القسم الثاني من الفصل الثالث و الخمسون في أمر الفاطمي و ما يذهب إليه الناس في شأنه و كشف الغطاء عن ذلك القسم الثاني

و خرج الطبراني في معجمه الأوسط عن طلحة بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ستكون فتنة لا يسكن منها جانب إلا تشاجر جانب حتى ينادي مناد من السماء أن أميركم فلان. 1 هـ. و فيه المثنى بن الصباح و هو ضعيف جداً. و ليس في الحديث تصريح بذكر المهدي و إنما ذكروه في أبوابه و ترجمته استئناساً. فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي و خروجه آخر الزمان. و هي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل و الأقل منه. و ربما تمسك المنكرون لشأنه بما رواه محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح بن أبي عياش عن الحسن البصري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لا مهدي إلا عيسى بن مريم و قال يحيى بن معين في محمد بن خالد الجندي: إنه ثقة. و قال البيهقي: تفرد به محمد بن خالد. و قال الحاكم فيه: أنه رجل مجهول و اختلف عليه في إسناده فمرة يروونه كما تقدم و ينسب ذلك لمحمد بن إدريس الشافعي و مرة يروونه عن محمد بن خالد عن أباب عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلاً. قال البيهقي: فرجع إلى رواية محمد بن خالد و هو مجهول عن أبان بن أبي عياش و هو متروك عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم و هو منقطع و بالجملة فالحديث ضعيف مضطرب.
و قد قيل أن لا مهدي إلا عيسى أي لا يتكلم في المهد إلا عيسى يحاولون بهذا التأويل رد الاحتجاج به أو الجمع بينه و بين الأحاديث و هو مدفوع بحديث جريج و مثله من الخوارق. و أما المتصوفة فلم يكن المتقدمون منهم يخوضون في شيء من هذا لم إنما كان كلامهم في المجاهدة بالأعمال و ما يحصل عنها من نتائج المواجد و الأحوال و كان كلام الإمامية و الرافضة من الشيعة في تفصيل علي رضي الله عنه و القول بإمامته و ادعاء الوصية له بذلك من النبي صلى الله عليه و سلم و التبرىء من الشيخين كما ذكرناه في مذاهبهم ثم حدث فيهم بعد القول بالإمام المعصوم و كثرت التأليف في مذاهبهم. و جاء الإسماعيلية منهم يدعون الوهية الإمام بنوع من الحلول و آخرون يدعون رجعة من مات من الأئمة بنوع التناسخ، و آخرون منتظرون مجيء من يقطع بموته منكم و آخرون منتظرون عود الأمر في أهل البيت مستدلين على ذلك بما قدمناه من الأحاديث في المهدي و غيرها.
ثم حدث أيضاً عند المتأخرين من الصوفية الكلام في الكشف و فيما وراء الحس و ظهر من كثير منهم القول على الإطلاق بالحلول و الوحدة فشاركوا فيها الإمامية و الرافضة لقولهم بألوهية الأئمة و حلول الإله فيهم. و ظهر منهم أيضاً القول بالقطب و الإبدال و كأنه يحاكي مذهب الرافضة في الإمام و النقباء.
و أشربوا أقوال الشيعة و توغلوا في الديانة بمذاهبهم، حتى جعلوا مستند طريقهم في لبس الخرقة أن علياً رضي الله عنه ألبسها الحسن البصري و أخذ عليه العهد بالتزام الطريقة. و اتصل ذلك عنهم بالجنيد من شيوخهم. و لا يعلم هذا عن علي من وجه صحيح. و لم تكن هذه الطريقة خاصة بعلي كرم الله وجهه بل الصحابة كلهم أسوة في طريق الهدى و في تخصيص هذا بعلي دونهم رائحة من التشيع قوية يفهم منها و من غيرها من القوم دخلهم في التشيع و انخراطهم في سلكه. و ظهر منهم أيضاً القول بالقطب و امتلأت كتب الإسماعيلية من الرافضة و كتب المتأخرين من المتصوفة بمثل ذلك في الفاطمي المنتظر و كان بعضهم يمليه على بعض و يلقنه بعضهم عن بعض و كانة مبني على أصول واهية من الفريقين و ربما يستدد بعضهم بكلام المنجمين في القرانات و هو من نوع الكلام في الملاحم و يأتي الكلام عليها في الباب الذي يلي هذا. و أكثر من تكلم من هؤلاء المتصوفة المتأخرين في شأن الفاطمي، ابن العربي، الحاتمي في كتاب عنقاء مغرب و ابن قسي في كتاب خلع النعلين و عبد الحق بن سبعين و ابن أبي واصل تلميذه في شرحه لكتاب خلع النعلين.
و أكثر كلماتهم في شأنه ألغاز و أمثال و ربما يصرحون في الأقل أو صرح مفسرو كلامهم. و حاصل مذهبهم فيه على ما ذكر ابن أ بي واصل أن النبؤة بها ظهر الحق و الهدى بعد الضلال و العمى و أنها تعقبها الخلافة ثم يعقب الخلافة الملك ثم يعود تجبراً و تكبراً و باطلاً. قالوا: و لما كان في المعهود من سنة الله رجوع الأمور إلى ما كانت وجب أن يحيا أمر النبؤة و الحق بالولاية ثم بخلافتها ثم يعقبها الدجل مكان الملك و التسلط ثم يعود الكفر بحاله يشيرون بهذا لما وقع من شأن النبؤة و الخلافة بعدها و الملك بعد الخلافة. هذه ثلاث مراتب. و كذلك الولاية التي هي لهذا الفاطمي و الدجل بعدها كناية عن خروج الدجل على أثره و الكفر من بعد ذلك فهي ثلاث مراتب على نسبة الثلاث المراتب الأولى. قالوا: و لما كان أمر الخلافة لقريش حكماً شرعياً بالإجماع الذي لا يوهنه إنكار من يزاول علمه وجب أن تكون الإمامة فيمن هو أخص من قريش بالنبي صلى الله عليه و سلم إما ظاهراً كبني عبد المطلب و إما باطناً ممن كان من حقيقة الآل، و الآل من إذا حضر لم يلقب من هو آله.