بيوم الفرقان - يوم بدر - الذي منَّ الله به على المؤمنين في رمضان 2هـ -

وهو أول شهر تصومه أمة الإسلام.. وكأنَّ الله يريد لهذه الأمة أن تفقه جيِّدًا دروس التربية الإيمانيَّة التي يربينا رمضان عليها..
ومن هذه الدروس:
أولاً: الاستجابة الكاملة لأوامر الله بصرف النظر عن حكمة الأمر..
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
ثانيًا: يتربَّى المسلمون في رمضان على كبت شهواتهم، أو قُلْ: على التحكم في الشهوات إلى أن تُصرف في المكان الصحيح.. استمع إلى الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال
: قال رسول الله: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أَيْ رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه،
ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه -أي قيام الليل- فيشفعان".
ما قيمة التحكم في الشهوات في بناء الأمة المجاهدة، وفي بناء الفرد الصالح للانتصار وللتمكين؟
أو لماذا يحتاج الفرد المجاهد أن يتدرب جيدًا في مدرسة الصيام؟ وما عَلاقة الجهاد بالصيام؟
إن الجهاد مشقة كبيرة.. وستأتي على الأمة المجاهدة أوقات لا تجد فيها طعامًا ولا شرابًا ولا زوجة،
ومن كان معتادًا على الصيام فهو على الجهاد أقدر من غيره. كما أن المجاهدين سيفتحون بلادًا كثيرة،
وستقع السلطة في أيديهم، وسيباشرون أمور الناس.. وإن لم يكن المؤمن مؤهلاً تربويًّا للتحكم في شهوته فسيقع في كثير من المحظورات؛
فقد يعتدي على حرمات الغير من الأقوات أو الممتلكات.. لكن المسلم المدرَّب في مدرسة الصيام على التحكم في شهوته
يسيطر على هذه الأمور، كما كان يسيطر عليها وهو صائم باختياره.
ثالثًا: يربي رمضان المؤمنين على التحكم في الأعصاب، والقدرة على كظم الغيظ..
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرةقال: قال رسول الله:
قال الله: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة -أي: وقاية وحماية-
فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم".
رابعًا: رمضان يربِّي على الإنفاق في سبيل الله.. فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
"كان رسول اللهأجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل،
وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول اللهحين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة".
خامسًا: يربي رمضان المسلمين أيضًا على شعور عظيم، وهو شعور الوَحْدة والأخوَّة والألفة..
فكل المسلمين في شتى بقاع الأرض سيصومون في يوم واحد،
ويفطرون في يوم واحد.. وسيصومون في وقت واحد وهو الفجر، ويفطرون في وقت واحد وهو المغرب.
سادسًا: سيتربَّى الصائم في رمضان أيضًا على الشعور بآلام الغير ومشاكل الآخرين..
ولا شك أن المؤمن الذي يشعر بألم الجوع والعطش لفترة معينة في نهار رمضان، سيدرك أن هناك إخوانًا له في الدين في الصومال
وفي بنجلاديش وفي السودان وفي العراق وفي غيرها من البلاد، يعانون نفس الألم ولكن بصورة دائمة.. لا ينتظرون إفطارًا عند غروب الشمس!!
ما أكثر الثمار التربويَّة التي يمنحنا إياها رب العالمين بصوم صادق لرمضان!
غير أن التقوى تظل هي أجلّ تلك الثمار.. وهي التي علَّل الله تعالى بها فرض الصيام على هذه الأمة..
حيث قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].